رضوان عقيل ـ
لم يكن أكثر الحاقدين على البلد يتوقعون ان ينتهي فصل أمس الى هذه الحصيلة من الدماء والدموع في مشهد اعاد اللبنانيين الى سنوات الحرب وعودة الحديث عن القناصين الذين استعادوا “امجاد الماضي”.
وجاءت تظاهرة الثنائي “#أمل” و”#حزب الله” على خلفية التعبير عن الاعتراض على المسار القضائي الذي يقوده المحقق العدلي القاضي #طارق البيطار. ويقول الفريق السياسي المعارض لاداء المشرف على التحقيقات ان الرجل لا يقوم بالواجبات المطلوبة منه وفق الدستور فحسب، بل انه شرّع مكتبه في العدلية لتدخلات خارجية تأتيه على شكل املاءات. وتوجّه اتهامات اليه بأنه على تنسيق مباشر ومفتوح مع احدى الدوائر الفرنسية، فضلاً عن ان خطوطه مفتوحة مع الاميركيين والانكليز ايضا. ولا يتم تعاطي اكثر القوى السياسية مع ملف التحقيق الشائك والمشرّع على أكثر من نافذة سياسية من باب الالتزام بالدستور من جراء استغلاله في الحسابات والمناكفات السياسية. وثمة من يقول ان فريق رئيس الجمهورية له اليد الطولى في ما وصلت اليه الامور. ويُنقل هنا عن الرئيس ميشال عون أنه لم يقدِم على طلب فتح دورة استثنائية لمجلس النواب “كرمال عيون الوزير علي حسن خليل”.
من جهته، يدرك الرئيس #نبيه بري جيدا خطورة ما وصلت إليه الامور، ولا سيما في مثل حالة الانقسام العمودي التي يشهدها اللبنانيون حيال كيفية التعاطي مع المحقق العدلي في تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار. ووصل هذا الانقسام الى قلب العدلية مع ادخال عوامل طائفية وسياسية باتت واضحة للعيان. وينطلق لسان حال بري من مسألة تعرّض فريق كبير من اللبنانيين للظلم الذي لا يُقبل ويحاكَم عليه الظالم في الارض والسماء، وان ملف التحقيق يتم استثماره في مشاريع سياسية ومصلحية وانتخابية قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة، وان كل ما يقوله ويدعو اليه هو ضرورة التمسك بالدستور، والا ما نفع مندرجات مواده اذا اصبحت تنفذ بناء على مزاج قاض ومصلحة فريق محلي او خارجي. ولا يركن الى العشرات من الآراء من داخل العدلية، فضلاً عن مجموعة لا بأس بها من الحقوقيين والدستوريين في الداخل والخارج تجمع على ان لا صلاحية للقاضي البيطار في التحقيق مع رئيس حكومة ونواب ووزراء سابقين، وان المكان الطبيعي لمحاكمة هؤلاء هو المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ولا سيما ان حالات مشابهة حصلت لدى المجلس مع الرئيس أمين الجميل، والرئيس فؤاد السنيورة والوزيرين السابقين شاهي برسوميان وعلي العبدالله، وتم سجن الأخيرين.
وما لا يقبله بري هو عدم السماح لأي جهة بالقفز فوق مجلس النواب الذي لا يمثل طائفة بل كل المكونات اللبنانية، ويعتقد ان الاستمرار على هذا المنوال من التعاطي قد يؤدي الى حذف مجموعة من مواد الدستور. ويتساءل هنا: “ما نفع وجودها اذا لم يتم احترامها وتطبيقها وعدم تجاوزها؟”. ويوجه رسالة الى كل من يهمه الامر، محذرا من تجاوز البرلمان والصلاحيات الدستورية المعطاة له، وان الامعان في التجاوزات وتطبيق هذا المنحى سيدفع البعض الى المطالبة بإحداث تعديلات دستورية “لأن ثمة من يعمل على نسف مواد دستورية”.
وبات في حكم المؤكد عند الثنائي حركة “أمل” وحزب الله” وجهات اخرى في البلد ان البيطار – ولا سيما بعد الدم الذي سُفح أمس – لم يعد يمارس دور القاضي المولج بالتحقيق في ملف حساس وعلى هذه الدرجة من السخونة. ولم يعد هذا الفريق يتوانى عن القول ان “البيطار ليس قاضياً”، على اساس انه لا يقوم بالواجبات المطلوبة منه، عدا انه لا يمارس الحيادية المطلوبة واتهامه هنا بأنه يطبق أجندة رسمتها له “غرفة سوداء”. وليس بعيدا من كل ما يدور في أروقة التحقيق الذي لا يغيب عن مواكبة الشارع ومتابعته لاي قرار يتخذه البيطار، كثر الحديث عن حصول فتنة بين اللبنانيين، لا بل ان ثمة من يخرج ويصورها بانها مسيحية – اسلامية هذه المرة. في اعتقاد بري الذي يتحدث بحساسية زائدة عن موضوع الفتنة التي يقول انه يقاتلها ويبغضها منذ ان كان تلميذاً في المرحلة الابتدائية الى اليوم. وسيبقى على هذا الايمان الى آخر يوم في حياته. وفي بواطن كلامه في الاسابيع الاخيرة يرى ان الفتنة حاصلة “وأنا من أوقفتها”، مع اشارته الى ان الشارع في ذروة غليانه. ولا يريد الدخول هنا في تفاصيل كل ما اتخذه المحقق العدلي، لكن ما يستوقفه هو تخطيه للمجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ويسأل في مجالسه: “كيف سيكون المشهد في حال الإقدام على توقيف الرئيس حسان دياب وزجّه في السجن؟”. ويدعو هنا، ليس من باب الدخول في اي اثارة، الى ضرورة التطلع الى الحالة التي تعيشها الطائفة السنية، وكيف ان البيطار لم يقدِم على التوجه الى مكتب دياب والاستماع إليه. ويؤيد رئيس المجلس بالطبع ما ورد على لسان السيد حسن نصرالله في معرض التمييز بين رئيس وآخر ووزير وآخر.