السبت, نوفمبر 23
Banner

أسباب المنحى التصاعدي للدولار.. وتورط “المركزي” بالسوق السوداء

عزة الحاج حسن – المدن

ارتفع سعر صرف الدولار بما لا يقل عن نسبة 15 في المئة خلال أيام، رفع معه أسعار كافة السلع. فاقم حال الفوضى القائمة أصلاً، وعزز شعور اللاثقة التي تستحكم بالمواطن اللبناني، منتجاً كان أو مستهلكاً. والسؤال الحاضر على كل لسان هو لماذا ارتفع سعر صرف الدولار بشكل مفاجئ وسريع، أو بالأحرى لماذا عاود سعر الصرف ارتفاعه؟ لا شك إن هذا السؤال مشروع وقد يكون مبرّراً أيضاً. لكن السؤال الأكثر دقة في هذه المرحلة، هو لماذا انخفض الدولار الشهر الفائت، وليس: لماذا ارتفع اليوم؟

فبالنظر إلى الظروف الراهنة والأزمات المتراكمة منذ قرابة العامين من دون انقطاع، بات من غير المُرتقب أن ينتج تحسّناً بأي مؤشر مالي أو نقدي. وليس سعر صرف العملة سوى انعكاس يومي لتلك الحال. فلا عوامل إيجابية على الإطلاق من شأنها أن تبث الهدوء في الأسواق، وتعزز الثقة وتنهض بالعملة الوطنية، باستثناء عامل واحد ظرفي تمثل بتشكيل الحكومة ومنحها الثقة. من هنا أصبح ارتفاع سعر الصرف هو القاعدة وانخفاضه هو الاستثناء.

أما مفعول المؤشر الإيجابي اليتيم وإن كان مؤشراً نظرياً، فقد انتهى من دون شك، مع تحسّس المواطن اللبناني تباطؤ وتيرة عمل الحكومة، وإخفاقها في حماية الفقراء وذوي المداخيل المحدودة من تبعات رفع الدعم على قدرتهم الشرائية شبه المنعدمة، ناهيك عن مشهد اللادولة الذي رسّخته الأحداث الدامية في الطيونة ومحيط العدلية يوم الخميس 14 تشرين الأول، التي سقط فيها ست ضحايا وعشرات الجرحى. باختصار، لا دافع حالياً على الإطلاق من شأنه أن يشجع المواطنين على إدخار الليرة اللبنانية وعدم التهافت على الدولار، باعتباره الملاذ الأكثر أماناً.

تسعير دولار OMT

وليس تفصيلاً إعلان شركة تحويل الأموال OMT إمكان تصريف حوالات الدولار الواردة من الخارج إختيارياً وبسعر صرف السوق، كما ليس بالأمر العابر تذكير الشركة وتشديدها على أن شراء الدولارات من المواطنين، وإن تم باختيارهم، فإنه سيتم لصالح مصرف لبنان، بمعنى أن الدولارات المنوي شراؤها سيتم تحويلها إلى مصرف لبنان لتعزيز احتياطاته. إذاً، كيف يتم تسعير الدولار الوارد عبر OMT؟ ومن يسعره؟ وهل لذلك تأثير على سعر صرف الدولار في السوق السوداء؟

ليست OMT من يحدّد سعر صرف الدولار الذي يتم شراؤه من الزبون صاحب الحوالة، بل هو مصرف لبنان، على ما يؤكد مصدر من شركة OMT في حديث لـ”المدن”. فثمة قسم لدى الشركة مهمته التنسيق يومياً مع مصرف لبنان بشأن سعر الصرف المُعتمد، ويتم شراء الدولارات اليوم الجمعة وفق سعر 20250 ليرة، ما يعني أن مصرف لبنان يتعامل بشكل أو بآخر بدولار لسوق السوداء، وطالما أنه يتدخل شارياً وبأسعار دولار السوق السوداء، فذلك يعني اعترافاً منه بالسعر وإن بشكل غير مباشر. وبالنظر إلى أن المبالغ المحولة عبر OMT وشركات التحويل الأخرى لا تتعدى معدل 120 مليون دولار شهرياً، فإنه من المستبعد بحسب خبراء أن تُحدث تلك المبالغ فارقاً في السوق، أو أن تُمكّن مصرف لبنان من السيطرة وإن نسبياً على سعر الدولار من جهة، وتأمين دولارات الاستيراد من جهة أخرى.

الدولار صعوداً

قد لا تساهم عملية شراء مصرف لبنان الدولارات الواردة عبر OMT برفع سعر الصرف، لكنها من دون شك أدخلت عنصراً جديداً إلى الطلب على الدولار. فمصرف لبنان -حسب الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، سمير حمّود- يتدخل شارياً للدولار كما المستوردين. والسبب أنه لا يزال حتى اليوم ملزماً بتأمين الدولارات للمحروقات والفيول لكهرباء لبنان. من هنا يضطر لشراء الدولارات من السوق بأي سعر ممكن.

ويختصر حمود في حديث إلى “المدن” وضع السوق وارتفاع سعر صرف الدولار، بالقول “الفوضى حالياً هي صفة الأسواق والتسعير، ومهما فعلت السلطات اليوم سيبقى اتجاه الدولار صعوداً، لأن حاجة الناس له متعددة، خصوصاً التجار والمستوردين”. فالأزمة تكمن بين حاجة البلاد للاستيراد لتأمين حاجياته وبين حجم الدولارات الواردة من الخارج. فهي قطعاً غير متوازنة، والحل يبدأ عندما يفتح البلد ويبدأ اقتصاده بالإنتاج.

ويلتقي العديد من خبراء الإقتصاد وأسواق المال مع رأي حمّود، لجهة ترجيح استمرار تصاعد سعر صرف الدولار، وإن بوتيرة متقطعة، ومن بينهم الخبير في أسواق البورصة العالمية جهاد الحكيّم، الذي يعتقد ان ارتفاع سعر صرف الدولار هو نتيجة طبيعية للواقع المالي والنقدي القائم، خصوصاً (وفق الحكيّم) أن “ما يسمى بالاحتياط الإلزامي أو التوظيفات الالزامية ليست متوفرة بالعملة الصعبة إنما على شكل دولار محلي. وهي بعيدة كل البعد عن أن تكون 14 مليار دولار قابلة للإستعمال كما يزعمون ويروّجون، وبالتالي فإن مصرف لبنان كان ولا يزال يشتري الدولارات من الأسواق شأنه شأن المصارف اللبنانية”.

انخفاض “اصطناعي”

ويرى الحكيّم في حديثه إلى “المدن” أن انخفاض الدولار الشهر الفائت كان اصطناعياً ومؤقتاً. عازياً السبب إلى العديد من العوامل، من بينها تعمّد دعم حكومة نجيب ميقاتي وإعطائها جرعة دعم وتفاؤل وبعض الزخم، كذلك لاستيعاب الغضب الشعبي جراء رفع الدعم ما ساهم بتراجع سعر الصرف والتعويض على الشعب حتى ولو ظرفياً بسعر صرف أقل. فقد خففوا مرحلياً من وطأة زيادة أسعار المحروقات ومرت بالتالي بسلام، ناهيك عن استمرار المصارف بصرف الودائع الدولارية عند سعر صرف 3900 ليرة للدولار، وعن شراء الدولار من قبل المصرف المركزي والمصارف بكلفة أقل.

أما استئناف سعر صرف الدولار ارتفاعه فمرده وفق الحكيّم إلى “انه تبيّن أن الحكومة الجديدة كسابقاتها لن تغير الكثير والأزمة إلى مزيد من التفاقم، ولا حلول ملموسة في القريب العاجل. وفي الأفق، كما يبدو، لن تحصل على الدعم الدولي”. أسباب أخرى ساهمت باستئناف سعر صرف الدولار تصاعده، منها أن لا إصلاح للقطاع المصرفي أو تعويض على صغار المودعين أقله، بالإضافة إلى محاولات المنظومة السياسية للانقضاض على كل شيء، حتى القضاء، وبالتالي غياب دولة القانون والمحاسبة. كما لعب عامل عودة المغتربين من لبنان بعد انتهاء الصيف دوراً، وكذلك ارتفاع سعر برميل النفط عالمياً، وانعكاسه مزيداً من خروج الدولارات لاستيراد المحروقات.

خلاصة القول، إن سعر الصرف في لبنان لا يخضع لعوامل اقتصادية ومالية فقط فهو ليس بسوق يتمتع بالكفاءة اللازمة Efficient Market أو حتى قريب منها، وبالتالي لا يمكن تفسير التقلبات الحادة بعوامل مالية واقتصادية بحتة.

أما الثقة فتلعب دوراً أساسياً في تراجع سعر الصرف أو ارتفاعه، ونظراً لحالة الإحباط العامة السائدة في البلد، نتيجة الأزمات المالية والاقتصادية والنقدية ومؤخراً السياسية والأمنية، بات الحديث عن الثقة بعيد المنال.

Leave A Reply