غسان ريفي – سفير الشمال
لم يكن يخطر على بال أحد، أن يتجه لبنان الى تطورات سياسية وقضائية وأمنية تؤدي الى تعطيل إجتماعات الحكومة التي ترك تأليفها ومن ثم الثقة التي نالتها بأكثرية نيابية على بيانها الوزراي إرتياحا إنعكس على الأسواق المالية، قبل أن تفرض التجاذبات والصراعات السياسية نفسها على العملية الانقاذية وتعيد الأمور الى ما كانت عليه لا سيما على صعيد إرتفاع سعر صرف الدولار الذي إنعكس على كل السلع وفي مقدمتها المحروقات.
يُدرك الرئيس نجيب ميقاتي أن مهمته تزداد صعوبة، وأن الوضع السياسي والأمني والسجال “الحربي” العنيف لا يساعدان على بث أجواء إيجابية في البلاد تفضي الى الحد من جنون الدولار، لكن رئيس الحكومة الذي خاض تجربتين مماثلتين في عامي 2005 و2011، لا يبدو أنه سيتخلى عن مسؤولياته الوطنية التي إرتضى أن يحملها وهي تحتم عليه إتمام ما بدأه للوصول الى الحلول التي من شأنها أن تخفف من معاناة اللبنانيين وأزماتهم التي تبلغ اليوم ذورتها على كل صعيد بفعل حقبة سابقة من الارتجال الحكومي والسياسي ومن الفراغ القاتل الذي إستمر 13 شهرا دمر ما تبقى من بنية الدولة.
يلتزم الرئيس ميقاتي بسلسلة من “اللاءات” للحفاظ على حكومته إنطلاقا من أهمية وضرورة وجودها للسير ما أمكن في العملية الانقاذية التي بدأت تتبلور بالرغم من كل الصعوبات والعراقيل، خصوصا أن ثمة قناعة لدى الجميع بأن هذه الحكومة تشكل الفرصة الأخيرة وأن عدم وجودها يعني إنهيارا على كل الصعد ولن يكون الفلتان الأمني في ظل هذه الأجواء المشحونة بعيدا عنه.
ومن هذه اللاءات، لا إستقالة للحكومة، ولا إستفزاز لأي جهة، ولا تدخل للسياسة في القضاء، ولا إقالة أو إستبدال للمحقق العدلي تحت أي ضغط، ولا دعوة لانعقاد مجلس الوزراء الى أن تيبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من التفاهمات السياسية.
هذا الواقع يؤكد أن لا مجلس وزراء في القريب العاجل، لكن ذلك ليس بالضرورة أن يعطل العمل الحكومي، حيث تشير المعطيات الى أن لا بنود ملحة لاقرارها على طاولة مجلس الوزراء، في وقت يتابع فيه الرئيس ميقاتي مع الوزراء المعنيين في إجتماعات فردية كل الأمور المتعلقة بتسيير مصالح المواطنين وإتخاذ القرارات العائدة لها، فيما تشهد السراي الحكومي ورشة عمل ناشطة تترجم باجتماعات متلاحقة مع كل الجهات الدولية المعنية بالعملية الانقاذية، وذلك بالتعاون والتشاور مع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يلتقيه الرئيس ميقاتي اليوم في زيارة روتينية يقوم بها كل فترة لاجراء جولة أفق في الأوضاع العامة والتحديات التي تواجه البلاد والعباد، ولا علاقة لها بحسب المصادر المطلعة بالتشاور لإنعقاد جلسة لمجلس الوزراء، خصوصا أن ميقاتي الذي يمارس صلاحياته، يتريث في هذا الأمر حتى تكون الأجواء مناسبة وتكون إنطلاقة الحكومة مجدية وفاعلة ومحصّنة من أية عوامل خارجية قد تعيق عملها مجددا.
تقول مصادر سياسية مطلعة: صحيح أن العملية الانقاذية هي من مهام الحكومة، لكن المسؤولية في دفع هذه العملية لا تقع على عاتقها أو على عاتق رئيسها منفردين، بل هي مسؤولية وطنية على جميع التيارات والأحزاب المشاركة بها وتذليل العقبات أمامها، خصوصا أن أكثر المتشائمين ما كان ليفكر أن تعطل بعض الأحزاب عمل حكومة “معا للانقاذ”، من أجل مصالح ومكاسب وإستفزازات وتوترات كان يُفترض بالجميع بدون إستثناء التخلي عنها وفق قاعدة: “لا صوت يعلو في المرحلة الراهنة فوق صوت الانقاذ”!…