الجمعة, نوفمبر 22
Banner

جبهة الأفران والوزارة ومعركة ربطة الخبز: الاتفاق المفخَّخ

كتب خضر حسن في المدن : تصعيد وتهدئة تشهدها علاقة الأفران بوزارة الاقتصاد. ترتفع حدّة الخلافات أحياناً، لكنها لا تلبث أن تتراجع، بعد عقد اتفاقات مفخّخة تصبّ دائماً في مصلحة الأفران. فالوزارة تحاول شد الحبل من جهتها في البداية، لتدخل بعدها في مفاوضات مع الأفران، لتنتهي العملية بإرضائها على حساب المستهلكين. ولا تخرج المبادرة الأخيرة بزيادة وزن ربطة الخبز من 900 غرام إلى 1000 غرام، من دائرة الابتزاز الدائم للمستهلكين.

هبة تثير الأسئلة
لم ينطلق قرار زيادة وزن ربطة الخبز، يوم الخميس 17 أيلول، من صحوة ضمير لدى الوزارة والأفران، بل بدفعٍ من برنامج الأغذية العالمي، حين قدّم البرنامج هبة من الطحين تبلغ 12 ألف طن، سيتم توزيعها “مجاناً، على الأفران المسجلة لدى وزارة الاقتصاد والتجارة، والتي سيتم التأكد من أنها تعمل وتنتج الخبز العربي”، وفق ما أكّده وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، راوول نعمة، والذي أشار إلى أن زيادة الوزن، سيبدأ اعتباراً من يوم الاثنين 21 أيلول، ولمدة 26 يوماً، على أن يبقى سعر الربطة 2000 ليرة.

جملة من التساؤلات تحيط بهذا الموضوع، بدءاً من الهبة نفسها. بالتأكيد لا أحد يرفض مبدأ الهبات، لكن كان من المفترض على الوزارة أن تنسّق الأمر مع البرنامج. فلبنان ليس بحاجة إلى الطحين، وهو ما قاله نعمة. وإن كان هناك من حاجة في هذا الصدد، فهو للقمح، إذ أن إغراق البلاد بكميات إضافية من الطحين، يؤثّر سلباً على عمل المطاحن اللبنانية.

بما أن الجدال حول الهبة لم يعد مجدياً، فالبحث حول استعمالها في الوجهة الصحيحة، هو الأَولى. وقد حدّد نعمة وجهة الطحين، لكنه لم يعرض آلية التأكّد من حصر استعمال الهبة لصناعة الخبز. فهذه معضلة قديمة، لم تتمكّن الوزارة من تجاوزها. فلغاية اللحظة، تستفيد الأفران من دعم استيراد القمح، لتصنع منتوجات متعددة بمادّة مدعومة، فيما تُباع للمستهلكين بأسعار مرتفعة. ولذلك، ستستفيد الأفران من طحين مجاني لتصنع به منتجات غير مجانية. فتكون الوزارة بذلك، ساعدت الأفران على حساب المستهلكين.

تفخيخ القرار
جرى إنقاص وزن ربطة الخبز ورفع سعرها من 1500 ليرة إلى 2000 ليرة، بفعل تواطؤ بين الأفران ووزارة الاقتصاد، بعد عدم تمكّن الأخيرة من اقناع الأفران بالعدول عن قراراتها، رغم أن حدّة الوزارة ضد الأفران كانت مرتفعة. إذ اعتبر نعمة في مرحلة سابقة أن “وزن ربطة الخبز 900 غرام وهو غير قانوني وغير مقبول”، كما انتقد مراراً رفع السعر، ورَفَضَ الضغوط التي مارستها الأفران، ومنها التهديد بالإقفال تارة وحصر بيع الخبز بصالات العرض تارة أخرى. لكن سرعان ما أذعَنَ نعمة لرغبة الأفران، متذرّعاً بإجراء الوزارة دراسة لكلفة انتاج الرغيف، وخلصت بالموافقة على تخفيض الوزن ورفع السعر.

اليوم يحاول نعمة الاستفادة من هبة الطحين لتقديم خدمة للمستهلكين، مدّتها شهران فقط، لتعود الأمور إلى حالها بعد انقضاء المهلة. وبذلك، يكون الوزير قد وضع أوّل فخّ ضد المستهلكين. إذ لم يطرح إعادة النظر بسعر الربطة رغم انخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء. فالذريعة سعر الدولار التي رفعها أصحاب الأفران تقلّص حجمها، فالدولار انخفض من حدود 9 آلاف ليرة إلى ما يقل عن 7 آلاف، ولم تشهد الربطة انقاصاً للسعر أو زيادة للوزن.

الفخّ الثاني يستهدف قرار زيادة الوزن، ويأتي من الأفران ضد الوزارة والمستهلكين على حدّ سواء. فخلال إعلان الوزير للقرار، أكّد نائب رئيس اتحاد نقابات المخابز والأفران علي ابراهيم أن “هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه مقرون بدعم السكر والخميرة المستعملة في صناعة الخبز”. أي أن إبراهيم يرهن تنفيذ القرار بدعم السكّر والخميرة، وهو أمر مستبعد. ما يعني أن زيادة وزن ربطة الخبز، مستبعد أيضاً، وإن دخل حيّز التنفيذ. فالعراقيل جاهزة والوزارة لن تبالي لتطبيق القرار أو عدمه، فها هي تجربة السلة الغذائية المدعومة ما زالت ماثلة أمام الجميع. فالأسعار بقيت مرتفعة، ولم يلتمس أحدهم دعماً فعلياً للأسعار. فما الذي سيختلف بالنسبة للخبز؟

رفض من أهل البيت
تناقضات كبيرة تدور داخل بيت أصحاب الأفران، فبعض الأفران لا يوافق على الآلية التي يدار بها اتحاد النقابات، لأن “المستفيدين من القرارات هم قلّة من الأفران”، على حد تعبير مصادر من بين أصحاب الأفران، والتي تشير في حديث لـ”المدن” إلى أن “المسيطرين على الاتحاد يقررون ما يحلو لهم، ويحظون بغطاء من بعض المرجعيات السياسية”. والمشكلة الأهمّ بالنسبة للمصادر، هي “استغلال الأزمة التي نعيشها، لتحقيق المزيد من المكاسب”.

ولا تستبعد المصادر أن يقوم البعض باستغلال الهبة، “لطرح مقايضة مع الوزارة، وهي القبول بزيادة وزن الربطة لمدة شهرين، شرط دعم السكّر والخميرة بعد هذه المدّة. وإلاّ فإن القرار لا يُطَبَّق، وقد لا تستلم الأفران الطحين، لأنها في الأصل تسجّل أرباحاً مرتفعة نتيجة أسعار باقي الأصناف ومنها الكعك والحلويات والتوست… وغيرها”.

توافق المصادر على ما يقوله وزير الاقتصاد، في ما يخص عدم حاجة لبنان إلى الطحين، لكنها تربط ما يحصل في ملف المساعدات، بالسعي “لترويض الناس والتخفيف من هول التفجير وآثاره، عن طريق إلهاء الناس بملف المساعدات وتقديم الإعاشات والمعونات. والخبز هو أحد المواد الرئيسية التي يمكن استعمالها للإلتفاف على المعضلة الحقيقية، وهي تخلّي الوزارات عن ممارسة عملها طيلة سنوات، إلى حين وصلنا إلى ما نحن عليه. وما زال الأسلوب التحاصصي هو نفسه”.

لا تقتنع المصادر بإمكانية إحداث فرق في ما يخص ربطة الخبز. فدعم ربطة الخبز لا يكون بزيادة رغيف أو رغيفين، بل بإيقاف تحكّم البعض بمصير الرغيف وحجمه وسعره. وكل ما عدا ذلك، هو محاولة لشراء الوقت قبل الانفجار الحقيقي، الذي سترتفع معه الأسعار إلى حدٍّ قد يصبح فيه سعر ربطة الخبز 5 آلاف ليرة.

Comments are closed.