مع ان لبنان ليس بعيدا عن ذعر متحور “اوميكرون” جديد سلالات جائحة فيروس كوفيد 19 الذي عاد العالم يرزح تحت وطأته عند مشارف الأعياد في استعادة للسنة الماضية فان هاجس وصول “اوميكرون” الى لبنان لم يكن الهم الوحيد طبعا ولم يتقدم الهواجس والهموم الأشد ضغطا وإخافة على اللبنانيين من كورونا ومتحوراته في ظل التفاقم الآخذ في التدحرج لمختلف أنواع ومشتقات الازمات والانهيارات التي يعاني منها اللبنانيون . واما المفارقة التي باتت تتطغى تباعا على المشهد الداخلي في ظل تفاقم الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية فلا يبدو انها آيلة الى تبديل او تغيير قريب وهي مفارقة ذوبان السلطة المسؤولة بكل ما لهذا الغياب والتغييب من دلالات بالغة السؤ والسلبية اذ يكاد دور المسؤولين على مختلف مستويات المسؤولية يكون منعدم الوجود ويقتصر مشهد الرئاسات والمؤسسات على شكليات بالية لم تعد تكفي لستر عراء الدولة ويتم اللبنانيين .
ولا تظهر في الأفق أي معالم او ملامح جدية لاعادة احياء جلسات مجلس الوزراء خصوصا بعد الهجوم الحاد المتجدد الذي شنه الأمين العام ل” حزب الله ” السيد حسن نصرالله مساء الجمعة الماضي على القضاء على خلفية ضغطه المتواصل لتنحية المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار والذي أضاف اليه هجوما يرقى الى التهديد المبطن بعمليات ثأر في ملف احداث الطيونة .وبذلك بات مستبعدا تماما ان يجد ما ذكر عن اعتزام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي توجيه دعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء في الأسبوع الطالع اذ ان سخونة موقف الثنائي الشيعي من الملف القضائي ستمنع ميقاتي مجددا على الأرجح من توجيه الدعوة . وسيعود ميقاتي اليوم الى بيروت فيما تردد انه سيغادرها مجددا الى مصر وتركيا . كما من المتوقع ان يزور الرئيس ميشال عون قطر في 29 الجاري ويعود في 1 كانون الاول المقبل للمشاركة في احياء قطر احتفالا ضخما باستضافتها بطولة العالم لكرة القدم في السنة المقبلة .
وتحدثت معطيات عن مسعى بعيد من الاضواء يقوم به “حزب الله” بين الرئيس نبيه بري و”التيار الوطني الحر” لمحاولة تسوية العلاقة المتدهورة بن الطرفين من ضمن مقايضة تقوم على احالة محاكمة الرؤساء والوزراء الى محكمة خاصة مقابل موافقة بري على السير بالقانون الانتخابي وفق ما يريد التيار ومن ضمنه انشاء الميغاسنتر الذي يطالب به ويضغط في سبيله المجتمع المدني.
ولكن وزير الصناعة جورج بوشكيان اعتبر امس أن “الحكومة بخير والعمل جار على عقد جلسة في أسرع وقت وإزالة كل المعوقات التي تحول دون ذلك”. ونفى ما يشاع عن “استقالة الرئيس نجيب ميقاتي لان الحكومة أتت بمهمة معينة عليها تنفيذها وهي الحفاظ على البلد وتحريك الاقتصاد وبناء أطر جديدة له”، مشددا على ان “الحكومة لاتزال حكومة انقاذ وان الوزراء يعملون باندفاعة اكبر بعد الازمة الاخيرة”.
في المواقف السياسية من التطورات شنت الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر” هجوما عنيفا على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ودعت الى استقالته او اقالته ، كما دعت “الى فك أسر الحكومة وتحريرها من الاعتبارات التي تعطّل عملها، ويعتبر الاستعصاء الحاصل تجاوزًا للدستور والمنطق وهو ظلم بحق اللبنانيين. وعليه يطالب التيار بعقد جلسة لمجلس الوزراء وفقًا للأصول الدستورية، تأخذ القرارات المطلوبة لتسيير مرافق الدولة وتسهيل حياة الناس من البطاقة التمويلية المتعثرة الى موازنة سنة 2022 إلى حالة التعافي المالي إلى الأوضاع المعيشية والاجتماعية الكارثية نتيجة التفلّت المقصود في سوق الصرف وأسعار المحروقات، فضلًا عن القرارات المتعلقة بالعملية الانتخابية. كل ذلك يتطلب من الحكومة ان تجتمع وتتحمّل مسؤوليتها والا فإن التيار يدعو المجلس النيابي إلى جلسة مساءلة للحكومة عن اسباب عدم اجتماعها”. ورأى التيار “أن المكان الأنسب لمعالجة أي مشاكل في قضية التحقيق العدلي في انفجار المرفأ هو مجلس النواب والهيئات القضائية المعنية.
في المقابل لفت رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في لقاء حزبي في اقليم الخروب الى انه “فجأة يغيب الكلام حول الغاز المصري والكهرباء الأردنية الذي رحبنا به والذي يؤدي إلى زيادة التغذية الكهربائية”. وأضاف: “لست أدري لماذا يغيب الإصلاح ولم نعد نسمع شيئا عن البطاقة التمويلية؟ هل هناك أوساط في الحكومة لا يريدونها أم أن ليس هناك تمويل؟” وسأل جنبلاط: “هل الشؤون الإجتماعية أحصت عدد العائلات الأكثر فقراً اليوم؟ بقعة الفقر توسعت ولا بد من إحصاء جديد من أجل الوصول الى معرفة من هم المحتاجون”.
وحول موضوع الإنتخابات قال: “لا يمكن أن نخرج من التحالف التاريخي مع المستقبل وبالرغم من كل شيء نقول للشيخ سعد إن لبنان بلده وغيابه عن الساحة لا يفيد”. وتابع جنبلاط: “اذا سلمنا كل البلد للمحور السوري الايراني تكون غلطة فادحة، لا أستطيع بمفردي المواجهة السلمية وأن نقول كفى”.
في جانب آخر نفّذت “المجموعات السيادية اللبنانية” وقفة رمزيّة أمام صخور نهر الكلب، في ذكرى الاستقلال تحت شعار “مهما تأخّر جايي”. والقيت كلمة ابرز ما جاء فيها: “تاريخنا مقاومة وطنيّة ونحن سنكمل المسيرة وجئنا إلى هنا لنزيد لوحة على لوحات الجلاء. لبنان تحت الاحتلال الإيراني المباشر من خلال هيمنة حزب الله. نعاهدكم اليوم ومن أمام لوحات الجلاء أنّنا سوف نقاوم وإياكم مقاومة مدنيّة حتى جلاء هذا الاحتلال كما تمّ جلاء كلّ الاحتلالات السابقة. ونتوجه للمحتلّ الإيراني ونقول إرفعوا إرهابكم وسلاحكم عن لبنان الدولة والشعب، ولن تستطيعوا تغيير هوية لبنان ولا تنفيذ مشروعكم الفارسي ولن يكون لبنان، مهما حاولتم، مقاطعة من ولاية الفقيه وسينهض وينبعث من جهنّم التي وعدتمونا بها وأوصلتمونا إليها ليسترجع موقعه الريادي والحيادي كجسر حضارة بين الشرق والغرب”. وقام المشاركون في الوقفة بإزاحة الستار عن لوحة الجلاء التي تبشّر بـ”جلاء الإحتلال الإيراني” وكتب عليها: “إعلان المقاومة المدنيّة للإحتلال الإيراني للبنان واستعادة سيادة واستقلال لبنان، وطن الحرية والانفتاح، لبنان الرسالة والحياد”.
وليس بعيدا، عقد لقاء في بيت مري لمُناقشة تداعيات “عزل لبنان عن مداه العربي”، اعتبر خلاله المجتمعون ان “ما يحصل اليوم هو أخطر حملة تُشَنّ على لبنان وانتمائه العربي وهناك خلل كبير في موازين القوى والمعركة ليست مجرّد الدفاع عن عروبة لبنان بل عن الهويّة العربيّة”. ورأوا ان “لبنان لا يعرف العزلة أو التقوقع وعروبته هي مداه الاستراتيجي وصمّام أمانه وهذه المعادلة تصون حقيقته وهويّته ومعناه والبلد ليس مجرّد رقعة جغرافية بل كيان أصيل والحياد ليس انسحاباً من أيّ التزام تجاه القضايا العربية بل هو فعاليّة وقوّة وليس ضعفاً وتخاذلاً”. وختموا: “كان لبنان أوّل مَن أطلق النهضة الفكرية والأدبية عربيًّا ليلبّي تحوّلات العالم وأوّل مَن كسر حاجز القطيعة بين الشرق والغرب وأوّل مَن مدّ جسور التفاعل العربي”.
النهار