ثلاثة ملفات تستأثر بأوسع اهتمام ومتابعة: ملف كورونا واضطرار الدولة اللبنانية إلى اتخاذ قرار الإقفال مجدداً بسبب التفشي الواسع وعلى رغم انعكاساته السلبية على الاقتصاد، وملف العقوبات على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والسجال بينه وبين السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا وانعكاس هذا التطور على تأليف الحكومة، والملف الثالث يتعلق بالتأليف الذي دخل في مرحلة من الجمود يصعب تقدير طريقة كسرها، فيما الأنظار تتجّه إلى كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مساء اليوم، لمعرفة موقف الحزب من الحكومة في ضوء العقوبات التي قيل إنّها جعلته يتشدّد لمصلحة باسيل، لكي لا يُفسّر اي تأليف على حسابه أنّه موافقة ضمنية على هذه العقوبات.
وفي هذه الاجواء، يجد الرئيس المكلّف سعد الحريري نفسه في وضع لا يحسد عليه، فهو لا يستطيع الموافقة على حكومة بشروط ثنائي العهد و”حزب الله” لا تحظى بالدعم الدولي الذي يتيح له جلب المساعدات من أجل فرملة الانهيار، فيما هذا الثنائي لم يعد في وارد التهاون حكومياً، بعد العقوبات. وهذا التناقض بين رغبة الرئيس المكلّف ورغبة الثنائي لا ينتج حكومة، وفي المقابل لا يبدو انّ الحريري في وارد الاعتذار في هذه المرحلة في ظلّ غياب البدائل، وبالتالي إذا لم يطرأ اي تطور او حدث او قرار، فإنّ البلاد تكون قد دخلت في “ستاتيكو” طويل من الفراغ، تحت عنوان “لا تشكيل ولا إعتذار”.
بقي الجمود أمس متحكماً بالاتصالات الجارية في شأن تشكيل الحكومة بعد اللقاء السادس امس الاول بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري، الذي لم يكشف عن مضمونه أي شيء سوى التوصيف التقليدي المعتمد، وهو انّ الجو “ايجابي” وأنّ التأليف يجري ”في تأنٍ”، من دون الإشارة الى الطروحات المتبادلة بين الرجلين والتي تتغيّر من اسبوع الى آخر بما يشبه لعبة الـ”PING PONG”، وتتبدّل بين حدث وآخر، وهو لم يفض إلى اي نتيجة.
ومن بين الطروحات المتبادلة علمت “الجمهورية”، انّ الحديث عن مداورة في الحقائب الوزارية السيادية باستثناء وزارة المال، تبدّل اكثر من مرة، وطاول في بعض المراحل الحقائب الخدماتية مع إحتفاظ الاطراف بالسيادية منها. هذا عدا عن عقدة حقيبة وزارة الطاقة التي أصرّ “التيار الوطني الحر” على التمسّك بها، بما لم يعد مقبولاً في مرحلتي قبل وبعد صدور العقوبات الاميركية التي طاولت باسيل والتي كانت كل المعطيات في شأنها ملكاً لعون والحريري قبل الاعلان عنها.
لقاء محتمل
وفي ظلّ البلبلة التي تنحو الى السلبية اكثر منها الى الايجابية، تحدثت مصادر مطلعة عن لقاء محتمل غداً الخميس بين عون والحريري، قد يكون لتقويم زيارة الموفد الفرنسي الذي سيحمل معه ”رسائل دقيقة ومحدّدة” تتناول مصير المبادرة الفرنسية، ودعوة الى الالتزام بما قالت بها، قبل انّ تتبخرالوعود بالمراحل اللاحقة منها، والتي ستأتي نتيجة لتشكيل الحكومة التي ستُكلّف بمهمة البتّ بها وتشريعها وتنفيذها.
موفد فرنسي
وفي هذه الاجواء، يصل الى لبنان عصر اليوم مستشار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل الى بيروت، في زيارة وصفت بأنّها تتصل بجديد التطوارت على الساحة اللبنانية من مختلف جوانبها الحكومية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونتائج الوساطة الفرنسية، من باب الحرص على تنفيذ خريطة الطريق الى الحل، والتي تقول بالتشكيلة الحكومية المستقلة والحيادية بعيداً من الانتماء الحزبي لأعضائها، قبل الانتقال تلقائياً الى المراحل الاخرى، وخصوصا تلك التي تتصل بمعالجة الوضع النقدي والمالي، بعد تعثر الخطوات الموعودة لإنعاش الحركة الاقتصادية والمالية، والتي زاد من خطورتها حجم انتشار جائحة الكورونا.
وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية”، انّ الموفد الفرنسي سيلتقي كلاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة العتيدة ومجموعة من القيادات السياسية والحزبية التي على صلة بالإتصالات الجارية لتشكيل الحكومة، ومن بينها كل من رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ورؤساء احزاب اخرى، كان للرئيس الفرنسي لقاءات معهم خلال زيارتيه الاخيرتين للبنان.
”لبنان القوي”
وفي المواقف السياسية، دعا تكتل “لبنان القوي” بعد اجتماعه الدوري الإلكتروني برئاسة باسيل، المعنيين بتشكيل الحكومة، الى ”فصلها عن أي عامل خارجي. فالأساس هو قيام حكومة اصلاحية تستطيع ان تطبّق الاصلاحات المطلوبة وفي مقدّمها اجراء التدقيق الجنائي والاصلاحات الواردة في المبادرة الفرنسية، وان تتشكّل الحكومة وفقاً لوحدة القواعد والمعايير”. واكّد التكتل رفضه “كل ما من شأنه الإخلال بالقواعد الدستورية والميثاقية القائمة في تشكيل الحكومة، وما من شأنه المسّ بالتوازن بين مكونات الوطن”. وحذّر من ”سلبيات التأخّر في عملية التشكيل”، مشدّداً على “وجوب اعتماد المعايير الواحدة التي من شأنها تسريع عملية التشكيل وتسهيلها بناء على قواعد العدالة والتوازن، دون التساهل حول وجوب تسمية وزراء قادرين ومن اهل الاختصاص”.
واطلع التكتل من باسيل على موضوع العقوبات الأميركية التي فُرضت عليه، وأكّد “تأييده للمطالعة التي اجراها الأحد الفائت وايّد موقفه لجهة تمسّك التكتل باستقلاليته في اتخاذ مواقفه الوطنية وعدم جواز التلاعب بالوحدة الوطنية تحت تأثير الخارج وضغوطه”.
بومبيو
في غضون ذلك، كشف وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو، أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل “مرتبط في شكل عميق بمنظمة إرهابية، وهي “حزب الله”، مشيرا الى “أننا فرضنا عقوبات عليه بسبب الفساد، والشعب اللبناني لم يعد يتحمّل هذه الممارسات”.
وقال بومبيو خلال مؤتمر صحافي، “إننا وضعنا العقوبات على باسيل لانّها مناسبة وصحيحة وستؤدي إلى نتائج جيدة لدى الشعوب التي نعاقب فيها الزعماء الفاسدين، وهذا ينطبق على جبران باسيل”. وأضاف، انّ “الشعب اللبناني يريد بلدًا مستقلًا ولا يريد طبقة فاسدة تسرق بلده، ويريد الحرية والازدهار والوظائف، وهذا ما تريده الولايات المتحدة. والعقوبات التي فرضناها على باسيل مناسبة لنصبح اقرب من تحقيق هذا الهدف يوماً ما”.
إقفال البلد لاسبوعين
من جهة ثانية، وفي ظل تصاعد تفشي وباء كورونا، قرّر المجلس الاعلى للدفاع خلال اجتماعه أمس برئاسة رئيس الجمهورية “رفع إنهاء الى مجلس الوزراء يتضمن الاغلاق الكامل ابتداء من الساعة 5:00 من صباح يوم السبت الموافق فيه 14/11/2020 وحتى الساعة 5:00 من صباح يوم الاثنين الموافق فيه 30/11/2020، مع مراعاة الاستثناءات التي تمّ تحديدها في قرار مجلس الوزراء الرقم /1/ تاريخ 15/3/2020 المتعلق بإعلان التعبئة العامة لمواجهة انتشار فيروس كورونا”. وطلب من الوزارات المعنية، كل بحسب اختصاصها “التنسيق في ما بينها”، ومن الأجهزة الامنية كافة “العمل على اتخاذ جميع التدابير التي من شأنها وضع هذا القرار موضع التنفيذ الفوري، واعطاء التوجيهات اللازمة للتشدّد في تطبيقه”. (ص 8)
حسن
وقال وزير الصحة حمد حسن لـ”الجمهورية”، انّ “من الضروري اعتماد الجدّية والحزم في تطبيق الإقفال الكلي حتى لا تتكرّر تجربة الاقفال الجزئي الذي غلب عليه الطابع الاستعراضي ولم يؤد الى النتائج المتوخاة منه، بل اعطى مفعولاً عكسياً”.
وعُلم أنّ حسن اقترح خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع ان تتولى الشرطة البلدية في نطاق كل بلدية تسطير محاضر ضبط في حق كل مخالف لقرار الغغلاق الشامل، على أن يتمّ استيفاء قيمة الضبط فوراً، لردع المخالفين، لكن قيل له انّ تطبيق هذا الاجراء صعب.
فهمي
وقال وزير الداخلية العميد محمد فهمي لـ”الجمهورية”، انّ “الواجبات والمسؤوليات لضمان نجاح الاقفال الشامل تتوزع من جهة على الدولة بأجهزتها الأمنية والقضائية، ومن جهة أخرى على المواطن الذي يشكّل تقيّده بالضوابط المطلوبة شرطاً اساسياً والزامياً لنجاح تجربة الاقفال، وبالتالي من غير الجائز القاء كل أعباء تنفيذ قرار مجلس الدفاع الأعلى على القوى الأمنية حصراً”. وأوضح “انّ وزارة الداخلية ستشدّد قدر الإمكان في تطبيق القرار، لكن ما لم يحصل تعاون وتكامل في ترجمته على الأرض بين الدولة والمواطن فإنّ نسبة تطبيقه ربما لا تتعدى عملياً حدود 70 في المئة”.
وعُلم انّ فهمي طرح خلال اجتماع مجلس الدفاع الصعوبات التي قد تواجه فرض الاغلاق التام، متسائلاً: “اذا لجأ البعض في مناطق محدّدة الى التمرّد والمخالفة، هل نتصدّى لهم ونمنعهم بالقوة مع ما يمكن أن يرتبه ذلك من تداعيات؟”.
وأعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي حول مستجدات فيروس كورونا أمس، عن تسجيل 1552 إصابة جديدة (1540 محلية و 12 وافدة ) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 96907. واشارت الى تسجيل 17 حالة وفاة جديدة، وبذلك يصبح العدد الإجمالي للوفيات 749.
10 مليارات دولار في المنازل
وعلى الصعيدين المالي والاقتصادي توجّه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بلهجة حازمة الى المصارف، محذّراً ايّاها من انّ المصرف المركزي سيضع يده على كل مصرف يعجز أو لا يطبّق التعاميم المتعلقة بإعادة تكوين الرساميل.
وقال سلامة، في لقاء مع جمعية المودعين، انّ على “المصارف ان تطبّق بدقة تعاميم المصرف المركزي. فقد حان الوقت لتتحمّل المصارف والمساهمون مسؤولياتهم بإعادة تكوين التزاماتهم، وزيادة رساميلهم بنسبة 20% واعادة الاموال المحولة بنسبة 15 الى 30%، واعادة تكوين نسبة 3% في حساباتهم لدى البنوك المراسلة. وتلك التي ستفشل سيستحوذ عليها مصرف لبنان. فالمصرف المركزي وضع القوانين والتعاميم لتُطبّق بدقة وليس لوضعها في الأدراج”.
وكشف سلامة انّ “التقديرات تشير الى وجود 10 مليارات دولار مخزّنة داخل البيوت، بما يستوجب وضع آلية تنظيمية جديدة لإعادة الثقة بالمصارف ومن ضمنها إعداد مشروع عملة لبنانية رقمية، خلال سنة 2021، تساعد في تحريك سوق النقد محلياً وخارجياً”.
وفي ما يتعلق باستخدام الذهب، شدّد الحاكم على انّ “لبنان لا يمتلك أي موارد طبيعية، وعلينا ابقاء الذهب كونه من الاصول التي يمكن تسييلها في الاسواق الخارجية إذا ما واجهنا أزمة مصيرية حتمية”.