تتحضر البلاد للدخول في مرحلة اغلاق عام جديدة، غير مضمونة النتائج، وسط تخبط سياسي، وصحي، واقتصادي، يضع الساحة اللبنانية امام «المجهول»، ولم يكن ينقص ملف تشكيل الحكومة «الغارق» في «وحول» المفاوضات العقيمة بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، الا العقوبات الاميركية على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والتي نقلت النقاش الى مكان آخر، ستكون معالمها اكثر وضوحا في كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله غدا، واذا كان «الجمود» هو التوصيف الدقيق لمرحلة ما قبل العقوبات، فان التأليف دخل مرحلة «التعثر»، فيما خرجت السفيرة الاميركية دوروثي شيا عن «الاصول» الدبلوماسية المعهودة، وفتحت سجالا عالي السقف بطلب من الخارجية الاميركية مع الوزير باسيل، متهمة اياه بالموافقة على التخلي عن حزب الله «بشروط»، وهو ما نفاه مكتب باسيل واعتبره محاولة «ظريفة»، وهو ما رأت فيه اوساط دبلوماسية بازرة تدشينا لمعركة عالية السقف ستستمر حتى نهاية الرئيس دونالد ترامب المتوقع ان تشهد «تصفية» حسابات مع كل «اعداء» واشنطن في المنطقة والعالم.
ومع قرار واشنطن خوض معركة مفتوحة مع العهد من خلال التصويب على باسيل، يبدو ان اولى الضحايا ستكون الحكومة العتيدة، فقد زار الرئيس المكلف بعبدا في الساعات القليلة الماضية، وانتهى اللقاء»البارد» ببيان تحدث عن استكمال المشاورات حول الحكومة، وكان لافتا اسقاط الحديث عن «الايجابية» المعتادة، ووفقا للمعلومات فإن الحريري فتح نقاشا جديدا هذه المرة حول ضرورة «نأي» كل القوى السياسية بنفسها عن الحكومة، والسماح له بتشكيل حكومة اختصاصيين جدية، لكي تتمكن من العمل بعيدا عن العقوبات المفروضة على بعض القوى، ولتنفيذ الاصلاحات الواردة في الورقة الفرنسية لا سيما ما يتصل بالكهرباء، والمعابر والمرفأ، والنفايات، والا فإن اي حكومة «محاصصة» ستكون محكومة بالفشل. ووفقا للمعلومات، لم يظهر الرئيس عون اي حماسة لطرح الحريري وحذره من المضي في هذا التوجه لانه لن يساعد في تشكيل الحكومة.
الحريري يخشى العقوبات؟
وفي هذا السياق، نقل زوار الرئيس الحريري عنه كلاما كشف فيه عن حجم المازق الحكومي الراهن، فهو كان صريحا بقوله ان المشكلة باتت شديدة التعقيد، خصوصا ان الفريق الآخر يريد تعويض خسائره مع الخارج داخل الحكومة، مضيفا «انا مطلوب مني ان أشكل حكومة اربعة اطراف رئيسية فيها موضوعة على قائمة العقوبات الاميركية، فهل المطلوب مني «الانتحار»؟ وكيف لحكومة مماثلة ان تقنع الدول الخارجية بتقديم المساعدات؟» اما الانجاز الوحيد الذي يمكن ان يتحقق برأي الحريري فهو متصل فقط بضمه الى «نادي» الموضوعين على لائحة العقوبات، وعندها نتحول الى حكومة «فاشلين»، على حد تعبيره.
«المستقبل» يصعد!
في هذا الوقت، صعدت اوساط المستقبل الموقف مع الوزير باسيل، ولفتت الى انه لم يحاول مد الجسور مع الحريري على الرغم من موقفه الصعب، واشارت الى انه ارتكب خطأ بالسياسة من خلال تشكيكه الحريري، من خلال القول بأنه كان في صيف 2018 مع تعيينه وزيراً للخارجية لأن الحصانة الدبلوماسية للموقع تمنع فرض عقوبات عليه وكيف انتقل فجأة بعد استقالته من رفض تشكيل حكومة من دونه إلى رفض تشكيل حكومة يكون موجوداً فيها، ولفتت تلك الاوساط الى ان هذا الكلام مجرد تهيئات «باسيلية» تنسجم مع استراتيجية «التيار» الذي يحب دوما التحول الى ضحية.
«الحزب» يدعم «التيار»
في المقابل، لم يقدم الحريري اي اجابة واضحة حول نيته «الاعتذار» عن التأليف بعدما لمس اصرار الرئيس عون على تبني شروط باسيل العالية السقف حكوميا، في ظل وقوف حزب الله وراء حليفه المعاقب اميركيا. وفي هذا الاطار، يحرص الحزب اكثر من اي يوم مضى على ان لا يدفع التيار الوطني الحر ثمن تمسكه بتفاهم «مار مخايل»، وهو لن يسمح بأي خلل في التوازنات الداخلية، على خلفية العقوبات الاميركية، وهو يدعم حليفه المتمسك بضرورة التزام الحريري بمعايير موحدة في التشكيل، ولن يكون مسموحا بأي تشكيلة تضعف «التيار» وتجعله منبوذا في الداخل.
رغبات واشنطن
وفي المقابل، فإن ما تريده واشنطن ان يتخذ الحريري العقوبات فرصة من أجل ان يرفع سقفه إلى الحد الأقصى بوجه رئيس الجمهورية: إمّا تأليف حكومة مستقلين اختصاصيين لا تأثير فيها لاي فريق سياسي خصوصا حزب الله، واما الاعتذار تاركا العهد «يغرق» فيما تبقى له في قصر بعبدا.
لا انفراجات؟
وامام هذه المعطيات،لا شيء يوحي بانفراجات حكومية مقبلة في المدى المنظور، الا اذا اتخذ الرئيس الحريري خطوات جريئة تبعد الساحة الداخلية عن التاثيرات الخارجية، ويحاول من خلالها طمأنة «التيار» من خلال انصافه حكوميا،اما التمسك بتشكيلة من 18 حقيبة، وكذلك المداورة في الحقائب السيادية والخدماتية مع استثناء المال، ووزارة الداخلية التي عاد واقترح ان يسمي هو الشخصية المسيحية التي ستتولاها، وابعاد القوى السياسية عنها، فهذا سيدفع رئيس الجمهورية الى المزيد من التشدد، وهذا يعني ان الحكومة لن «تبصر النور» ابدا.
واشنطن والمعركة المفتوحة
في هذا الوقت، دخلت السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا على خط السجال المباشر مع باسيل، في سابقة لها دلالات واضحة على مضي الادارة الاميركية الحالية في معركتها المفتوحة على الساحة اللبنانية، فيما تبقى لها من ولاية حتى ال20 من كانون الثاني المقبل، فقد اتهمت شيا باسيل من خلال تصريح مسجل، بعدم فهم السياسة الاميركية وكيفية صنعها، كما ادعت انه كان على استعداد للتخلي عن تحالفه مع حزب الله «بشروط»، ولفتت السفيرة الى ان العقوبات هي على فرد وليس حزب، وقالت ان بلادها لا تقوم بمعاقبة او «تدمير» التيار الوطني الحر.
وفي تبريرها لعدم تقديم الأدلة التي كانت في الملفات التي ادت الى فرض العقوبات عليه، قالت : نسعى لجعل القدر الاكبر من المعلومات متاحا عند الإعلان عن التسميات، ولكن كما هو الحال في كثير من الأحيان، فإن بعض هذه المعلومات غير قابلة للنشر.
وبعد ترحيبها بأي خطوة قانونية يريد اتباعها في الولايات المتحدة، لمحت شيا الى ان عقوبات اخرى قد تفرض على باسيل وقالت انه اذا كانت العقوبات الراهنة جاءت بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي لا يعني أنه هو أو أي شخص آخر لن يكون ممكنا تسميته بموجب عقوبات أخرى، في وقت لاحق… هذه التسمية لا علاقة لها بالانتخابات الأميركية. فببساطة، وصلت عملية التسمية إلى النقطة التي أصبحت فيها جاهزة للتنفيذ.
«دق اسفين» ؟
وفي اتهام خطير، يمكن وضه في سياق «دق اسفين» بين باسيل وحزب الله، قالت شيا: قد يظن السيد باسيل أن تسريب معلومات انتقائية خارج سياقها حول نقاشنا المتبادل يخدم قضيته. هذه ليست الطريقة التي أعمل بها عادة ، لكنني سأكشف شيئًا واحدًا، هو نفسه، أعرب عن الاستعداد للانفصال عن حزب الله بشروط معينة. وفي الواقع، فقد أعرب عن امتنانه لأن الولايات المتحدة جعلته يرى كيف أن العلاقة هي غير مؤاتية للتيار حتى أن مستشارين رئيسيين أبلغوني أنهم شجعوا السيد باسيل على اتخاذ هذا القرار التاريخي. وفي السياق نفسه، تحدث مسؤول اميركي رفيع المستوى عن وعد من باسيل للادارة الاميركية بإعلان فك ارتباطه بحزب الله الشهر المقبل لكن الادارة لم تمهله اي فترة اضافية.
محاولة «ظريفة»
في المقابل، وفيما نفت اوساط التيار الوطني الحر، هذا الكلام جملة وتفصيلا، وقالت انه محاولة يائسة لضرب مصداقية باسيل، في اطار الحملة الممنهجة لشطبه سياسيا من المعادلة، لكن المؤسف حقا، وصول السياسة الاميركية الى هذا المستوى من «الرعونة» «والاسفاف»! رد مكتب باسيل على شيا بالقول : إذا كانت السياسة الأميركية قد فشلت حتى الآن في فك التفاهم بين «التيار» وحزب الله فإن محاولة دق الاسفين بينهما من خلال بيان إعلامي يتكلّم عن «شروط معيّنة» هي محاولة ظريفة ولكنّها لن تنجح بهذه الطريقة حتماً، واشار البيان الى ان السفيرة أعطت برهاناً على أنّه لا توجد إثباتات على الاتهامات الموجهة الى باسيل بالتورط في الفساد بإعلانها أن المعلومات التي تم الاستناد إليها غير قابلة للنشر فإذا كانت هذه المعطيات متوافرة فإنّ باسيل يطالب بتسليمها للسلطات اللبنانية.
عوكر ومعراب ـ بيت الوسط
وفي هذا السياق، تشير اوساط ديبلوماسية في بيروت الى ان جهود الولايات المتحدة لـ«عزل» التيار الوطني الحر لن تقف عند حدود معينة، وثمة توجه اميركي لاستخدام العقوبات المعطوفة على الأزمة المالية والحصار الخليجي على لبنان، لدفع القوى السياسية، وفي طليعتها قوى 14 سابقاً، إلى محاولة استغلال الموقف من خلال فك الارتباط مع العهد وحزب الله، ولهذا دخلت السفارة الاميركية على خط التهدئة بيت تيار المستقبل والقوات اللبنانية بعد التراشق الاعلامي خلال الساعات القليلة الماضية، وقد تولى الوزير السابق ملحم رياشي الاتصالات مع «بيت الوسط» للتهدئة، لان الأزمة أكبر أساساً من تشكيل حكومة، وما تبقى من فترة رئاسية للادارة الحالية ستكون حبلى بالمفاجآت التصعيدية..وقد دخلت الرياض على خط بالامس من خلال تساؤل صحيفة الشرق الاوسط السعودية عن أي مصلحة للمسيحية والمسيحيين العرب في هذا المشرق، في الانخراط الجارف مع الفريق الإيراني وتوابعه، ضد بقية العرب الذين هم في غالبيتهم من المسلمين السنّة؟
ارباك «صحي»
وفيما برز «ضوء» في نهاية «نفق» «كورونا من خلال اعلان شركة صناعة الأدوية الأميركية «بفايزر» بأن «لقاحها التجريبي ضد كورونا فعال بأكثر من 90 %،استمر»غزو» وباء كورونا للاراضي اللبنانية، حيث تم تسجيل 1119اصابة و9 وفيات بالامس، وسط لا مبالاة، «الشعب العنيد»، ومن المقرر ان يتخذ المجلس الاعلى للدفاع الذي يجتمع اليوم في قصر بعبدا، قرار باقفال البلاد كليا بدءا من يوم السبت 14وحتى يوم 30 من الشهر الجاري، وسط رفض مطلق للهيئات الاقتصادية والعمالية لهذه الخطة التي لن تؤدي الى وقف تفشي الفيروس، بل الى افقار اللبنانيين، في ظل غياب اي تعويضات مالية من الدولة على القطاعات المتضررة..
واكدت اوساط في اللجنة الوزارية الخاصة بمتابعة كورونا ان الاقفال ليس الخيار الوحيد وثمة خيارات اخرى يجري درسها لكنها تحتاج الى بعض الوقت لتطبيقه، من هنا فإن الاقفال هو الاكثر ترجيحا راهنا. وفي هذا السياق، اجتمعت اللجنة الوزارية المختصة بكورونا في السراي لرفع توصياتها الى الاعلى للدفاع، وهي ستشمل ايضا تحديد الموقف من المطار واغلاقه من عدمه، وقد اعتبر وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الاعمال حمد حسن، في مؤتمر صحافي بعد اجتماع اللجنة العلمية، «ان الاقفال التام فرصة للقطاع الصحي للملمة القوى ورفع الجهوزية التي تأخرت كثيرا»، مشيرا الى ان «الاقفال الجزئي لم يعط النتيجة اللازمة وبناء على هذه المعطيات يجب اتخاذ اجراءات مهمة». وقال: «اجرينا سلسلة اتصالات مع حاكمية مصرف لبنان أوصلتنا لتحرير مبلغ معين للمستشفيات الخاصة لاستحداث اقسام لمواجهة كورونا»، مشيرا الى انه «سيتم هذا الاسبوع دفع مستحقات الاشهر الستة الاولى من العام 2020 للمستشفيات». وأعلن ان لجنة ستزور غدا المستشفيات في بيروت وجبل لبنان للتأكد من عدم امكان المستشفيات اللوجيستية فتح اقسام كورونا.
رفض الاقفال العام
في المقابل، قال رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر، في مؤتمر صحافي بعد لقائه وزير الصحة «اننا معارضون لاقفال تام، نتائجه كارثية على العمال والحركة الاقتصادية»، داعيا الى «التشاور مع الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي». واشار الى ان «المستشفيات تتذرع بأمور لوجستية لعدم استقبال المريض»، مؤكدا انها «ملزمة استقبال الناس، ولا سبب لديها بعدم استقبال مريض كورونا». وقال: «تجب محاسبة شركات التأمين التي تقصر في واجباتها، ونحن كاتحاد لن نسكت عن هذا الواقع وسننزل الى الارض لتحقيق هذا الامر الانساني».