بات من الواضح أن المرحلة الانتقالية التي تسبق تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة ستكون عبارة عن فترة مضطربة، خصوصاً في ظلّ إصرار الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، على اتّباع نهج صدامي. وبينما يسعى بايدن إلى البدء بمهامه كرئيس منتخب، عبر عقده أول اجتماع مع خلية الأزمة الموازية، التي شكّلها لاحتواء جائحة «كوفيد – 19»، كان ترامب لا يزال على موقفه من رفض الإقرار بخسارة الانتخابات. موقفٌ رافقه تنفيذ ما كان متوقّعاً من قرارات، أوّلها إقالة وزير الدفاع مارك إسبر، الذي تحوّل، أمس، إلى آخر ضحية بين كبار مسؤولي الأمن القومي، الذين سقطوا خلال عهد ترامب.
وقد جاءت هذه الإقالة نتيجة العلاقات المتوتّرة بين ترامب وإسبر، منذ اعترض وزير الدفاع علناً، في حزيران/ يونيو الماضي، على نشر الجيش لقمع التظاهرات المناهضة للعنصرية في أنحاء البلاد. ومذّاك، غاب إسبر عن الشاشات وتراجَع نفوذه، ولم يعد يظهر في مقابلات، مكتفياً بخطابات معدّة سلفاً. في هذه الأثناء، أعلن ترامب تعيين مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب كريستوفر ميلر، ليصبح وزيراً بالوكالة حتى 20 كانون الثاني/ يناير 2021. وسيكون ميلر الخامس الذي يتولّى وزارة الدفاع في عهد ترامب، بعد الجنرال السابق في مشاة البحرية جيم ماتيس، والمهندس في بوينغ باتريك شاناهان، وقائد البحرية ريتشارد سبنسر، الذي تولّى المنصب لوقت قصير في انتظار موافقة مجلس الشيوخ على تسمية إسبر، في تموز/ يوليو 2019.
إلّا أن رحيل إسبر يعني، من جهة أخرى، أن ميلر – إذا استمرّ في موقعه – سيعلن نهاية إدارة ترامب، انطلاقاً من «البنتاغون». وما يعزّز هذه النظرية، إعراب مسؤولي وزارة الدفاع لصحيفة «نيويورك تايمز» عن مخاوفهم من أن الرئيس قد يبدأ عمليات، سواء كانت علنية أم سرية، ضدّ إيران أو خصوم آخرين، في أيامه الأخيرة في المكتب البيضاوي. مخاوف لو صدقت، فهي تعني أن الوقت الذي تبقّى أمام ترامب، والذي لا يتعدّى شهرين، سيكون أهمّ من السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض.
مهما يكن، وفي حال لم يحصل ما توقّعه هؤلاء المسؤولون، من المؤكد أن الفترة المتبقية لترامب في البيت الأبيض ستشهد الكثير من التطوّرات الاستثنائية. وقد بدأت إرهاصاتها، بالفعل، في ظلّ إصراره على أن الانتخابات «سُرقت»، على الرغم من أن عمليات فرز الأصوات التي لا تزال جارية تُظهر بكلّ وضوح تَعذُّر تعويض المرشّح الجمهوري تأخّره، في حين لم يقدّم ترامب أيّ دليل على مخالفات يزعم أنها شابت العملية الانتخابية. في كلّ الأحوال، خالف ترامب التقاليد المتّبعة، فيما كان يفترض به أن يكون قد أقرّ بنتائج الانتخابات التي أجريت الثلاثاء الماضي، وبدأ التعاون مع الإدارة الجديدة، وصولاً إلى الموعد المُحدّد لانتقال السلطة في 20 كانون الثاني/ يناير.
لم يُمنح فريق بايدن الحزمة المالية التي تُخصّص لمساعدة الفائز في الانتخابات
وما أفادت به التقارير، من أن فريق بايدن لم يُمنح الحزمة المالية التي تخصَّص عادة لمساعدة الفائز في الانتخابات على استكمال الاستعدادات لتولّي السلطة، يدخل في هذا الإطار. وتشمل الحزمة توفير مقرّ في واشنطن وتمويلاً بملايين الدولارات. إلّا أن رئيس إدارة الخدمات العامة – الهيئة التي تتولّى إدارة المباني الحكومية -، والذي عيّنه ترامب، لم يوقّع بعد وثائق تحرير الحزمة. وانسحب تجميد التعاون على موقف وزارة الدفاع، التي أعلنت أنها لن تتواصل مع فريق بايدن. وفي هذا السياق، قال مسؤول في البنتاغون إن «وزارة الدفاع لم تُجرِِ أيّ تواصل مع أيّ من الفريقين الانتقاليين التابعين للحملتين الانتخابيتين، ولن تجري أيّ تواصل من هذا النوع ما لم تخطرها بذلك إدارة الخدمات العامة».
في هذه الأثناء، واصل بايدن العمل ضمن إطار مهامه كرئيس منتخب، فأعلن فريقه أنه ونائبته كامالا هاريس اجتمعا عصر أمس مع مستشاري تنسيق الفترة الانتقالية. ولكن مع تشبّث ترامب بالرئاسة، تُخيّم أجواء ضبابية على ما يمكن للإدارة الجديدة إنجازه مع قرب موعد التنصيب. ويوم أمس، أعلن بايدن، في بيان، أن «التصدّي لجائحة كوفيد – 19 هو إحدى أهمّ المعارك التي ستواجه إدارتنا»، وأنه تمّ تشكيل خلية تضمّ خبراء وعلماء في هذا السبيل. وتزامن بيانه مع إعلان شركتَي «فايزر» الأميركية و»بايونتك» الألمانية أن اللقاح التجريبي الذي تتولّيان تطويره أثبت فاعلية وقائية بنسبة 90 في المئة، في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية. ورحّب الرئيس المنتخب بالإعلان، لكنه نبّه إلى أن إطلاق حملة تلقيح واسعة النطاق لن يكون ممكناً «قبل أشهر»، وحضّ الأميركيين على وضع الأقنعة الواقية، وهو أمر يؤكد أنه يعتزم فرضه على صعيد البلاد بعد تولّيه الرئاسة.
بدوره، رحّب ترامب الذي تعرّض مراراً لانتقادات على خلفية إدارة أزمة «كوفيد – 19»، ومخالفته بشكل متكرّر توصيات الخبراء الصحّيين، بالإعلان الذي رفع فوراً أسهم بورصة نيويورك. وقال في تغريدة له: «البورصات تسجّل ارتفاعاً كبيراً، اللقاح قادم قريباً. التقارير تفيد بأن نسبة فاعليّته تبلغ 90 في المئة. أنباء رائعة للغاية!».