رنى سعرتي – الجمهورية
يُفترض أن تنحصر مهمّة الحكومة الأساسية، وبعد فراغ عمّقَ الأزمة المالية والاقتصادية وصعّبَ مسار التعافي، في إقرار الموازنة الاصلاحية، إقرار خطة التعافي الاقتصادي المالي والاجتماعي، الاتفاق مع صندوق النقد على برنامج إنقاذ، ومن ثم إجراء الانتخابات النيابية، على ان توازيها مهمّات للمجلس النيابي لإقرار الاصلاحات والقوانين الملحّة والمطلوبة من قبل المجتمع الدولي قبل الموافقة والشروع بمساعدة لبنان، والافراج عن القروض والهبات والمساعدات المالية التي يحتاجها.
لا توحي الاجواء السائدة لغاية اليوم بأن مجلس الوزراء سينعقد لإقرار ما يلزم، أقلّه مشروع الموازنة، في حين قد يدعو رئيس مجلس النواب، بعد فتح العقد الاستثنائي للمجلس، الى جلسة عامة الاسبوع المقبل لدراسة واقرار مشارع القوانين الملحة منها اقتراح قانون تمديد تعليق قانون السرية المصرفية للتدقيق الجنائي في مصرف لبنان الى حين الانتهاء من اعمال التدقيق، والذي اقرّته لجنة المال امس، بالاضافة الى قوانين متعلّقة بخطة التعافي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي منها قانون الكابيتال كونترول الذي لم يتم التوافق على مسودته بعد، وغيرها من مشاريع القوانين الملحّة كإعطاء سلفات خزينة لتسديد المساعدات الاسثنائية الممنوحة للموظفين في القطاع العام خصوصا في القطاع الصحي والتربوي ليتمكّن من مكافحة انتشار وباء كورونا مجددا.
أمام هذا التعطيل في عمل السلطة التنفيذية، اعتبر مسؤول مالي دولي أن معظم الأحزاب السياسية في لبنان توصلت أخيرا إلى استنتاج مفاده أن المخرج الوحيد أمام لبنان للبدء في معالجة أزماته الاقتصادية والمالية هو التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج إنقاذ، «إلا ان ما يحتاجون إلى معرفته هو أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ستكون صعبة للغاية. كما سيستغرق الأمر بعض الوقت، وستكون معالجة الخسائر المالية خصوصا الفجوة المالية في مصرف لبنان (المقدرة بنحو 69 مليار دولار)، عملية معقّدة للغاية»، لافتا الى انها أصعب جزء في الاتفاق على برنامج إنقاذ.
وقال لـ«الجمهورية»: حتى لو افترضنا أنه يمكن التوصل إلى اتفاق على المستوى الفني، يبقى السؤال ما إذا كانت هناك إرادة سياسية في الدولة لتنفيذ برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي؟
اضاف: كمراقب خارجي، أشك في ذلك كثيرا. إذا لم يحصل تغيير في القادة السياسيين والمسؤولين الماليين الذين كانوا مسؤولين منذ أوائل التسعينات وأنشأوا وأسسوا هذا النظام الاقتصادي الأكثر فسادا في التاريخ الحديث، فلا ينبغي لأحد أن يفترض أنه يمكن تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي بنجاح في لبنان.
وتابع: عندما تسود حالة عدم اليقين في أي بلد ما حول مستقبل البلاد خصوصا بالنسبة الى ما يتعلق بالخلافات السياسية بين الأحزاب السياسية الرئيسية، فإنّ تداعيات ذلك تكون أوّلا سلبية على الاقتصاد. وبالتالي، ان أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي يجب ان يكون مدعوما من قبل السلطة الحاكمة اي مجلس الوزراء والبرلمان. وفي حال عدم توفّر هذا الدعم «لا يمكن التوصل إلى اتفاق».
ورأى المسؤول الدولي انه بالمعدل الذي تسير فيه البلاد، وإذا لم يحصل أي خرق على المستوى السياسي، فإنّ لبنان سينضم إلى نادي الدول الفاشلة. وبالتالي، ان ظروف الاقتصاد الكلي في البلدان المصنّفة فاشلة، معروفة: وهي تضخم مفرط، انخفاض مستمر في قيمة العملة، نقص في السلع الأساسية، انهيار الخدمات الأساسية، هجرة الأدمغة، الفوضى الامنية وتفشي السرقات والجرائم…
وختم: إذا لم يضع السياسيون في لبنان خلافاتهم جانباً وسمحوا للفريق الاقتصادي المسؤول عن التفاوض على برنامج الانقاذ مع صندوق النقد الدولي بأن يقوم بعمله من دون تدخل سياسي كبير، وفي حال لم يتقبلوا حقيقة أن لبنان سيدخل فترة من التعديلات الاقتصادية الصعبة، بما في ذلك الاقتطاع الكبير من الودائع، فإنّ لبنان سيكون في طريقه نحو الانضمام إلى نادي الدول الفاشلة.
تجدر الاشارة الى ان مفهوم «الدولة الفاشلة» يمكن نسبه الى أي دولة تقودها حكومة عاجزة عن القيام بالوظائف والمسؤوليات الأساسيّة لدولة ذات سيادة، كتطبيق القانون والعدالة، تأمين أبسط حقوق المواطنين، من تعليم وكهرباء وطبابة… توفير الحد الأساسي من العيش الكريم لمواطنيها، بالاضافة الى الاستقرار الاقتصادي. كما ان أي دولة تعتبر فاشلة حين يتفشى في أراضيها وبين سكانها العنف المدني والفساد والجريمة والفقر مع بنية تحتيّة متداعية.
فهل حان الوقت لوصف لبنان بالدولة الفاشلة؟