خالد أبو شقرا – نداء الوطن
في حزيران 2020 خرجت جمعية المصارف بـ”لاءاتها” الشهيرة في مواجهة “خطة الحكومة للتعافي المالي والاقتصادي”. لا لـ”الهيركات”، لا للاقتطاع من القيمة الاسمية لسندات الدولة، لا للتوقف عن الدفع للدائنين المحليين. وعلى الرغم من تصوير طروحاتها كـ”مساهمة منها لانجاح الخطة”، فقد زادت الأمور تعقيداً. فتشكل آنذاك “لوبي” مصرفي وسياسي، أسفرت ضغوطاته عن تطيير المفاوضات مع “صندوق النقد الدولي”. فهل يعيد التاريخ نفسه هذه المرة على شكل مأساة؟
جمعية المصارف نفضت الغبار عن مشروعها للمساهمة في إنجاح خطة الحكومة للتعافي المالي والاقتصادي، ومضت تبحث عن “نزال” جديد في الأرض المحروقة. فأعادت المطالبة في مسودتها الجديدة بتطبيق العناوين العريضة التي حملتها خطتها الأولى، من دون أن تأخذ في الاعتبار التبدلات الهائلة التي حصلت بعد 10 حزيران 2020. فسعر الصرف قفز من 5100 ليرة مقابل الدولار في حزيران 2020 إلى حدود 20 ألف ليرة حالياً. احتياطي العملات الأجنبية في مصرف لبنان الذي قدرته الخطة آنذاك بحدود 30 مليار دولار لامس التوظيفات الإلزامية أي بين 13 و14 مليار دولار؛ هذا إن لم يكن أقل. التضخم ارتفع من حدود 112 في المئة إلى أكثر من 700 في المئة حالياً. معدل الفقر ارتفع إلى 80 و90 في المئة. البطالة بين أوساط الشباب تخطت 45 في المئة. النمو (-12) في المئة. الناتج المحلي تراجع من حدود 56 مليار دولار في نهاية العام 2019، إلى أقل من 18 مليار دولار بحسب البنك الدولي. مختلف المؤشرات الماكرو، والميكرو – إقتصادية في انحدار غير مسبوق.
حفظ رأسها
ومع هذا كله “يغيب عن خطة المصارف الجديدة تحديد الخسائر التي مني بها القطاع، واعادة هيكلة المصارف أو دمجها وتصفية المتعثرة منها”، يقول الخبير المصرفي نيكولا شيخاني. “بل على العكس يطالبون الدولة بانقاذ البنوك لكي يبقى هناك 55 مصرفاً في اقتصاد أصبح حجمه 8 مليارات دولار، ومن دون أن يتحمل المساهمون فيها أي خسائر أو مسؤولية”. المصارف التي ما زالت تحاول تخليص نفسها مع علمها أنه لم يعد هناك من مهرب من الانهيار التام، تستعيض عن هذا الواقع بـ”الحديث عن وجوب تطبيق عشرات الإصلاحات (38 إصلاحاً) في غضون أشهر قليلة، لم يفلح المسؤولون في تطبيقها طوال العقود الثلاثة الماضية الأخيرة”، يقول شيخاني. ولم يكن مستساغاً تسريب المسودة بشكل غير رسمي، لخوفهم من المجاهرة بها بشكل صريح ومباشر وفتح نقاش وطني وجدي حولها.
العناوين نفسها
بالاضافة إلى عدم تحديدها مصير الودائع بالدولار وكيفية اعادتها الى اصحابها ومتى، فان الخطة التي تقع في 86 صفحة تطرح 3 عناوين كبيرة كانت قد طرحتها في الخطة السابقة.
– تطلب الخطّة من الحكومة تأسيس شركة مساهمة تتملّك الاصول العامّة، وتجعل المصارف والدائنين الطرف المستفيد النهائي من إيراداتها. وهذا ما عبرت عنه الخطة السابقة من خلال اقتراحها الصندوق السيادي بقيمة 40 مليار دولار تمثل برأي المصارف قيمة أصول الدولة. بغض النظر عن المبدأ، فان متوسط قيمة أصول الدولة هي 17 مليار دولار كما بينت دراسة “خصخصة الأصول اللبنانية العامة – لا يوجد حل سحري للأزمة”، التي أعدها الزميل الباحث في السياسات في معهد عصام فارس البير كوستانيان. هذا وتتطلب خصخصة أصول الدولة وإدارتها بشكل جيد لتوليد الأرباح وجود دولة قانون ومؤسسات، وتوفّر الشفافية والهيئات الناظمة والقضاء المستقل. وهذا ما لن يتوفر في القريب العاجل على ما يبدو. كما أن كوستانيان يشير في حديث لـ”نداء الوطن” (العدد 662 تاريخ 8 تشرين الاول 2021) أنه عدا عن تضخيم أرقام الأصول فان بيعها ليس نزهة، ولا يعود بالارقام المتوقعة. وهذا ما أثبتته التجربة اليونانية في البرنامج الخماسي لتخصيص الاصول والذي لم ينتج عنه لغاية الأمس القريب أكثر من 10 مليارات دولار. فكيف الحال بالنسبة إلى لبنان؟!
– تطلب الخطة من الحكومة التقشف عبر تخفيض الانفاق العام، وإلغاء دعم الكهرباء ورفع اسعارها وتخفيض فاتورة الاجور، ولا سيما في السلك العسكري والتعليمي وفي نظام التقاعد. مع العلم أن متوسط أجور ورواتب حوالى 350 ألف موظف و130 ألف متقاعد يبلغ 2 مليون ليرة أي حوالى 100 دولار. فـ”هل من الممكن تخفيض الرواتب أكثر من ذلك”، يسأل أحد ممثلي روابط موظفي القطاع العام. ليقول إن “الإصلاح لا يبدأ بتخفيض الرواتب إنما بوقف الهدر والفساد والمحسوبيات في إدارات الدولة والصفقات العمومية والشراء العام”. وبرأيه فان “هذا البند يتعارض مع ما تقترحه موازنة 2022 لجهة زيادة الرواتب 50 في المئة، ورفع بدل النقل إلى 64 ألف ليرة. ذلك أن أي اقتطاع من الرواتب في ظل هذا الوضع سيعني توقف كل إدارات الدولة عن العمل”.
– تطلب الخطة من الحكومة رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 16 في المئة وأن تحتسب الضرائب على سعر صرف الليرة في السوق الحرة. وبغض النظر عن أن زيادة للضرائب في ظل الانكماش الاقتصادي تؤدي إلى تراجع الايرادات بسبب مساهمتها في إقفال أو رحيل أو حتى تهرب المؤسسات من دفع الضرائب، فان المشكلة الأساسية ليست في حجم الضرائب إنما في القدرة على التحصيل. وعليه فان الحل هو بمكافحة التهريب والتهرب الضريبي. ولتبدأ الحكومة بملاحقة تهريب المازوت الايراني وبيعه بسعر إغراقي. أما بالنسبة إلى احتساب الضريبة على القيمة المضافة على أساس سعر السوق الموازية استناداً إلى قرار وزارة المالية 893، فان “القوانين واضحة لجهة الإلتزام بالسعر 1507.5 المحدد لغاية اليوم من قبل مصرف لبنان كسعر رسمي للصرف”، برأي خبير المحاسبة المجاز والعضو في “جمعية” “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” الأستاذ جوزف متّى. و”اعتبار هذا الفرق هو إيراد للبائع ملزم على دفع الضريبة عليه يخالف المعيار 21 من المحاسبة الدولية التي تنص على ان هذا الفرق هو نتيجة التضخم”. وإذا كل ما نراه اليوم هو نتيجة الخطأ الجوهري الذي وقعت فيه المالية في 30/12/2020، فان المصارف عادت لتتبنى في خطتها الخطأ نفسه من دون استدراك نتائجه الكارثية على المواطنين والوضع الاقتصادي.
رفض توحيد سعر الصرف
في الوقت الذي تطالب فيه المصارف الدولة باستيفاء TVA على سعر السوق الموازية، ترفض توحيد أسعار الصرف. ذلك لتتفادى تسديد حقوق المودعين بالدولار بالسعر العادل، والابقاء على تسديد الودائع على سعر 3900 ليرة، الذي أقل ما يقال فيه أنه وهمي، مع وصول سعر الصرف الحقيقي إلى 20 ألف ليرة.
العين على عائدات الصادرات
أما بدعة البدع في الخطة فكانت اقتراحها منح المصدرين قروضاً باللولار على أن يسددوها بالدولار الطازج الناتج عن عملية التصدير. وهذا ما رأى فيه مصدر صناعي “هرطقة” نقدية الغاية منها “اعادة رسملة المصارف على حساب المصدرين”. وبرأي المصدر فان “أساس هذا الطرح يعود إلى قرار مصرف لبنان في آذار الفائت “استعادة أموال الصادرات”، بالتهديد. حيث سن قراراً يفرض تحويل قيمة فواتير التصدير إلى المصارف اللبنانية خلال مهلة أقصاها 45 يوماً من تاريخ التصدير. وفي حالة التخلف يتم تجميد رقم المصدّر الضريبي، ويمنع من تسجيل أي بيان استيراد وتصدير قبل إتمام تعهده بتحويل المبلغ المطلوب إلى لبنان، أو إدخال ما يعادله من Fresh money إلى المصارف اللبنانية.
استعجال المصارف تسريب خطتها قبل بروز خطة الدولة أو أي جهة رسمية أخرى هدفه أكل “دجاجة البلد بريشها”، بعدما “أكلت البيضة والتقشيرة”. إذ إنها تتعمد تحميل الدولة والمودعين ومحدودي الدخل والمصدرين والقطاعات الإنتاجية عبء الازمة والنأي بنفسها عن تحمل أي مسؤولية.