هل ثمة “استدارات” خارجية نحو لبنان من شأنها أن تعيد من جهة المظلة الدولية فوقه ولو نسبيا بما يردع إيران عن التمادي في تعميق وتوسيع نفوذها في لبنان عبر ما يقوم به “حزب الله”، وأن تدفع بزخم المحاولات التي تعهدت الحكومة الجديدة القيام بها لاستقطاب الحد الأدنى من تعامل دولي معقول مع لبنان؟ وأيّ نتائج لهذه الاطلالات التي يخشى أن تكون ظرفية ولا تبعد عن إطار إطلاق مواقف مبدئية لا تبدل شيئاً في الواقع الكارثي للبنان؟
السؤال يبدو مشروعاً وطبيعيّاً أمام معالم الحركة الديبلوماسية النشطة المتصاعدة التي ستكون بيروت على موعد معها الأسبوع المقبل بعد زيارة رئيس الوزراء الأردني التي شكّلت فاتحة هذه الحركة. ولكن الأبرز من الزيارات المبرمجة في الأسبوع الطالع، والتي سيكون من بينها زيارة مثيرة للجدل لوزير الخارجية الإيراني، المواقف الفرنسية والأميركية التي أُطلِقت في الساعات الأخيرة حيال لبنان منبّئة على الأقل بعودة ارتفاع منسوب الاهتمامات الغربية بلبنان بعد تشكيل الحكومة والزيارة الأولى للخارج التي قام بها رئيسها نجيب ميقاتي لباريس.
الحركة الديبلوماسية تبدأ إذاً غداً الاثنين مع زيارة منسق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير بيار دوكان الذي سيعقد اجتماعات مع الوزراء المعنيين بالملفات التي تشرف عليها باريس مباشرة ومع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والاطلاع على العناوين العريضة للخطة قيد الاعداد للتفاوض مع صندوق النقد الدولي. ثم يزور بيروت وزير الخارجية القبرصي الثلثاء، ومن بعده وزير الشؤون الخارجية الألماني، على أن يقوم وزير الخارجية الإيران حسين امير عبداللهيان بزيارته لبيروت في 6 و7 الجاري.
وفي غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أنّ “تشكيل الحكومة في لبنان خطوة مهمة للنهوض بالبلد”، وأكد أنّ على الحكومة اللبنانية تنظيم انتخابات مستقلة وشفافة.
ومن جهته، أشار المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إلى أنّه ” ليس لدينا أجندة خفية في لبنان ونعمل على دعم الشعب اللبناني”، مؤكداً “أنّنا ندعم لبنان والشعب اللبناني بشكل كبير وقدمنا الكثير من الأموال”.
وفي التفاعلات السلبية الناشئة عن تعليق التحقيق القضائي العدلي في انفجار مرفأ بيروت، دعا عدد من النواب في مجلس الشيوخ الأميركي الحكومة اللبنانية إلى الحفاظ على سلامة القضاة، الذين يتولون التحقيق في الانفجار المروّع الذي هزّ مرفأ بيروت في الرابع من آب العام الماضي مخلّفاً أكثر من 210 قتلى.
وأبدى بيان صادر عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قلقه من “دور (حزب الله) في الدفع بقرار تعليق هذا التحقيق الحساس”.
كما شدّد على نزاهة المحقق العدلي الناظر في ملف التفجير، القاضي طارق البيطار، معتبراً أنّه قاضٍ محترم، خدم بلاده لأكثر من عقد.
إلى ذلك، اعتبر الموقّعون على البيان أنّ على الحكومة اللبنانية الحرص على سلامة القضاة والمحققين، كي يكملوا واجباتهم وينهوا التحقيق.
وأعرب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي غريغوري ميكس عن قلقه الكبير إزاء رضوخ الحكومة اللبنانية للضغوط السياسية وتعليق/تعطيل تحقيق المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
ورأى أنّ أقل ما تستحقه عائلات الـ219 شهيد/ضحية الذين قُتلوا جراء هذه المأساة والفشل الحكومي الفاضح هو تحقيق شامل ونزيه، فضلاً عن المساءلة الكاملة للمسؤولين بغض النظر عن منصبهم/مركزهم.
وقال ميكس: “بسبب التسييس الدائم، لقد قدت في أيار الماضي 24 عضواً في الكونغرس بما فيهم Rep TedDeutch، للدعوة إلى تحقيق دولي مستقل في الإنفجار والمسؤولين عنه”.
ووجه ميكي رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين، ودعا فيها الولايات المتحدة إلى المساعدة في معالجة الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، محذّراً من تصاعد الاضطرابات. وذكر في الرسالة: “نكتب للتعبير عن قلقنا العميق إزاء الأزمات الاقتصادية والسياسية المتفاقمة في لبنان، التي تزعزع استقرار البلاد وتشكل مخاطر واضحة على المنطقة”. وحضّ على اتخاذ إجراءات أميركية فورية وهامة للحد من معاناة الشعب اللبناني ومنع الانهيار الاقتصادي في الدولة.
وأَلقت الرسالة، التي وقعها ميكس إلى جانب مجموعة من 24 عضواً ديموقراطياً في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، الضوء على الخطر الذي تشكله الشبكات الاجرامية العابرة للحدود الوطنية والتهديدات الأخرى، ولا سيما “حزب الله” الذي يمثل امتداداً للحكومة الإيرانية. وحذّرت من أنّ روسيا وإيران قد “تستغلان تشرذم الدولة والمجتمع اللبناني لمصلحتهما”.
واقترحت الرسالة أن يتّبع بلينكن أربع خطوات، تشمل إنشاء برنامج مساعدة مالية للحكومة اللبنانية المقبلة، وتخصيص الأموال لاحتياجات اللبنانيين المستضعفين، والمساعدة السياسية لضمان بقاء سيطرة “حزب الله” بعيدة عن الجيش اللبناني، وإجراء تحقيق مستقل بقيادة الأمم المتحدة في قضية انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من آب ودمر العاصمة وضواحيها.
أمّا في الداخل، وعشية عقد خلوته الهادفة إلى الاطلاع على تفاصيل خطة التعافي الاقتصادية خلال الاسبوعين المقبلين، أصدر “التيار الوطني الحر”، إثر اجتماع مجلسه السياسي في اجتماعه الدوري إلكترونياً برئاسة النائب جبران باسيل، مواقف من تطورات الساعة، فدعا “اللبنانيين جميعاً لجعل الإنتخابات النيابية المقبلة موعداً للتعبير عن الإرادة الشعبية من خلال التنافس على برامج سياسية واقتصادية تحقق التغيير المطلوب بعدما ظهرت جلياً الحاجة الى نظام سياسي وإقتصادي جديد”. وفي سياق الاستحقاق الدستوري، حذّر “المجلس من مشروع يطل رأسه لتعديل قانون الإنتخابات وحذف حق المغتربين بأن ينتخبوا من بينهم ستة نواب يتوزعون على القارات الست التي ينتشر فيها اللبنانيون”.
وقال إنّ “التيّار الوطنيّ الحرّ”، الذي “ناضل من أجل أن يستعيد المنتشرون المستحقون جنسيتهم وأن يحصلوا على حق المشاركة في الإنتخابات اقتراعاً وترشيحاً وتمثيلاً”، يدعو “المغتربين الى رفع الصوت لقطع الطريق على من يريد انتزاع حقوقهم”، معتبراً أنّ “أيّ محاولة للتلاعب بقانون الإنتخابات سيفتح الباب أمام تعديلات أخرى لهذا القانون الذي تم إقراره باتّفاق وطنيّ كرّس للمغتربين حقوقاً دستورية وقانونية لا تراجع عنها. كما حذّر المجلس السياسي “من أي محاولة لعرقلة التحقيق في جريمة إنفجار المرفأ ويرفض أي إلتفاف من أي جهة كانت لتضييع المسؤوليات وجعل الحصانات عائقاً أمام التوصل الى الحقيقة. ويرى المجلس أن الضغط لإقالة المحقق العدلي أو دفعه الى الإستقالة أمر قد يخفي وراءه نيّة مبيّتة بتجميد التحقيق ووقف سير العدالة”.