فيما توزّعت الانشغالات اللبنانية بين فضيحة تخزين الطحين الوارد كمساعدة عراقية للبنان، وما تكشف من إهمال واستهتار من جهة ومن تبرير وتهرّب من المسؤولية من جهة موازية، عنوانهما استمرار اللامسؤولية التي طبعت سلوك وزير الاقتصاد، وبالتوازي متابعة لغز التدقيق الجنائي والخلافات التي توسّعت لتطال العلاقة بين السراي وقصر بعبدا في مقاربة تطبيق العقد الخاص بالتدقيق المالي الجنائي في مصرف لبنان، بعد اتفاق رئيس الجمهورية ووزير المال وحاكم مصرف لبنان مع الشركة المدققة على تأجيل المهلة لثلاثة شهور، بعكس إصرار رئيس الحكومة على مطالبة حاكم مصرف لبنان بالتنفيذ، من دون أن يجيب أحد على السؤال المحوري، هل التدقيق الجنائي يتعارض مع قانون السرية المصرفية أم لا، كل ذلك واللبنانيون تحت ضغط تنامي وتوسع وتمدد وباء كورونا وغياب أي جواب رسميّ عن كيفية ضمان مواجهة أفضل وعن الخطة الحكوميّة لرفع نسبة جهوزية الطقاع الصحيّ الذي بلغ درجة الإشباع في قدراته على استيعاب المصابين، والعجز عن توفير الدواء.
رغم هذه الانشغالات، بقي الاهتمام بالمشهد الرئاسي الأميركي المتجه نحو المزيد من التعقيد، في ظل اتجاه المرشح جو بايدن نحو نيل أصوات ولاية نيفادا الستة في المجمع الانتخابي، ليبلغ الـ 270 مندوباً لإعلان فوزه بالرئاسة، بينما الرئيس دونالد ترامب، يخوض معركة التشبث بالبقاء بالبيت الأبيض بأي ثمن، متبعاً طريق التعطيل القضائي عبر سيل الدعاوى التي توزّعت من حملة ترامب بين المحاكم المحلية والمحكمة الدستورية العليا، فيما ينتظر حسم أمر النتيجة الأولية اليوم والنتيجة النهائية الثلاثاء المقبل، حيث أربع ولايات لا تزال تنتظر حسم النتائج.
دخل على الخط في قراءة المشهد اللبناني الكلام اللافت للرئيس السوري بشار الأسد عن توصيف أحد أبرز عناصر تأزيم الوضع الاقتصاديّ والمالي في سورية في زمن الحصار والعقوبات، بما ضاع على السوريين من مليارات الدولارات من ودائعهم في المصارف اللبنانيّة، ما أضاف ملفاً وازناً لملفات العلاقات اللبنانية السورية الى ملف النازحين، ما ينتظر مبادرة لبنانية نحو سورية لفتح حوار جاد حول هذه الملفات والتعامل معها بين الحكومتين، بما يجعل مستقبل التعاون بين البلدين ملفاً رئيسياً ينتظر الحكومة الجديدة رغم تجاهل المعنيين بالملف الحكومي هذه الأولوية.
حكومياً، يتوقع استمرار مناخ الاستعصاء بالنسبة لمصادر تتابع المسار الحكومي، بسبب عمق الخلاف بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري رغم التفاهم على عدد الـ 18 وزيراً، حيث لا تزال قضية المداورة في الحقائب معلقة عند مصير وزارة الطاقة، ولا يزال النقاش حول كيفية تسمية الوزراء موضع أخذ ورد، وفي خط الوساطات يتولى رئيس مجلس النواب نبيه بري رعاية المساعي الهادفة لتدوير الزوايا، ويتولى المدير العام للأمن العام الدور الرئيسي في هذه المساعي، بينما ورد في مقدّمة نشرة أخبار المنار “في الفيلمِ الحكوميِّ اللبناني، حَلْقاتٌ مملةٌ والسيناريو ذاتُه يتكرر، وتتداخلُ حلقاتُه التي قد تُعيدُنا الى المشهد الاول. وهو الحالُ معَ حكومةٍ لامست التسمياتِ ثُم عادت الى اولِ الكلام. والكلمةُ المفتاحُ لأيِّ حل: الثقة، لكنها لا تزالُ مهتزةً عندَ كلِّ نسمةِ هواءٍ سياسي، او مزاجٍ يتقلبُ بينَ حينٍ وحينٍ”.
جمود حكوميّ
لم يسجّل الملف الحكومي أي تطوّر يوم أمس في ظل جمود وضمور في الاتصالات واللقاءات بحسب ما علمت «البناء» ما يؤشر الى استمرار التباين بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلّف على تفاصيل الحكومة التي لم يُحسَم منها حتى الساعة سوى حجمها.
ولم ترصد أي زيارة للرئيس سعد الحريري الى بعبدا ما يزيد المشهد غموضاً، ما استدعى تدخّل بعض الوسطاء للتوفيق بين الرئيسين لا سيما رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي شغّل محرّكاته وأجرى سلسلة اتصالات عبر قنوات معينة حيث تدعو الحاجة لتقريب وجهات النظر والمساهمة في تجاوز بعض العقد بحسب ما أشارت مصادر عين التينة لـ»البناء».
لكن أوساطاً نيابية لفتت لـ»البناء» إلى أن مشاورات الأيام الأخيرة وصلت الى طريق مسدود وعادت بالمفاوضات الى المربع الاول حتى ما كان قد اتفق عليه بين الرئيسين عون والحريري لجهة العدد والحقائب وتوزيعها تم التراجع عنها، وبناء عليه يحتاج الملف الحكومي الى قوة دفع جديدة لتزخيم المشاورات لإنقاذ التشكيل من مراوحة شديدة قد تتمدّد وترحّل الى أسابيع».
وغرّد رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجيّة عبر تويتر «كلّ ما يُنسب الى تيار المردة في الصحف ووسائل الإعلام حول مطالبته بحقائب وزارية هو كلام لا أساس له من الصحة. فنحن لم نطلب وحين يتمّ التواصل معنا نبني على الشيء مقتضاه».
اما رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط فأشار على «تويتر»، ساخراً: وزارة الأخصائيين تزداد وضوحاً في كل يوم. مرفقاً تغريدته بصورة شديدة التعقيد!
وبعد الغموض الذي اعترى مصير المبادرة الفرنسية وتراجع الزخم الفرنسي لدعم لبنان والضغط لتأليف الحكومة، وذلك بعد الاحداث الأمنية الأخيرة في فرنسا أكدت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو في حديث تلفزيوني أنّ «بلادَها كانت ولا تزال وستبقى تدعم لبنان ضمن المبادرة الفرنسية التي تشترط تطبيق الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي»، مذكرة بـ»موقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الداعم دائماً للبنان».
اجتماعان متناقضان حول التدقيق الجنائي
على صعيد ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وعقب تأكيد المصرف المركزي أنه قدّم المستندات الى شركة التدقيق، شهد الملف اجتماعين متناقضين الأول في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية حضره مدير شركة Alvarez & Marsal المولجة بالتدقيق الجنائي دانيال جيمس، ووزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والثاني في السراي الحكومي برئاسة الرئيس حسان دياب.
وتقرّر في الاجتماع الأول، بحسب ما أعلن وزني بعد اللقاء “تمديد المهلة المحدّدة لتسليم المستندات المطلوبة للتدقيق الجنائي مدة 3 أشهر”. وقال “التدقيق الجنائي خطوة إصلاحية بامتياز، والرئيس عون شدّد على أهمية الالتزام به”.
ودعا عون إلى “ضرورة التزام الحكومة إجراء التدقيق الجنائي المالي في حسابات مصرف لبنان لأهمية هذه الخطوة في مجال الإصلاحات الضرورية”.
إلا أن اتفاق قصر بعبدا لم يلقَ صدىً في القصر الحكومي الذي شهد اجتماعاً مماثلاً للجنة متابعة الملف برئاسة دياب تبرأت في نهايته من قرار بعبدا، معلنة التمسك بقرار مجلس الوزراء المتخذ بتكليف الشركة المذكورة أعلاه بإجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. فيما أعلنت وزيرة العدل ماري كلود نجم بأن قرار مجلس الوزراء السابق ملزم لمصرف لبنان الذي يخضع لقوانين الدولة اللبنانية.
اتفاق بعبدا الذي خالف موقف السراي الحكومي، أظهر بأن الخلاف على هذا الملف لم يعد يقتصر على الحكومة ومصرف لبنان فحسب، بل توسّعت دائرة الخلاف لتطال الحكومة نفسها وتحديداً الرئاستين الأولى والثالثة.
وأوضح الوزير وزني لـ”البناء” إلى أن “مهلة الثلاثة أشهر التي تم الاتفاق عليها بين وزارة المال وشركة التدقيق الجنائي هي مهلة الحد الأقصى وفي حال تمّت معالجة بعض العوائق القانونية فقد يبادر مصرف لبنان إلى تسليم كافة المستندات التي تطلبها الشركة”، وأوضح أنه سيصار إلى تحديد مفهوم قانون السرية المصرفية والعمليات المالية التي تنطبق عليه والتي لا تنطبق”، مشيراً إلى أن “الكثير من العمليات المالية لا تخضع لهذا القانون، لذلك يجب تحديد هذا الأمر لتسهيل التعاون بين الشركة ومصرف لبنان”.
أما وزيرة العدل فأعلنت من السراي أن على حاكم مصرف لبنان أن ينفذ قرارات الحكومة أو أن يبرّر رسمياً للحكومة وللرأي العام سبب عدم تجاوبه معها. مشيرة الى أن هناك فجوة كبيرة في حسابات المصرف، ونريد أن نعلم أين ذهبت ودائع الناس؟ وفي سياق ذلك، لفتت نجم لـ”البناء” حول حقيقة الاتفاق على تمديد المهلة بالقول: “متمسكون بقرار مجلس الوزراء ولم يحصل تمديد للعقد بل هناك أفكار يتم التداول بها، هناك عقد وقرار مجلس وزراء اتخذ لا يتغير بهذه السهولة”.
لكن السؤال: لماذا وافقت الشركة على تمديد المهلة بالسماح لمصرف لبنان تسليمها المستندات خلال ثلاثة أشهر بعدما تردد أمس أنها بصدد تعليق العمل بالعقد الموقع مع الدولة اللبنانية؟”.
وأوضحت نجم في هذا الإطار أن “الشركة ليست جهة مقرّرة كي توافق ام لا على مهلة الثلاثة أشهر”، ولفتت إلى أن “مجلس الوزراء متمسك بموقفه”. وأضافت: “لم أكن في اجتماع بعبدا لكن لم يطرح موضوع المهلة في اجتماع السراي ولم نوافق على شيء يخالف قرار الحكومة”.
أسباب تمديد المهلة
مصادر وزارية مطلعة على الملف أشارت لـ”البناء” إلى سببين وراء قرار تمديد المهلة، الأول سياسي فهناك جهات سياسية ومصرفية ومالية نافذة تسعى لتمرير الوقت وترحيل الملف إلى الحكومة الجديدة التي سيترأسها سعد الحريري، وبالتالي الرهان على تسوية سياسية لتجميد الملف تجنباً لكشف حقيقة الجرائم المالية التي ارتكبت بالمال العام، وسبب قانوني يتعلق باتخاذ بعض الإجراءات القانونية ليتمكن مصرف لبنان من القيام بالمطلوب منه. وهذا يتعلق بتعديل قانون السرية المصرفية أو تحديد مفهومه وحدوده”.
وفيما أوضح خبراء ماليون إلى وجود تعقيدات مالية أمام كشف المخالفات الحسابية في مصرف لبنان في ظل العلاقة الغامضة بين المصرف وقطاع المصارف ووزارة المال، وتحميل كل منهم مسؤولية اختفاء الودائع للآخر، برز دخول المجلس النيابي على خط رفض تعديل قانون السرية المصرفية. علماً أن تعديل القانون يتطلب آلية دستورية معينة ويحتاج إلى أغلبية نيابية قد لا تتوفر في ظل خريطة التموضع النيابي والسياسي في هذا الملف، خصوصاً إذا انتقل إلى الحكومة الجديدة حيث سيتحوّل إلى “قنبلة متفجرة” بين الرئيس ميشال عون الذي يتمسّك به كجزءٍ أساسي في برنامج الإصلاح ونصت عليه المبادرة الفرنسية وبين الحريري الذي يمثل الطبقة المالية المصرفية والسياسية الرافضة له.
هل يُعدَّل القانون؟
هل يُجمّد التدقيق بسبب قانون السرية المصرفية أم يُعدَّل القانون؟
برز في هذا السياق موقف استباقي لنائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي الذي يعكس غالباً موقف رئيس المجلس النيابي والرأي النيابي الوازن تجلى برفض تعديل قانون السرية المصرفية الذي اعتبره الفرزلي ركيزة الاقتصاد اللبناني وعنصراً جاذباً لرأس المال الخارجي للاستثمار في لبنان.
وخالفت وزيرة العدل رأي الفرزلي، وأوضحت لـ”البناء” أنها “مع تعديل القانون لأسباب أخرى، لكن قانون السرية المصرفية ليس عائقاً حالياً أمام تنفيذ العقد الذي وقعته الحكومة مع شركة التدقيق الجنائي، وإلا فإن الدولة اللبنانية تصبح عاجزة بسبب السرية المصرفية عن كشف مصير أموالها وأموال اللبنانيين في مصرف لبنان الذي هو مصرف القطاع العام، وهذا غير مقبول”.
إبراهيم
على صعيد آخر، أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أن واشنطن تدفع في اتجاه الحوار سبيلاً إلى حل مشكلات لبنان والمنطقة، وتبدي استعداداً للمساعدة وحرصاً على الاستقرار الأمني في البلاد، مشدداً على أن العلاقة بين واشنطن ودمشق شأن الدولتين حصراً. وفي حديث لمجلة الأمن العام، أوضح إبراهيم أن الزيارة التي قام بها منتصف الشهر الفائت إلى الولايات المتحدة كانت ناجحة بكل المقاييس شكلاً ومضموناً، عازياً الاهتمام الإعلامي الذي أحيطت به إلى “مستوى الشخصيات التي التقيتها من ناحية، ومن ناحية أخرى، إلى أهمية ان تمنح “جائزة إنسانية” للمرة الاولى من مؤسسة محترمة ومرموقة ومعروفة لدى الشعب الأميركي (مؤسسة جايمس فولي) الى شخص غير أميركي، ما يعطي الموضوع بعداً دولياً أكثر منه داخلياً. وأكد إبراهيم أن المحادثات المتعلقة بلبنان كانت صريحة وواضحة وجرت بشفافية مطلقة، مشدداً على أن لبنان هو الهم الأساسي ومصالحه كانت الاولوية كما في كل مكان قصدته. وكشف أن الحديث تمحور حول الوضع السياسي لما له من انعكاس على الوضع الأمني بشكل مباشر، لافتاً إلى “اهتمام بالدفع في اتجاه الحوار كسبيل وحيد لحل مشكلات المنطقة ولبنان، لأن القوة والضغط لن ينتج عنهما الا مزيد من الاهتزازات في المنطقة. وقد لمست كل الحرص على الاستقرار الأمني في لبنان من جميع من التقيتهم”.
على صعيد آخر أعلنت وزارة الصحة العامة عن تسجيل 2089 إصابة جديدة بفيروس كورونا ليرتفع العدد التراكمي إلى 89186.
وسجل لبنان 7 وفيات ليصل بذلك العدد التراكمي إلى 683 حالة.