ذو الفقار قبيسي – اللواء
نادرا ما وجد بلد في العالم ضائع حائر ومرتبك ومشوّش الذهن والإرادة في أوضاعه المالية مثل لبنان حيث القرارات بشأن هذه الأوضاع تؤخذ بصورة مرتجلة وعشوائية أو «ترقيعية» ودائما تحت ضغط الظروف المستجدة أو حالات طوارئ حقيقية أو مفتعلة ودون أي خطة متكاملة حتى ولو ناقصة، وتكون النتائج أما فرصا سانحة عاتية في فوضى مؤاتية للنهب والسلب والنهش على قاعدة «المال السايب يعلّم الناس الحرام» أو أخطاء فادحة يتبادل الفرقاء السياسيون الاتهامات بشأن الفريق المسؤول عن ارتكابها ودون أي مساءلة بالنتيجة أو أي مسؤولية!
هكذا كان الأمر في موضوع سلسلة الرتب والرواتب التي وافق الكل عليها والكل تنصّل منها ومن المسؤولية عن نتائجها وتداعياتها. وهكذا كان الأمر أيضا في موضوع الامتناع عن تسديد اليوروبوندز التي بعد أن أدّت الى خفض درجة ورتبة ومعنويات وسمعة لبنان المتالية في العالم ارتد المدافعون علنا عن الامتناع عن التسديد أو الصامتون عنه ضمنا باتجاه الهجوم على مرتكبيه، حتى إذا هبطت أسعار اليوروبوندز بعد امتناع لبنان عن تسديدها، الى ما لا يتعدى الـ١٣% من أصل قيمتها وجد المعارضون أساسا لفكرة الامتناع عن التسديد، فرصة في هذا الانهيار دعوا الحكومة الجديدة الى الاستفادة منها وشراء السندات بـ١٣ سنتا فقط سعرها المنخفض في الأسواق مقابل كل ١٠٠ دولار قيمتها الأصلية، وذلك باستخدام جزء من الـ1,35 مليار دولار حصة لبنان من حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، وهذا وكدليل على فوضى وتشرذم القراران على كل المستويات، عارض البعض هذا الخيار داعيا الى استخدام الـ1,35 مليار دولار في البطاقة التمولية، والبعض الآخر دعا الى خيارات عدة ودون أي خطط أو دراسات، مثل استخدامها في النقل العام أو الاستمرار في الدعم أو في البطاقة التمويلية أو دفعها للمودعين كجزء من أموالهم الضائعة أو استخدامها في تنشيط اقتصاد انتاج أو حفظها مع الاحتياطي الإلزامي والذهبي لدى مصرف لبنان بحيث تكون بتصرف دولة الفساد والنهب والسلب تستخدمها كما تشاء عند الحاجة وكلما اقتضى الأمر.
وبين كل هذه الخيارات المختلفة في إجراءات تسير «خبط عشواء» دون أي خطة مدروسة عن كل قطاعات الاقتصاد ومستلزماتها وحاجاتها، هي النماذج الصارخة عن سياسة مالية مرتجلة كان من نماذجها أخيرا قرار وزير المال في الحكومة المستقيلة الراحلة، ودون أي درس من تجربة مسلسل الرتب والرواتب، بل بمجرد شحطة قلم، رصد في موازنة ٢٠٢٢ زيادة بنسبة ٥٠% على الرواتب والأجور ورفع كلفة بدل النقل من ٢٤ ألف ليرة الى ٦٤ ألف ليرة، وبشكل قنبلة تضخمية موقوتة في وجه وزير المالية في الحكومة الجديدة.