عبدالله قمح – ليبانون ديبايت
يريد المصريون إنهاء قضية مدّ لبنان بالغاز لزوم إنتاج الكهرباء. “الجماعة” أنهوا عملياً المسائل التقنية واتفقوا عليها مع وزير الطاقة اللبناني وليد فياض، الذي زار مصر سابقاً، ولم يبق إلاّ شيئاً واحداً: الموافقة الأميركية.
في الحقيقة، يتلكأ الأميركيون في تقديم جواب نهائي وواضح حول موضوع استجرار الغاز من مصر إلى لبنان. في الغالب وكما هو واضح حالياً، يربطون موافقتهم بتحقيق “مسائل سياسية” لبنانية داخلية صرف، وقد يكونوا يستدرجون أجوبةً من الحكومة اللبنانية من وراء هذا التأخير، وغالباً يُعتقد وإنما بات راسخاً على نطاقٍ واسع، أن التأخير الأميركي مردود في الأساس إلى رغبةٍ في توظيف ما يحصل من تأخير، من أجل تحقيق غايات خاصة في لبنان، كالضغط على الحكومة اللبنانية مثلاً لإنجاز عدة مسائل مطلوبة منها سياسياً، وقد يكون التأخير مرتبطاً بأشياء أعمق كالنيّة في تمرير المرحلة السياسية الراهنة.
عملياً، مشروع مدّ لبنان بالغاز المصري ليس حديث العهد. لا مبالغة إن قلنا أنه مشروع قديم وعمره سنوات، نوقش مراراً مع رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، حين كان رئيساً أصيلاً لمجلس الوزراء وحين لم يكن، وحين كان مكلّفاً أيضاً. وإذا ما أردنا التمحيص في المشهد، لوجدنا أن الأميركيين هم الطارئين على المشروع، وقد دخلوه أول مرة منذ وقتٍ ليس ببعيد وعلى شكل غارةٍ أو إنزالٍ بالبراشوت، ساعة طرح “حزب الله” مسألة استقدام النفط من إيران. وعلى قاعدة التوازن، لم يجد الأميركيون سوى الإنغماس في مشروع استجرار الغاز المصري و الكهرباء الأردنية، لإظهار أنهم حققوا شيئاً، فسطوا عليه! علماً أن القضيتين منفصلتين تكتيكياً عن بعضهما، والأميركي هو من بادر إلى جمعهما ليس إلاّ. وأحياناً ثمة من يعتقد أنهم (أي الأميركيين) كانوا على علمٍ ، وتركوا المشروع لكي يخمر، وحين استنسبوا التوقيت “شكّوا” عليه.
إلى حينه، تبدو الأمور معقدة بين القاهرة وبيروت رغم تبادل الزيارات بين مسؤوليهما، وعلى الأرجح فإن القضايا العالقة عملياً لا تنسحب على مسائل تخصّ البلدين، بل يعود الفضل فيها إلى “البصمات الأميركية”. الأميركيون كما هو واضح، يرفضون لحينه منح القاهرة أذونات واضحة وصريحة، حيال مدّ لبنان بالغاز عن طريق الخط العربي المارّ عبر سوريا (يطرح الجانب السوري استبدال الكميات، بحيث يأخذ الغاز المصري ويرسل إلى لبنان غازاً سورياً) يتذرّعون بقانون عقوبات “قيصر”، وإن السماح بالإستجرار يحتاج إلى آليات مسؤول عن إنجازها الكونغرس دون سواه، وإن الوزارات المعنية في الحكومة الأميركية دورها محدود مقابل التشريع، وهذا صحيح، إنما الصحيح أيضاً أن واشنطن تستطيع ممارسة المزيد من الضغط لو رغبت في تسريع الخطوات.
وعلى سبيل الإشارة، ما تمكّنت الحكومة الأميركية من تقديمه إلى القاهرة حتى الآن، لا يتجاوز حصول الأخيرة على “رسالة تأكيد” (confirmation letter) تتضمن إشارةً إلى “موافقة مبدئية” (Preliminary approval) وجد الجانب المصري أنها “مبهمة”، لكونها لم تأتِ على شكل قانونٍ صادر عن الكونغرس، وبالتالي تصبح “غير ذات ضمانة” ولا تتيح اعتبارها استثناءً من قيصر، ولا توفّر حمايةً للشركة المصرية المسؤولة عن إنتاج وتسويق الغاز المصري إلى الخارج، وقد تؤدي الموافقة هذه والبدء بالتنفيذ بناءً عليها، إلى تنصّل أميركي في حال حُرّك الملف أمام الكونغرس، الذي قد يتصرف على أساس أنه لم يمنح أي إذن، ما قد يعرّض الشركة المصرية المعنية إلى عقوبات، ما قد يؤثّر على مستقبلها كما على الإتفاقيات المبرمة مع مجموعة دول من أجل تزويدها بالغاز.
الأميركيون إذاً يستمهلون، رغم أن القضية من الجانب المصري قد شارفت على الإنتهاء ولا تحتاج سوى إلى إقرار أميركي ويصبح مدّ لبنان بالغاز متاحاً. هذا الجو أُبلغ إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حين زار القاهرة مؤخراً، ولمس جهوزيةً مصريةً كاملة من أجل المباشرة بالتنفيذ، لكن ينقصها الإطار القانوني الضامن لذلك. في المقابل ثمة عائقٌ لبناني يتمثّل في العطب الذي يؤدي إلى تعطيل مجلس الوزراء. فلا إمكانية لبدء “سحب الغاز والكهرباء” من دون عرض الملف على الحكومة وإبداء الموافقة عليه. من جهة أخرى، ثمة أزمة أخرى لا تتمّ الإشارة إليها في الغالب، وتتمثّل بالوضعية الأردنية، فالخط الأردني الذي يُفترض أنه سينقل الكهرباء إلى لبنان، شارفت صيانته ضمن الأراضي السورية على الإنتهاء. حال الأردن هنا كحال مصر، تحتاج إلى تفويضٍ لمباشرة نقل الطاقة إلى سوريا. ثمة من يقول أن عمّان قد حازت سابقاً على استثناءٍ للتعاون مع دمشق، لكنهم يحيطون علماً أن الإستثناء المذكور، لا يشمل مدّها بالطاقة لمصلحة لبنان.
حسناً. عود إلى بدء. الموضوع يبدأ بواشنطن وينتهي منها. الأخيرة تستخدم موضوع مدّ لبنان بالطاقة للمساومة عليه مع قضايا أخرى، نعلم أنها تبدأ بملف ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي ولا نعلم أين ومتى تنتهي!