بدا السؤال الكبير الذي أعقب الإعلان من قصر بعبدا مساء أمس عن آلية جديدة لمعالجة أسوأ أزمة محروقات عرفها لبنان في تاريخه وباتت تتهدد أمنه الاجتماعي والإنتاجي بالشلل التام، كما بدأت تتهدد استقراره الأمني، لماذا تركت تداعيات الأزمة تبلغ حدوداً كارثية في إذلال الناس ولم يتم اللجوء إلى حل تخديري موقت كالذي اعتمد أمس برفع الدعم جزئياً وإبقائه جزئياً؟
ومع أن الأيام القليلة المقبلة ستحكم وحدها على جدوى المخرج الذي اعتمد وما إذا كانت تسعيرة جديدة للمحروقات على سعر 8000 ليرة للدولار الأميركي ستحل كارثة طوابير السيارات عند محطات الوقود وكارثة توقف المولدات بسبب نفاد المازوت، فإن ما حصل أمس شكل تسوية اضطرارية قسرية لجأت إليها السلطة السياسية ممثلة برئيسي الجمهورية ميشال عون وحكومة تصريف الأعمال حسان دياب مع السلطة المصرفية ممثلة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة على قاعدة عدم كسر أي من الفريقين بعدما ركبت السلطة السياسية رأسها في موضوع رفع الدعم عن المحروقات ولم توفق في اجتراح أي بديل.
ولم تغب دلالات الإخفاق الذي منيت به السلطة السياسية بعدما تفاقمت الأزمة عن الكلمة المفاجئة التي بادر رئيس الجمهورية الى توجيهها عقب أجتماع بعبدا إذ عمد فيها تكراراً إلى تحميل حاكم مصرف لبنان تبعة أزمة المحروقات مكملاً هجوم صهره النائب جبران باسيل على الحاكم في جلسة مجلس النواب الجمعة الماضي، كما انتقد عون الحكومة المستقيلة مجلس النواب ليخلص إلى غسل يديه من الازمة والزعم أنه وحده من يسعى إلى معالجة الازمات مع وعد بتشكيل الحكومة الجديدة.
وكان جوهر التسوية أمس اللجوء إلى حل موقت بالطلب إلى مصرف لبنان فتح حساب موقت لتغطية دعم استثنائي للمحروقات بمبلغ 225 مليون دولار حتى نهاية أيلول على أن تتولى الدولة فارق السعر أي أن تسديد الفارق بما يبقي قرار مصرف لبنان رفع الدعم ساري المفعول. وسيتم تسعير البنزين والمازوت على أساس الدولار بـ8 آلاف ليرة بما يقدر أن يرفع سعر صفيحة البنزين إلى ما يناهز الـ145 ألف ليرة، وصفيحة المازوت بنحو 116 ألف ليرة ويفترض أن تصدر وزارة الطاقة جدول الأسعار الجديدة صباح الاثنين. وأوضح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لرويترز بعد الاجتماع أن الحكومة ستسعر الوقود بسعر ثمانية آلاف ليرة للدولار والفرق بين السعرين يترجم إلى خسارة تتحملها الحكومة والمصرف سيوفر الدولار لواردات الوقود بسعر السوق.
وكان عقد اجتماع في قصر بعبدا عصراً برئاسة الرئيس عون وحضور الرئيس دياب ووزير المال غازي وزني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشارك وزير الطاقة ريمون غجر عبر تطبيق زوم. وأعلن الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكيه القرارات كالآتي:
“بعد القرار الصادر عن مصرف لبنان بالتوقف عن بيع الدولار لتمويل الاعتمادات المتعلقة بشراء المحروقات من بنزين ومازوت وغاز منزلي على سعر /3900/ ل.ل. واعتماد سعر منصة “صيرفة”، وبعد مشاورات مكثفة بين السيد رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال والتي شملت جميع الجهات المعنية، عُقِدَ هذا الاجتماع اليوم برئاسة السيد رئيس الجمهورية وحضور السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير المال والسيد وزير الطاقة والمياه (عبر تطبيق زوم) والسيد حاكم مصرف لبنان، وتمّ التوافق، بإجماع الحاضرين، على معالجة التداعيات من خلال التدابير التالية:
أولاً: الموافقة على اقتراح وزارة المالية بالطلب إلى مصرف لبنان فتح حساب مؤقت لتغطية دعم عاجل واستثنائي للمحروقات من بنزين ومازوت وغاز منزلي ومقدمي الخدمات وصيانة معامل الكهرباء، وذلك بما يمثل قيمة الفرق بين سعر صرف الدولار الأميركي بحسب منصة “صيرفة” والسعر المعتمد في جدول تركيب الاسعار والمحدد بـ 8000 ل.ل. (بدعم حدّه الأقصى 225 مليون دولار أميركي لغاية نهاية شهر أيلول)، وعلى أن يتم تسديد هذه الفروقات بموجب اعتماد في موازنة العام 2022.
وعلى أن تُصدر وزارة الطاقة والمياه جدول تركيب الأسعار فور صدور هذا القرار.
ثانياً: التأكيد على الوزارات والادارات والأجهزة المعنية من قضائية وأمنية وعسكرية وجوب التنسيق في ما بينها في سبيل الحؤول دون تخزين مواد البنزين والمازوت والغاز المنزلي أو احتكارها أو استغلال المخزون الموجود حالياً لتحقيق أرباح غير مشروعة.
ثالثاً: تعديل تعويض النقل المؤقت المنصوص عنه في القانون رقم 266 تاريخ 23/10/1993 والمحدد بالمرسوم رقم 538 تاريخ 14/10/2008 بحيث يُصبح /24000/ ل.ل. عن كل يوم حضور فعلي.
رابعاً: إعطاء مساعدة اجتماعية طارئة بما يساوي أساس الراتب الشهري أو المعاش التقاعدي دون أي زيادات مهما كانت نوعها أو تسميتها تسدد على دفعتين متساويتين، وتشمل جميع موظفي الإدارة العامة مهما كانت مسمياتهم الوظيفية (موظفين، متعاقدين، اجراء، أجهزة عسكرية وأمنية، القضاة، السلك التعليمي بمختلف فئاته: الابتدائي والمتوسط والثانوي والتعليم المهني والتقني والاجراء، المتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي …..) وتكليف السيد وزير المالية اعداد الدراسة اللازمة للبحث في إمكانية شمول تلك المساعدة المستخدمين في المؤسسات العامة وموظفي البلديات وعلى أن تُصرف حينها وفقاً للأصول التي ترعى كل إدارة عامة.
وبالنتيجة، وعملاً بأحكام تعميم السيد رئيس مجلس الوزراء رقم 27/2020،
وفي ظل استقالة الحكومة وتعذر عرض الموضوع المذكور على مجلس الوزراء، أعطى السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس مجلس الوزراء موافقتهما الاستثنائية على البنود المعروضة أعلاه، وعلى أن يُعرض الموضوع لاحقاً على مجلس الوزراء على سبيل التسوية”.
كلمة عون
ومساءً، وجّه عون رسالة إلى اللبنانيين جاء فيها: “أحبائي، ليس هناك اسهل من المزايدات والخطابات الشعبوية. وليس هناك اسهل أيضاً من توزيع الاتهامات يميناً وشمالاً، حتى تتزور الحقائق ويتغطى المذنبون الحقيقيون.
منذ بدأت ازمة المحروقات، وأنا أدعو الى حل عملي وسريع، كي لا نصل إلى ما وصلنا إليه، ويتبهدل المواطنون أمام محطات البنزين، وتنقطع الكهرباء، وتتوقف المولدات. وكنا قررنا في اجتماع انعقد هنا في القصر الجمهوري أن يستمر الدعم على المحروقات حتى نهاية شهر أيلول المقبل، كي يتزامن رفع الدعم التدريجي مع صدور البطاقة التمويلية. ولم نترك وسيلة الا وعملنا عليها، بما فيها الاتفاق الذي حصل مع العراق لاستيراد المحروقات، والذي من المفترض أن يبدأ تنفيذه خلال الشهر المقبل.
لكن الذي خرب الوضع، وجعل الأزمة تتفاقم هو القرار الذي أخذه حاكم مصرف لبنان بوقف الدعم من دون العودة إلى الحكومة، وقبل صدور البطاقة التمويلية. مع الأسف، فإن هذا القرار جعل أزمة المحروقات تتفاقم أكثر فاكثر مع إصرار الحاكم على موقفه، ومطالبته بإصدار تشريع يغطي الصرف من الاحتياط الإلزامي.
بعد قرار الحاكم، طلبت عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لدرس الوضع واتخاذ القرار وإيجاد حل شامل، فيتحمل كل وزير مسؤوليته ضمن اختصاصه. لكن رئيس الحكومة اعتبر أن مجلس الوزراء لا يجتمع في فترة تصريف الأعمال.
ولأن الدستور حصر دعوة مجلس الوزراء برئيسه، أو بموافقته في حال ارتأى رئيس الجمهورية ضرورة الدعوة إلى جلسة استثنائية، لم ينعقد المجلس بالتالي ولم نتمكن من اتخاذ القرار المناسب.
إذ ذاك، لم يعد أمامي إلا أن اطلب من مجلس النواب أن يتخذ المبادرة في معالجة هذه المسألة، فوجهت اليه رسالة شرحت فيها كل الوقائع، وطلبت مناقشتها واتخاذ القرار أو الموقف المناسب. ولكن، مع الأسف، أتى موقف مجلس النواب بصورة عمومية من دون أي خطوات عملية تنفيذية. وهو اكتفى بالدعوة إلى تشكيل حكومة وإصدار البطاقة التمويلية، وبعد ذلك رفع الدعم.
مرة جديدة، لم نصل إلى نتيجة عملية، وقد استخدمت كل صلاحياتي الدستورية: مجلس الوزراء لم ينعقد، ومجلس النواب لم يتخذ اجراء عملياً، والوضع اليوم هو كما ترونه وتعيشونه.
لقد احببت أن أصارحكم بالواقع كي تعرفوا أن هناك عرقلة لكل فكرة أو اقتراح أو مبادرة، كأن المطلوب هو المزيد من تدهور الأوضاع والمعاناة والعذاب للمواطنين، ووقوفهم في طوابير الذل. أنا أعرف أن المطلوب خطوات عملية، يجب أن نأخذها. ومن جهتي تشاورت مع دولة رئيس الحكومة، ودعونا الى اجتماع اليوم في قصر بعبدا تقرر فيه: دعم المحروقات على أن تتحمل الخزينة اللبنانية جزءاً من الكلفة، وإعطاء موظفي القطاع العام مساعدة اجتماعية عاجلة، بانتظار إعادة النظر بالرواتب والأجور وفقاً للأصول، وضمن خطة تعاف شاملة.
أما بالنسبة إلى الحكومة، فستتشكل بإذن الله، وبالتعاون بيني وبين الرئيس المكلف. والأساس هو أن تكون حكومة قادرة على القيام أصلاً بالإصلاحات، وحاصلة على ثقة الكتل النيابية”.
وختم رئيس الجمهورية: “وأخيراً، أريد أن اطمئنكم أنني سأظل أعمل حتى نبلغ الحلول، ولن أتأثر بالمزايدات ولا بالحملات الإعلامية، كما ولن أتخلى عن واجباتي ومسؤولياتي. للأسف، تعطلت كل أجهزة الدولة المفروض فيها أن تتخذ القرارات، فأخذت أنا المبادرة لحل الأزمات الضاغطة والمشاكل الطارئة. أحبائي، الوضع صعب لكن بتضامننا نحن قادرون أن نصل تدريجياً إلى النتائج المرجوة. عشتم! عاش لبنان!”.
النهار