أحد أعظم قادة العالم العسكريين، انطلق من سواحل تونس وكاد يطيح بالإمبراطورية الرومانية بعد أن حاصر عاصمتها روما نحو 15 عاماً، ما دفع المؤرخين الرومانيين إلى وصفه بـ”أسوأ كوابيس روما”.
في مثل 18 ديسمبر/كانون الأول من عام 218 ق.م هزمت قوات حنبعل القرطاجي القوات الرومانية في معركة تريبيا خلال الحرب البونيقية الثانية بين عامَي 218 ق.م و201 ق.م. وسُميت “بالحروب البونيقية”، لأن الرومان أطلقوا على القرطاجيين اسم البونيقيين لأصولهم الفينيقية (باللاتينية: Poenici).
وخلال الحروب البونيقية الثانية اجتاز حنبعل جبال الألب حتى وصل إلى حوض نهر إلبه بإيطاليا متفوقاً على جيوش الإمبراطورية الرومانية، ما مكنه من بلوغ أقصى الحدود المستحيلة ليهزم روما ويصبح أحد أسواء كوابيسها إذ احتل معظم إيطاليا وحاصر روما 15 عاماً.
ولشدة دهائه ونجاح تكتيكاته العسكرية اعتبره المؤرخون أحد أعظم القادة العسكريين في العصور القديمة، إذ استنسخت تكتيكاته في العديد من المعارك والحروب قديماً وحديثاً، ولعل من أبرزها خطة السلطان محمد الفاتح التي نقل خلالها سفنه عبر البر من أجل فتح القسطنطينية، وصولاً إلى عملية عاصفة الصحراء.
المولد والنشأة
معارك حنبعل ضد الإمبراطورية الرومانية وسط إيطاليا (Others)
ولد حنبعل بمدينة قرطاج التي تعتبر اليوم إحدى ضواحي مدينة تونس عام 247 ق.م، وانضم بعمر التاسعة إلى الجيوش القرطاجية المتوجهة إلى إسبانيا تحت قيادة والده حملقار برقا. وبعد موت والده واغتيال زوج أخته صدربعل العادل الذي كان قائداً للجيوش اختاره الجنود قائداً لهم عام 221 ق.م، وكان يبلغ من العمر حينها 26 عاماً فقط.
وخلال قيادته لجنود قرطاج تمكن حنبعل من فرض سيطرته على كامل شبه الجزيرة الإيبيرية بما في ذلك ساغونتو إحدى المعسكرات الرومانية، الأمر الذي اعتبرته الإمبراطورية الرومانية خرقاً للمعاهدة التي عُقدت عقب الحرب البونيقية الأولى وتهديداً لوجودها.
عاش حنبعل حياته وهو يعتبر روما عدوته وعدوة مملكته قرطاج الوحيدة، إذ تذكر الأساطير أن والده حملقار برقا أجبره وهو في عمر التاسعة فقط على أن يغمس يديه في الدماء ويقسم بأنه لن يكون صديقاً لروما أبداً.
وتجدر الإشارة إلى أن روما وقرطاج عاشتا ثلاث حروب بونية في إطار صراع السيطرة على مياه المتوسط، انتهت بانتصار غير متوقع لروما. فبينما انتهت الحرب الأولى التي قادها والده حنبعل من دون انتصار حاسم، أشعل حنبعل الحرب البونية الثانية عندما تولى السلطة، في حين اشتعلت الثالثة والنهائية في وقت لاحق بعد وفاة حنبعل.
الطريق إلى روما
مشهد يمثل عبور حنبعل مع جيشه جبال الألب (Others)
أدرك حنبعل منذ البداية أن الإمبراطورية الرومانية تفضل الحرب على أرض أعدائها، لذلك قرر مباغتتهم في عقر دارهم. فبعد أن ترك مهمة حماية قرطاج وأراضي إسبانيا إلى أخيه صدربعل، حشد حنبعل جيشاً كبيراً ضمن في صفوفه 90 ألف جندي من المشاة وقرابة 12 ألف فارساً ونحو 40 فيلاً، وانطلق به في طقس عاصف عبر التضاريس الوعرة لجبال الألب.
وبعد رحلة شاقة استمرت قرابة 17 يوماً فقد خلالها نصف جيشه تقريباً وصل حنبعل إلى وسط إيطاليا، وسرعان ما بدأ تجنيد سكان القبائل المحليين مقدماً نفسه على أنه “المحرر” من سلطة الرومان.
ونتيجة للانتصارات المتوالية التي حققها حنبعل ضد القوات الرومانية تلقى الدعم من حلفاء آخرين من بلاد الغال والليغوريون، ففي سنواته الأولى في إيطاليا تمكن من تحقيق 3 انتصارات عظيمة ومتوالية بدءاً من معركة تريبيا مروراً بمعركة تراسمانيا ووصولاً إلى معركة كاناي.
وعندما رأى حنبعل أن الانتصار حليفه في حربه مع الرومان قرر التوجه نحو العاصمة روما للقضاء على الإمبراطورية الرومانية تحقيقاً لحلم والده. إلا أن الرومان لم يستطيعوا صد القرطاجيين وإخراجهم من حصار روما الذي استمر 15 عاماً وحسب، بل أجبروا حنبعل على العودة إلى مملكته قرطاج لمجابهة الغزو الروماني لشمال إفريقيا.
نهاية قائد شجاع
تمثال لحنبعل من نحت سيباستيان سلودتز 1704، متحف اللوفر بباريس (Others)
وجد الرومان بالتحالف مع دولة نوميديا الإفريقية على حدود قرطاج الجنوبية الفرصة في فك الحصار عن روما عام 203 ق.م، إذ اضطر حنبعل إلى ترك الأراضي التي سيطر عليها بإيطاليا وإسبانيا والعودة بجنوده للتصدي لجيوش الرومان تحت قيادة بابليوس كورنيليوس سكيبيو الذي ألحق بحنبعل هزيمة بمدينة زاما بتونس الحالية.
وفي أعقاب هزيمة زاما التي أنهت حقبة الحروب البونية الثانية عاد حنبعل ليصبح حاكماً لقرطاج مجدداً، شريطة دفع تعويضات باهظة لروما، الأمر الذي لم يقدر عليه ودفعه إلى الهرب إلى الأناضول حيث أصبح المستشار العسكري للملك السلجوقي أنطيوخوس الثالث، وبقي هناك إلى أن هزمت روما أنطيوخوس بمعركة ماغنيسيا عام 190 ق.م.
بعد هزيمة ماغنيسيا وخوفاً من تسليمه روما بعد توقيع معاهدة الهدنة قرر الهرب مرة أخرى إلى بيثنيا غربي تركيا اليوم. وما أن شعر بالخيانة وقُبيل تسليمه للرومان آثر تناول السم والموت عام 182 ق.م على أن يموت أسيراً بيد أعدائه الرومان.
Follow Us:
TRT