السبت, نوفمبر 23
Banner

سيناريو “كـابول” يُخيّم على بيروت

عبدالله قمح – ليبانون ديبايت

بكل صراحة، لقد تمّ “بخع” أخصام سوريا في لبنان. هؤلاء، جلسوا يشاهدون “الزحف اللبناني” تجاه الشام والدخان يتصاعد من رؤوسهم، ولا من يواسيهم. وضعهم “دقيق” ويستدعي الإنتباه إذاً، وعلى الأرجح إن نوبات “الصرع” آتية لا محال فور تخطّي المزيد من الحواجز بين البلدين، إن لم يكن قد باشر هؤلاء بأسلوب “النقّ” على أبواب المراجع الدولية.

في الواقع، أمر هؤلاء لا يُبشّر بالخير ما دام أن مشهدية أفغانستان تتكرّر في بيروت على نحو ما يظهر، ولو بطريقة مختلفة قليلاً. الأميركيون، وحين اختاروا الإنسحاب وترك “الجحيم” الأفغاني، لم يُجالسوا أو يناقشوا من النسيج الأفغاني سوى حركة “طالبان” –خصمهم اللدود-، حتى الدولة الأفغانية كانت غائبة إن لم نقل جاهلة بما يحدث من حولها. في ساعة، ترك الأميركيون كل شيء خلفهم “وهرولوا” يتباحثون مع “طالبان” عن “خروج آمن لقواتهم”. في لبنان إلى حدٍ ما حدث الأمر نفسه. وجدت واشنطن أن من مصلحتها إعادة فتح قنوات “الحوار” مع دمشق، فأول ما فعلته كان التضحية بجماعاتها في لبنان. إلى حدٍ ما تُرك هؤلاء إلى مصيرهم وغير آبهين لهم تماماً كما حلّ بأولئك “المعتّرين” الأفغان الذين امتطوا عجلات الطائرة فواجهوا السقوط الحرّ من السماء!

من “دقّ الانخاب” ذات مرّة إحتفالاً بخروج دمشق من بيروت مبدياً اعتقاده بأن ذلك كان خروجاً كلياً سيترتب عليه “طرداً سياسياً” للشام وإلى أبد الآبدين، ثبت “ضيق أفقه” وبات في أزمة اليوم. دمشق التي أُخرجت عسكرياً عام 2005 من “شُباك” غزو بغداد واغتيال الرئيس رفيق الحريري وسياسياً عبر “حرب 2011″، تعود عام 2021 من “باب” النفط والحاجات والضرورات الإقليمية وتثبيت النظام، ملفوفة بوشاح الإنتصار على الحرب الداخلية.

عملياً، تعني عودة دمشق إلى بيروت وبصرف النظر عن درجة العودة، أن هذه جمهوريتنا “الثانية” نتاج “الطائف” قاصرة، والجهة الوحيدة القادرة على “تأديب” من فيها من فرق سياسية، هي سوريا. في الواقع، ثبت ذلك بالدليل. فطوال “الزمن السوري” لم يقدر أي زعيم على رفع رأسه! حينذاك، كانت الحكومات تُؤلف في أيام معدودة والتعيينات تمرّ كالماء العذب وليس هناك من يقول “أفاً”، ومن كان يعصى تتكفل به “عنجر”. لاحقاً، وطوال 15 عاماً من “العهد العوكري” لم يثبت أن ألّف حكومة في ساعات، أو ضبط زعيم أو ردّ موتور إلى نحره أو ضُبطت شهية فاسد أو استقرّ وضع سياسي كما كان بين أعوام 1991 – 2004، بل إن هؤلاء بجميهم، أكلوا ما أكلوا على ظهر “الزمن العوكري” وتحولت ثرواتهم إلى “الجشع”، فيما لم يقدر هذا الغرب على وأد جنوح هؤلاء، وكيف يفعل ما دام يستفيد منهم؟

من جانب آخر، تعني عودة “دمشق” إلى بيروت أمراً أساسياً لا جادل فيه: ثبّتت انتصارها في حربها الداخلية، وتعمل على تثبيت انتصارها في الإقليم. عادةً الدول المنتصرة “تُقرّش” انتصاراتها في السياسة، وهذا ما سيحدث لاحقاً ولبنان سيكون “فأر التجارب” الخارجي كما درجت العادة دائماً. من هنا، يميل الظن إلى أن “حزب الله”، بصفته شريكاً للرئيس بشار الأسد في الإنتصار وحليفاً لسوريا “المنتصرة” سيفرض معادلاته في لبنان، وأنه يفعل الآن من خلال “المازوت” الإيراني، وأقصى ما يمكن لواشنطن “المهزومة” في الشرق الأوسط أن تفعله، هو محاولة دعم جماعات الـ”NGO’s لتحقيق ولو اختراق محدود في صناديق الإقتراع المقبلة.

قبل مدّة وجيزة، أي قبل حياكة التنازلات الجاري تنفيذها اليوم بما يتضمنه ذلك من اتفاقات “خلف الكواليس” لإدارة المناطق وتوزيع النفوذ ورسم خطوط الطول والعرض للعقد المقبل أقلّه، فاجأ زعيم سياسي ورجل دولة رسمي من الطراز الرفيع زواره بتبشيره بأن “سوريا راجعة”. ذُهل الموجودون، على اعتبار أن لا المؤشرات كانت توحي بذلك حينها، فيما البعض الآخر الذي وصله “الجو” بالتواتر، اعتقد بأن الرجل “يهذي” لكن تثبّت لاحقاً أنه كان على حق.

وفي الحقيقة، إن بعض الجانب “الحذق” من المتعاطين في الشؤون الدولية، أي أولئك الذين “يلتقطونها على الطاير” شعروا إنما لمسوا أن تبدلاً ما يجري في الأفق، وإن سوريا مُقبلة على إدارة الملف اللبناني من بوابة الطاقة وممرات أنابيب النفط والضرورات التاريخية والحقائق الجغرافية، لذلك عكفوا على تحضير أنفسهم للخطوة التالية من خلال “تصفيرهم” لأي وجهة نظر متعارضة مع الشام، فيما آخرون يقاسمونهم نفس الشعور والخلفية تقريباً، كانوا يجلسون دورياً في أحد فنادق العاصمة بيروت الواقعة عند نقطة وصل مُعقدة بين “الضاحية الجنوبية و عمق بيروت” ويقلّبون الأوراق السياسية بين ايديهم، واللافت أن أركاناً سابقين من النظام السوري كانوا يتسيّدون الجلسات وعلى يمينهم باحثين مقرّبين من السياسات الغربية و الأميركية منها.

إذاً، عودة سوريا باتت أمراً واقعاً، والمسألة مسألة وقت لا أكثر. ما دعا الرئيس السوري إلى تنفيذه من مشاريع مشتركة بين لبنان وسوريا مؤخراً واستعداده لتخصيص أراضٍ في بلاده لتلك المشاريع، والحملة “الخجولة” التي شُنّت عليه من “أيتام السفارة” في لبنان، تجسّد بالدرجة الأولى خطوة لتلك العودة، والإعتراض لا يجسّد سوى إشارة ضعف من هؤلاء المعترضين “المعتّرين”، دون أن يقووا على الوقوف في وجه العاصفة، تماماً كما حدث إبان “تسوية 1990″، حين وُكّل للسوريين أمر لبنان بتفاهم جمعهم مع الأميركيين، فأكل “جماعة الجغرافية” الحُصرم!

Leave A Reply