ذو الفقار قبيسي- اللواء:
بعض الخطط الاقتصادية مثل الأدوية تنتهي صلاحيتها، لكنها في لبنان تبقى في التداول بل وتتحوّل الى «ايقونات» مقدسة لا سيما بالنسبة للذين لم يدرسوها كفاية ويدققوا أرقامها كي يتمكنوا من مدى استمرار صلاحياتها في ضوء التغييرات والتطوّرات.
ومن هذه الخطط التي ما زالت في التداول، خطة «ماكنزي» التي بنيت على خطط سبقتها في طليعتها خطة «بوز اند كومباني» التي وضعت في العام ٢٠١٠. وكلاهما وما قبلهما من خطط كلفت الدولة اللبنانية ملايين الدولارات! ولو ان الأرقام لا تموت مثل البشر لكان الأجدى أن تعتمد الدولة خطة «ايرفد» كبرى بالخطط الانمائية التي عرفها لبنان واستغرق اعدادها سنوات منذ حوالي ٦٥ عاما في عهد الرئيس فؤاد شهاب.
وفي حال خطة «ماكنزي» فانها وضعت قبل العواصف المصرفية والاقتصادية والكورونية التي حلّت بلبنان. وبالتالي فان كل الميزانيات المالية التي تدعو الخطة الى رصدها لرفع معدل النمو من أقل من صفر الآن الى ٦% بعد ثلاث سنوات، لم يعد متوافرا لتحقيقها لا دولارات ولا ليرات!
وعلى سبيل المثال كيف يُمكن بعد اجتياح الكورونا وانفجار المرفأ واستنزاف الاحتياطيات تمويل ما تدعو إليه مصرفيا واقتصاديا، الخطة من تطوير الخدمات المصرفية والمالية والاستثمارية والتأمينية، وتوفير بنية تحتية عالية المستوى وتنفيذ الباص السريع لبيروت وإعادة تأهيل مطار رفيق الحريري الدولي، وبناء الطريق السريع رأس بعلبك – الحدود السورية، وتحويل كل من بيروت وجبيل وصور الى واجهات سياحية عالمية عبر تطوير سياحة الأعمال والسياحة الاستشفائية والدينية والثقافية، وتحسين الأرصفة في كل هذه المناطق وسواها، وإقامة ٩ مدن صناعية، وزيادة الصادرات الصناعية والزراعية، وإنشاء مناطق زراعية وتكنولوجية، وبناء مراكز ترفيهية ومراكز ألعاب وكازينوهات، واستحداث ٣٧٥ فرص عمل جديدة منها ٥٠ ألف فرصة في قطاع الصناعة (التي انحدرت حصتها من الناتج الى ١٢%) و٢٥ ألف فرصة في قطاع الزراعة (التي انحدرت حصتها من الناتج الى ٣%) و١٠٠ ألف فرصة في قطاع السياحة!!! ا(التي انحدرت حصتها من الناتج الى ٥%) و٦٠ ألف فرصة في قطاع المعرفة الذي ما زال جنينا في طور الولادة الى جانب قطاعات تتهالك والتي لتطويرها وزيادة مساهماتها في الناتج وخلق فرص عمل جديدة فيها، تحتاج الى عشرات مليارات الدولارات وربما الى مئات المليارات (وسط أجواء منافسات عربية وأقليمية ودولية قاسية) الى إعادة لبنان الى الخارطة العالمية التي كان عليها لبنان للعرب في سالف الأزمان، المصرف والمطار والمرفأ والجامعة والمدرسة والصحافة والمستشفى والمصيف والملهى.
وقد يقال أن ما سوف يرفد من المال من المؤتمرات والصناديق الدولية والعربية يمكن استخدامه في تنفيذ طموحات الخطة، لولا ان هذا المال «الطازج» Fresh – إذا حضر – لا يكفي حتى لسد عجوزات سابقة، فكيف يكفي وسط عواصف وباء وانفجار وانهيار، لتمويل طموحات لاحقة؟!
ويبقى السؤال
إذا كانت أرقام خطط العلاج مثل الأدوية تنتهي صلاحياتها أو تموت، فما هي خطط حكومة عتيدة لا نعرف عنها وعن توجهاتها سوى أوراق اقتصادية هي عبارة عن مزيج من أفكار عمومية لبنانية!