إنعاش التدقيق الجنائي مستمر، لكن لا أحد يملك حتى اليوم الوصفة التي تُبقيه على قيد الحياة. آخر المحاولات تمديد المهل ثلاثة أشهر بموافقة شركة «الفاريز اند مارسال»، ثم سعي إلى إعداد مشروع قانون يجمّد السرية المصرفية لمرة واحدة، ليس مضموناً سلوكه الطريق باتجاه مجلس النواب. الحلول المتعثرة للوصول إلى كشف أسباب الفجوة الكبيرة في حسابات مصرف لبنان، يماثلها تعثر أكبر في عملية تشكيل الحكومة. كل المفاوضات مجمّدة ريثما يتخلى سعد الحريري عن سعيه لتسمية الوزراء المسيحيين
محاولات إنقاذ التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان مستمرة من قبل رئاستَي الجمهورية والحكومة، لكنّ أياً منهما لا يضمن تغيير مصيره الذي فرضه رياض سلامة، بحجة السرية المصرفية. أمس، أعاد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التأكيد على «ضرورة التزام الحكومة إجراء التدقيق الجنائي المالي في حسابات مصرف لبنان»، مشيراً إلى أهمية هذه الخطوة في مجال الإصلاحات الضرورية لمعالجة الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد.
وهو لذلك، استقبل رئيس فريق التدقيق الجنائي من شركة «الفاريز اند مارسال»، جيمس دانيال، بحضور وزير المالية غازي وزني، حاكم مصرف لبنان، والوزير السابق سليم جريصاتي، وتم البحث في الملابسات التي حالت دون تمكّن الشركة من مباشرة التدقيق الجنائي والمالي في حسابات مصرف لبنان. وتقرر في الاجتماع «تمديد المهلة المطلوبة لتسليم المستندات اللازمة إلى الشركة ثلاثة أشهر إضافية، على أن يتم خلال الفترة المحددة تسليم بعض المستندات التي لم تُسلم بعد». وبحسب دراسة قانونية، تبين أن هذا التغيير في المهل لا يتطلب تعديلاً للعقد، لأنه لا يمس بمضمونه، بل يكفي أن يرسل وزير المالية طلباً بذلك إلى الشركة، التي ما إن توافق على الطلب حتى يصبح ساري المفعول.
(هيثم الموسوي)
بعد الاجتماع، سُئل وزني عن كيفية تخطي مسألة السرية المصرفية، فقال إنه يمكن الاستفادة من رأي هيئة التشريع والاستشارات في هذا المجال. كما أن «التواصل مع مصرف لبنان أظهر استعداده أكثر فأكثر للتعاطي في هذا الموضوع».
النقاش انتقل إلى السراي الحكومي بعد الظهر. الرئيس حسان دياب ترأّس اجتماعاً حضره دانيال ووزني وسلامة والوزيرتان زينة عكر وماري كلود نجم، والوزير السابق ناجي البستاني.
الاجتماع شهد نقاشاً حاداً، أعاد خلاله سلامة التأكيد على أن رفضه تسليم المستندات المطلوبة من الشركة يعود إلى وجود مشكلة في العقد، بسبب السرية المصرفية، وبالتالي يجب تعديله لأن مصرف لبنان ملزم بالتقيّد به. في المقابل، أعادت نجم التأكيد على أن مصرف لبنان ملزم بتنفيذ قرار مجلس الوزراء.
وإزاء حصول سلامة على تأييد المجلس المركزي في سعيه إلى التمييز بين حسابات مصرف لبنان وحسابات الدولة اللبنانية التي يعتبر أنها تحتاج إلى طلب لرفع السرية المصرفية، علمت «الأخبار» أن رئاسة الحكومة طلبت من البستاني إعداد مشروع قانون يعلق السرية المصرفية لمرة واحدة استثنائياً لمصلحة شركة «الفاريز» للقيام بالتدقيق الجنائي. لكنّ أحداً لم يعرف كيف يمكن لهكذا مشروع أن يسلك طريقه إلى مجلس النواب. ورغم طرح إمكانية انعقاد مجلس الوزراء بشكل استثنائي للموافقة على تحويل مشروع القانون إلى مجلس النواب، إلا أن الأمر لم يُحسم بعد. فاجتماع من هذا النوع يضع على الطاولة كل القرارات الاستثنائية التي وُقّعت من قبل رئيسَي الجمهورية والحكومة. ويتطلب الإجابة على السؤال عن سبب السير بهذه القرارات طالما كان بالإمكان انعقاد المجلس. في المقابل، فإن التغاضي عن فكرة انعقاد الجلسة، يقود إلى إصدار المشروع بقرار استثنائي وتحويله إلى مجلس النواب، وهو ما يُتوقع أن لا يوافق عليه الرئيس نبيه بري، نظراً إلى ما يعتريه من مخالفة قانونية.
بعد الاجتماع، قالت نجم إنه «ينبغي على حاكم مصرف لبنان أن ينفذ قرار الحكومة وإذا رفض فعليه تقديم تبرير رسمي للحكومة وللرأي العام حول الأسباب التي تدفعه إلى ذلك». وذكّرت بأن «سبب التدقيق الجنائي هو وجود فجوة كبيرة في حسابات مصرف لبنان، ونريد معرفة أين ذهبت ودائع اللبنانيين في المصارف».
التأليف معطّل
حكومياً، كان يوم أمس، أسوة بالأيام التي تلت لقاء رئيس الجمهورية بالرئيس المكلف في بداية الأسبوع، خارج زمن التأليف. فلم يحصل أي تواصل بين الأطراف المعنية، وسط تأكيد مصادر مطلعة أن الرئيس المكلّف جمّد كل المشاورات «ربما في انتظار اتّضاح نتيجة الانتخابات الأميركية».
بحسب مصادر متابعة، فإن العقدة الأساس هي عقدة وزارة الطاقة التي يتمسك بها التيار الوطني الحر، مقابل إصرار سعد الحريري أن يكون شريكاً في التسمية. تلك العقدة، أدت إلى انهيار كل الاتفاقات السابقة، ومنها المداورة. وبعد أن اتُّفق على أن تكون الخارجية من حصة السنة، والداخلية والدفاع من حصة المسيحيين، عاد الحريري ليطلب الداخلية.
في المقابل، ومع تأكيد تكتل لبنان القوي أنه لا يتدخل في التأليف، فقد اعتبرت مصادر مطلعة على مفاوضات التأليف أن العقدة الأساسية اليوم تكمن في رفع الحريري شعار «أنا من أسمّي الوزراء»… ولكن، «ليس كل الوزراء على ما يبدو، بل المسيحيين حصراً»، رغم اتفاقه سابقاً مع الرئيس عون على أن يُترك للأخير أمر تسمية هؤلاء، إذ أن الأسماء المسيحية التي طرحها «إما قريبة منه أو أن علاقتها غير جيدة بالتيار الذي يمثله رئيس الجمهورية»، ناهيك بأن غالبية الأسماء المطروحة «تضرب فكرة الاختصاص، سواء لجهة عدم اختصاص بعض الوزراء بالحقائب التي سماهم لها، أو لجهة الجمع بين حقائب لا صلة تجمعها».
الحريري لا يملك أسماء شيعية ودرزية ولا يبوح بأسماء سُنية ويطلب من الرئيس التفاهم معه على أسماء مسيحية
وبحسب المعلومات، فقد طرح الحريري على عون في لقائهما الأخير أن يتولى الموظف في شركة «بوز ألن هاملتون» شارل الحاج حقيبة الداخلية، بعدما كان سمّى سابقاً نقولا الهبر لهذه الوزارة. كما سمّى رئيس المؤسسة المارونية للانتشار شارل جورج الحاج لتولي حقيبة أخرى، علماً أنه كان قد طرح اسم رئيسة قسم الطاقة المتجددة في بنك عوده كارول عياط لتولي حقيبة الطاقة. المصادر أفادت أن رئيس الجمهورية سأل الرئيس المكلّف عن بقية الأسماء، فردّ بأن الأسماء الشيعية لم تتوافر لديه بعد، والأمر نفسه بالنسبة إلى الاسم الذي سيطرحه النائب السابق سليمان فرنجية. وأضافت المصادر أن لائحة الأسماء التي قدّمها الحريري تضمّنت درزياً قريباً من النائب السابق وليد جنبلاط، فيما الأسماء السنية كلها «من جماعته» و«بعضهم عيّنه هو في وظائف في الدولة».
تذهب المصادر إلى اتهام الحريري بالسعي إلى إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل عام ٢٠٠٥، حيث لم يكن للقوى المسيحية الفاعلة رأي في تسمية الوزراء المسيحيين. وسألت، بأي حق يريد الحريري أن يشارك في تسمية كل الوزراء المسيحيين، دوناً عن وزراء الطوائف الأخرى؟ فهو لا يملك الأسماء الشيعية أو الدرزية، ويرفض البوح بالأسماء السنية، لكنه يطلب من الرئيس التفاهم معه على الأسماء المسيحية.
يقول المصدر إن ما يُسمى بالعقدة المسيحية، هو في الواقع يعبر عن رغبة البعض في استحضار رستم غزالة. ويضيف: لم يعد أحد قادراً على تجاوز المُعطى الدستوري الذي يفيد بأن الرئيس هو شريك في التأليف وليس علبة بريد كما هو الحال في التكليف. وعليه، لم يعد مقبولاً أن تُسمى الصلاحية التي يتمتع بها الرئيس دستورياً بـ«العقدة المسيحية».
المصدر: الأخبار