سلوى بعلبكي – النهار
“كارت” آخر في طريقه الى مَحافظ اللبنانيين. فبعد البطاقة التمويلية، اللبنانيون موعودون ببطاقة دوائية يحلم معدّوها ومطلقوها بان تتحول الى بطاقة صحية شاملة تشفي جيوب المرضى الفقراء وتعينهم على أمراضهم.
في اواخر ايام الحكومة المستقيلة، أحب وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور حمد حسن ان ينهي عهده بإنجاز “بطاقة دوائية” كان يؤمل الافراج عنها قبل فترة، لكن ان تأتي متأخرة أفضل من أن لا تأتي أبداً. بَيد أن الرهان يبقى على ابن المهنة والمعاناة وزير الصحة الجديد الدكتور فراس الابيض أن يسير بخطة سلفه بسرعة لا بتسرع، وهو العارف يقينا وبالتجربة المُرة خلال توليه ادارة مستشفى رفيق الحريري الجامعي حجم معاناة المرضى وثقل كلفة الادوية التي يحتاجون اليها للعلاج، وخصوصا مرضى الامراض المزمنة. إلا أن الوزير الجديد الذي ارتأى ألّا يكشف عن مشاريعه للوزارة إلا بعد تسلمه مهماته رسميا، مصمم على إكمال المشاريع التي بدأها سلفه، وهذا ما أكده لـ”النهار” بقوله: “العمل استمرارية، وتحديدا حيال البطاقة الدوائية”. فالمشروع برأيه “مهم وأساسي”.
إذا سارت الامور كما خطط لها الوزير حسن، فإنه بعد 3 أشهر من الآن ستنقلب الطريقة المتبعة في لبنان لشراء الادوية من الصيدليات رأساً على عقب، وسيقتصر شراء الادوية المدعومة وغيرها من الادوية، على الاشخاص الذين يحتاجون الى دواء من خلال ابرازهم بطاقات دوائية تثبت أنهم فعلا بحاجة الى دواء. هذه البطاقة التي تعمل عليها وزارة الصحة منذ فترة أصبحت أمرا واقعا بعدما نجحت في توقيع اتفاق تعاون مع الشركة الرقميةMedical value chain التي ستزوّد الوزارة نظاما رقميا ايSoft ware يسمح بإنشاء منصة مخصصة لإدارة الادوية وصرفها، كما انها ستزوّد الوزارة 6 ملايين بطاقة توزع مجانا على اللبنانيين والمقيمين. وبنتيجة هذه البطاقة سيحصل المواطن على رقم صحي موحد يتيح للصيدلية من خلاله معرفة نوع الدواء الذي يحتاج اليه المريض، وحجم الكمية شهريا، وعلى اساسه يعطى الدواء.
وفي التفاصيل، أن وزارة الصحة ستشكل لجنة تقنية لإنشاء المنصة كمرحلة اولى، على ان تعمد في المرحلة الثانية الى تسجيل الاشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة ويتلقون علاجهم على نفقة الوزارة واصدار بطاقة خاصة بهم، على ان تشمل في المرحلة اللاحقة كل اللبنانيين.
هذه البطاقة إذا ما اكتملت التحضيرات لها يمكن ان تؤدي الى خفض الفاتورة الدوائية لتأمين الدواء الآمن للمريض لمنع التهريب والتزوير وضمان الحصول على الدواء المدعوم ومنع اي طرف من تخزين الأدوية بما في ذلك المواطنون.
ويتيح هذا المسار تأمين كفاية المريض من الأدوية. وهذا الهدف يأتي في مرحلة لاحقة من خلال ربط المعنيين بقطاع الدواء ضمن حلقة واحدة، بدءا من الأطباء المعالجين مرورا بالصيدليات والمستشفيات وصولا إلى الوزارة، بحيث تؤمّن هذه الآلية، إضافة إلى متابعة الدواء وضبطه، تحضير داتا كاملة موثقة عن الأدوية التي يستهلكها المواطنون في لبنان.
ويأتي هذا المشروع استكمالا للجهود التي قامت بها الدوائر المعنية في الوزارة منذ سنوات، وخصوصا دائرة الصحة الإلكترونية ومصلحة الصيدلة والدوائر التابعة لها، والتي أدت الى اعتماد “الباركود” الثنائي الأبعاد على جميع الأدوية. وتم ربط جميع مستودعات الأدوية والصيدليات ضمن شبكة إلكترونية واحدة من خلال تطبيق برنامج MediTrack لتتبّع الأدوية.
فالبطاقة كانت مسعى وهدفاً للكثير من البرامج التنموية والصحية التي واكبها الكثير من الوزراء، ولكنها كانت ضمن عروض تكلف الموازنة والخزينة العامة ملايين الدولارات. إلا أن الوزير حمد حسن استطاع أن ينجزه بصفر اعباء مالية تحاكي التحديات الصحية والدوائية، وكذلك تطلعات المجتمع اللبناني بتحسين تقديم الخدمات الطبية والصحية.
ويؤكد وزير الصحة لـ”النهار” أن “البطاقة الدوائية هي ضرورة علمية وفنية. علمية من حيث تسهيلها اجراء احصاءات للامراض وانواعها وتوزيعها وفق الفئات العمرية، وما هي الادوية الاكثر استهلاكا في لبنان، ويمكن أن تُبنى عليها استراتيجيات صحية وقائية للتخفيف من بعض الأمراض بحيث يمكن لوزارة الصحة بالتعاون مع الجمعيات والمنظمات غير الحكومية تفاديها نتيجة ورش عمل وحلقات توعية ومحاضرات علمية وغيرها”.
بالنسبة الى الشق التقني، يعتبر وزير الصحة انها “ضرورية لمواكبة حملات التفتيش الصيدلي التي تقوم بها وزارة الصحة لضمان تتبع سلسلة توريد الدواء من المصدر (الشركة الأم) برا أو بحرا، مرورا بالجمارك ومستودعات الوكلاء والمستودعات العامة ثم المراكز الصحية وصولا الى المواطن، مع رقابة الجودة وعدم الغش من المصدر. واهميتها ايضا انه بمجرد وصول الدواء الى لبنان وتوزيعه على الصيدليات يتبين للوزارة الى اي صيدلية وصل الدواء، وتاليا مراقبة ستوك الأدوية في الصيدليات، بما يعني أنه يمكننا اجراء رقابة كاملة على الدواء ومساءلة الصيدليات لاحقا. كما تشكل هذه البطاقة النواة الأساسية لتطوير البطاقة الصحية الموحدة وتطبيقها في مرحلة لاحقة”.
ويؤكد حسن أن شركة MVC ستقدم كل ما يتعلق بالبطاقة الدوائية من أمور لوجستية (كومبيوترات، طابعات والـ server (الخادم) مجانا ومن دون أي كلفة اضافية، خلافا للكلفة الباهظة للمشاريع المشابهة التي كانت تعرض على الوزارة والتي تُقدر كلفتها بالملايين.
ولكن لماذا تمول هذه الشركة المشروع مجانا؟ يشرح وزير الصحة أن مثل هذه الشركات “تحصل على دعم من الشركات الدولية المصنعة للدواء، أي على نسبة من المبيع من الشركة المصنعة الأم. فهذه الشركات تدرس المعطيات عن سوق الدواء في الدول التي يتم توقيع الاتفاقات معها. وتشارك المعلومات التي تجمعها مع شركات الأدوية العالمية المصنعة للدواء. هذا الموضوع له أهداف علمية وبحثية لمحاربة الاحتكار وغيره”.
هذه المعلومات تفيد منها الشركات المصنعة للادوية، بغية حماية وكلائها في الدول وضمان عدم حصول تهريب. لذا تخصص هذه الشركات نسبة من مبيعاتها لشركات مثل شركة MVCلتعقب حركة الاسواق وحاجتها الى الدواء، وهي بدورها من خلال هذا الدعم تقدم البطاقات وكل التجهيزات اللوجستية المطلوبة لانجاح المهمة.
ويشرح حسن أنه “وفق هذه البطاقة يسمح للمواطن اللبناني بالحصول على الدواء المدعوم، اما المواطن السوري فإنه يمكن أن يشتري الدواء المدعوم من المنظمات الانسانية الدولية. من حسنات البطاقة ايضا أنها تميز بين الشرائح المختلفة وأساس دعمها”.
متى توضع البطاقة موضع التنفيذ؟ يقول حسن: “حاليا نحن في مرحلة جمع المعلومات، ونعكف على وضع بعض الشروط خصوصا التي ما ان نوقّعها مع الشركة يمكن أن نصدر بطاقات خلال 3 أشهر للمرضى الذين يتلقون الادوية من دون مقابل من الكرنتينا، ويتبعها كل شهر أو شهرين إصدار بطاقات لفئات عمرية أو مرضية معيّنة”. من حسنات البطاقة أيضا أنه يمكن أن تصل أموال التبرعات او الهبات الخارجية لأمراض معينة مباشرة الى المرضى المعنيين عبر هذه البطاقة، “فالكثير من الجهات الدولية والمنظمات الحكومية الداعمة، قد تستثمر بهبات إذا وُجد هذا النظام التتبّعي”.
ويبدو حسن مقتنعا بأن الوزير الجديد سيتابع المشروع، فالعقد الذي سيوقّع نموذجي، “حاليا نضع اللمسات الاخيرة على الاضافات الخاصة بحيث يكون الجميع مواكبين، وتاليا لا يمكن لأحد ان يتحمل مسؤولية تفريغ المؤسسات، كما السابق”. وقال: “وقّعنا العقد الاساسي، أما الاضافات المكملة فستوقَّع ان شاء الله مطلع الاسبوع المقبل”.
ووفق حسن فإن “هذه البطاقة مهمة جدا لحسن استخدام دعم مصرف لبنان ليصل الدواء المدعوم الى المواطن”، لافتا الى أن “تهريب الدواء الى الخارج سيتوقف، فالصيدليات ستكون قادرة على معرفة واستخدام الوصفات الطبية لتلبية طلبات المواطن لضمان عدم وجود أي شخص في سلسلة الخدمات اللوجستية يقوم بتخزين الأدوية المدعومة، أو ينقلها إلى الأسواق الخارجية”.