مع ان إنشداد لبنان امس، اسوة بالعالم بأسره، الى حبس الانفاس الذي فرضته تطورات الانتخابات الرئاسية الأميركية، بدا امرا طبيعيا، لكن هذا العامل الخارجي الطارئ لم يقلل خطورة التباطؤ الذي عاد يطبع مسار تأليف الحكومة الجديدة في وقت تتصاعد فيه أخطار الانهيارات الداخلية ولا تحرك ساكنا لدى معرقلي ولادة الحكومة. اتخذ مشهد الدوامة المملة والعبثية في مسار تأليف الحكومة بعدا شديد الوطأة على البلاد أمس تحديدا في الرابع من تشرين الثاني الذي صادف مرور ثلاثة اشهر على إلانفجار المزلزل في مرفأ بيروت، اذ اختلطت التداعيات الهائلة التي خلفها الانفجار مع المشهد المتخلف للدولة اللبنانية حيال الانهيارات التي يعاني منها اللبنانيون وكأن لا انفجار حصل ولا انهيارات تستدعي استعجالا استثنائيا في تأليف حكومة تكون على الأقل على مستوى التصدي بأقصى سرعة لكوارث زاحفة من حجم كارثة الانتشار الوبائي لكورونا في سائر المناطق اللبنانية على عتبة بلوغ سقف الإصابات المئة الف إصابة الأولى رسميا وما يواكب الكارثة المتدحرجة من نتائج مخيفة على القطاع الصحي والاستشفائي .
ذلك ان الأجواء التي مالت الى توقعات إيجابية قبل 48 ساعة في شأن مسار تأليف الحكومة لم تصمد طويلا امس، خصوصا في ظل انعدام التحركات المتصلة بهذا المسار وعدم قيام رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بزيارة كانت مرتقبة لقصر بعبدا بما فسر بانه تراجع للإجواء التفاؤلية التي سادت في الساعات السابقة. ووسط ازدياد معالم التكتم عن حقيقة مجريات الأمور بين قصر بعبدا وبيت الوسط، أعربت مصادر سياسية بارزة ومطلعة على مجريات الاتصالات الجارية لـ”النهار”عن شكوكها العميقة في وجود نيات جدية لتسهيل مهمة الرئيس المكلف وتحدثت عن موجات باردة وساخنة من المناورات المتعاقبة من جانب الافرقاء النافذين الذين يتولون إدارة غرفة العمليات الخلفية للملف الحكومي بما بات يفسر بوضوح ظاهرة الصيف والشتاء على سطح التفاوض الجاري مع الحريري بهدف تعريض صدقيته وهزها واتهامه بتوسيع اطار الوعود السياسية فيما كل ذلك لا يمت الى الحقيقة بصلة. وفي ظل هذا المناخ استبعدت الأوساط نفسها ان تطرأ عوامل مشجعة وجدية من شأنها دفع عملية تشكيل الحكومة قدما في الأيام القليلة المقبلة خصوصا اذا صحت المعلومات التي تتحدث عن رفع سقف الاشتراطات والمطالب مجددا حول حقائب عدة من جانب فريق رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” بهدف السيطرة على الثلث المعطل في الحكومة.
تمديد التدقيق الجنائي ؟
ولان عامل الوقت والمهل لا يحتمل ترف اللعبة التعطيلية السياسية أيضا اندفعت الى واجهة الاستحقاقات أيضا مسالة التدقيق الجنائي لحسابات مصرف لبنان بحيث باتت الدولة الان في مواجهة تداعيات القرار الذي ستتخذه في الساعات المقبلة ربما الشركة المعنية بالتدقيق فيما مصرف لبنان يتظلل بالتزام قانون السرية المصرفية في تسليمه المستندات المطلوبة. ومن المقرر ان يقابل مدير شركة “الفاريز ومارسال ” دانيال جيمس اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعدما اجتمع امس مع وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني وبحث معه الخيارات التي التي ستتخذها الشركة في الساعات المقبلة . وترددت معلومات عن اتجاه الى تمديد الشركة مهلة تسليمها كل المستندات التي طلبتها من مصرف لبنان عبر وزارة المال ولم تتسلمها بالكامل لمدة شهر إضافية. ولكن مصرف لبنان اعلن انه بعد تداول المجلس المركزي لمصرف لبنان امس كتاب وزير المال المتضمن كتاب وزيرة العدل في شان حسابات الدولة والسرية المصرفية فان مصرف لبنان سلم كامل الحسابات العائدة له الى وزير المال وفقا للأصول. اما بالنسبة الى حسابات الدولة فلفت مصرف لبنان الى انه “يمكن الدولة اللبنانية طلب كشف مفصل عن كامل حساباتها وتاليا تسليمها الى الجهات التي ترى انه من المناسب اطلاعها عليها الامر الذي يجنب مصرف لبنان مخالفة قوانين السرية الملزمة قانونا والتي يترتب على مخالفتها عواقب جزائية “. واعلن انه سلم وفقا للقانون كامل المستندات التي طلبتها كل من شركتي التدقيق .
وجاء مرور الشهر الثالث امس على انفجار المرفأ متزامنا مع بدء موسم الأمطار بما يعنيه ذلك من تفاقم التداعيات التي تركتها الانفجار بتدميره ألوف المباني وتضررها وتهجير عشرات ألوف المواطنين منها . وقد نظم عشرات المتضررين وذوي ضحايا الانفجار امس تظاهرة الى منزل قاضي التحقيق في انفجار المرفأ فادي صوان معبرين عن رفضهم التأخير في التحقيقات ومطالبين بالكشف فورا عن معطيات التحقيق ومتابعة الملف.
الاقفال
في غضون ذلك بدأ الانتشار الوبائي لكورونا ينذر فعلا ببلوغه حدود الكارثة بل الانهيار الصحي والاستشفائي والاجتماعي بعدما وصل واقع المستشفيات الحكومية والخاصة الى ذروة الاحتواء للمرضى. وكشفت مصادر طبية بارزة ان التوصيات التي صدرت قبل أيام عن لجان نيابية وصحية بالإقفال لأسبوعين لم تعد مجدية لان الحاجة الفعلية باتت ضاغطة وإلزامية لإقفال يناهز الشهر على الأقل منعا للانهيار الصحي والاستشفائي. ولفتت الى ان الطواقم الطبية والتمريضية لن تتمكن من الصمود طويلا بفعل الإصابات الكثيفة في صفوفها كما ان المستشفيات وغرف العناية لم تعد تتسع للمصابين. وقد أبلغت المراجع الرسمية طلبات وتحذيرات وإنذارات بان كارثة الانتشار الوبائي تقترب من المراحل الأكثر خطورة ولذا برز اتجاه الى انعقاد المجلس الأعلى للدفاع في الساعات الـ48 المقبلة لاتخاذ قرار حاسم في شان الأقفال ومدته. ويشار في هذا السياق الى ان وزارة الصحة سجلت امس 1888 إصابة بكورونا و9 وفيات وبلغ العدد التراكمي 87097 إصابات