السبت, نوفمبر 23
Banner

الحريري يُهاجر سياسياً!

عبدالله قمح – 

ليبانون ديبايت

منذ أن اغتيل رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وموقع الرئاسة الثالثة يواجه أزمةً عميقة، يصفها البعض بـ”الأزمة الهيكلية ذات الطابع الوجودي”. عملياً، الموقع الدستوري الذاهب عرفاً إلى حصة الطائفة السُنية والذي استمد من إتفاقية الطائف حصةً وافية من الصلاحيات المأخوذة من الرئاسة الأولى، رُكّبت على وزن رفيق الحريري دون سواه بدليل حالة التخبّط التي تسود الموقع منذ ذلك الوقت، وإلى حينه لم ينجح أحد بملء ذلك الفراغ ومنهم نجله الذي دخل الموقع 3 مرات وخرج في الثلاثة مستقيلاً!

5 رؤساء حكومات توالوا على موقع الرئاسة الثالثة منذ اغتيال الرئيس الحريري، عام 2005، إثنان منهم شغلا المركز 3 مرات على الأقل، هذا عداك عن الأشخاص الذين تمّت تسميتهم أو الذين طرحوا لشغول المنصب دون أن ينالوه. الـ5 وباعتراف الجميع، لم يشغلوا 10% من قدرات “أبو بهاء” في الموقع، وأكثرهم ضاع في كتلة الصلاحيات الواسعة و زواريب السراي إلى حد أن أطاحت به، كحال سعد الحريري وحسان دياب وسيبقى الأمر على النحو ذاته طالما أن الشخص المختار الذي رسم الموقع وفق شكله الهندسي و على مزاجه لم يعد موجوداً.

ثمة من يقول أن المشكلة الراهنة التي تعصف في الموقع الثالث منذ أعوام تمثّل عملياً مشكلةً سُنية صرف. فحالة الفراغ التي أحدثها الحريري على أثر اغتياله لم تجد من يغطي مساحتها، وهنا عودة إلى التوصيف الأول ذات الصلة بصلاحيات الموقع السنّي الأول في الدولة. فزعامة الطائفة ببعدها الذي تجلّى بعيد الحرب، كانت على وزن الحريري الأب دون سواه، وبالتالي فقد الآخرون القدرة على “ضبط الطائفة” سياسياً بعده، إلى حد تحولت الآن إلى “مرتع” لزعامات سياسية متقلّبة ومتقابلة متعددة وملونة وعلى غير وفاق بغالبية الأحيان، إنما تحولت حالها إلى “إقطاعات” موزعة بين المحافظات، ولكل “مقاطعة” زعيم، وكل مقاطعة تتقاسم الخصومة السياسية مع الأخرى، وأحياناً تجد في “المقاطعة الواحدة السياسية السنية” أكثر من زعيم لا يجمعهم شيء سوى التناحر، كحال سعد الحريري ونهاد المشنوق في بيروت على سبيل المثال لا الحصر.

قبل مدة، أي حين قَبل سعد الحريري التكليف الثالث له خلال عهد الرئيس ميشال عون ولم ينجح في التأليف لألف علّة وعلّة، ركن رئيس تيّار “المستقبل” إلى مشروع مقابل للتكليف ولاّه الأهمية القصوى وربطه قبيل الإنتخابات بعنوان “جمع أوصال الطائفة السنية”، وهو لأجل هذا الغرض اجتمع مع أكثر من خصم سياسي في بيت الوسط ، سيّما من أعضاء “اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين” سابقاً، ومنهم نائب الضنية “اللدود” جهاد الصمد. لم يخفِ الحريري آنذاك رغبته في “تجسير” الخلافات ضمن الطائفة السنية ومحاولة إنشاء “توليفة سياسية” تصلح للإعتماد خلال الجولة المقبلة من الإنتخابات، وقد شاء البعض ربط حركة الحريري تلك بخشيته من خسارة ثقيلة ومحتملة قد تؤدي به إلى غياهب المجهول، فحاول تصفير الخلافات مع سنّة 8 آذار مثلاً طالما أنهم الأقل عدائية تجاهه، والتعامل معهم أو “استخدام” حضورهم الإنتخابي لاحقاً في وأد حالة الخروج عن طاعة بيت الوسط من قبل بعض رجالاتها الأغرار، وليس آخرهم النائب والوزير السابق جمال الجرّاح الذي بات عبئاً ثقيلاً على تيار “المستقبل” وسعد الحريري شخصياً.

مع ذلك، فإن جهود إبرام هكذا حلف قد سُوّيت بالأرض عملياً أو أنها دخلت في مرحلة جمود قاتل تبعاً لعدم وجود سعد الحريري في بيت الوسط منذ أن أعلن اعتذاره عن تأليف الحكومة وغادر صوب الخارج. مشكلة سعد الحريري هنا أنه وعند كل “حردة سياسية” يترك تياره وطائفته خلفه ويمضي إلى حيث لا يعلمه إلا الله، دون أن ينجز استعدادات سياسية مثلاً تكفل عودته السياسية كما يجدر أن يحصل. وعن حال ناسه وتياره فليس الأمر أقلّ سوءاً، فإنه وهب حاجات الناس في عكار إلى حزب الله وقيادة التيار إلى “القريب” كحال رئاسة الحكومة المتروكة إلى المقرّبين من عناصر “رؤساء الحكومات السابقين” ومضى ظناً منه أنه هزم خصومه الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل حين أسر التأليف في جيبه طيلة 9 أشهر، متجاهلاً أن الوقائع الحالية أثبتت عكس ذلك. فالرئيس وصهره حظيا بما لذّ وطاب من حقائب في حكومة ميقاتي الثالثة الحالية أي الكتلة نفسها التي عجزوا عن تأمينها خلال وجود الحريري، فمن يكون المنتصر هنا ومن يكون المهزوم؟

عملياً، أعلن سعد الحريري هزيمته السياسية باكراً ولو أراد أن لا يعترف، ذلك حين هاجر إلى بلاد الله الواسعة. حتى الإمارات التي عوّل عليها كثيراً لم تنصره، وها هي عائلته ما استقرّت في ربوع أبو ظبي كما أمل مراراً، والسعودية بدورها لم تمنحه بركاتها بعد إنما تمضي في سياسة سلبه أملاكه عبر المزادات العلنية وكأنه شطب كلياً من معادلتها. يحدث ذلك وسط أحاديث يوزعها خصومها والمحسوبون عليها من أن “سعد الحريري قد انتهى”.

عملياً، هل قررت السعودية تخطي آل الحريري في زعامة الطائفة السنية مقابل خلق تعددية سياسية زعماتية على مبدأ القضاء والمحافظة؟ ممكن ذلك، كما يمكن أن الحريري المتفرّغ حالياً لمشاكله الداخلية الإقتصادية والعائلية، لم يعد يقو على الصمود أكثر. هنا، ما حاله عند حلول الإنتخابات النيابية التي طالما عوّل على خوضها بنفس جديد؟ ما يُسرّب يدّعي أن الحريري راجع، وعودته تلك ستدهش الخصم والقريب، وإن لا مؤشرات توحي بذلك بعد، سوى أنه ترك تياره السياسي إلى قيادة فرقة لا تهوى غير الصدام والتصادم!

Leave A Reply