السبت, نوفمبر 23
Banner

النهار : الملف اللبناني المأزوم الى مراجعة فرنسية أميركية

قد تكون من المفارقات اللافتة التي تتصل بالواقع اللبناني المأزوم بل الكارثي ان يعود ‏ملف لبنان الذي يشهد تجربة إقفاله العام الثاني لمواجهة انتشار وباء كورونا الى اجندة ‏الأولويات الفرنسية – الأميركية في توقيت دولي لا يخطر ببال قبل شهرين من انتقال ‏الإدارة الأميركية الى الرئيس المنتخب جو بايدن. هذا البعد سيرتسم بدلالاته الديبلوماسية ‏والواقعية والرمزية عندما يطرح ملف الوضع اللبناني بازماته السياسية والاقتصادية ‏والمالية والاجتماعية في لقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركي ‏مايك بومبيو ووزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان اليوم في قصر الاليزيه ضمن ‏الزيارة الرسمية التي يقوم بها بومبيو لباريس لاجراء محادثات مع الرئيس الفرنسي حول ‏الملفات التي تتسم بشراكة بين الدولتين والتي يصنف لبنان من ضمنها. ويكتسب البحث ‏المشترك في الملف اللبناني دلالة بارزة لجهة انه يتزامن مع اجراء الرئاسة الفرنسية تقييمها ‏الخاص لمهمة المستشار الرئاسي باتريك دوريل غداة عودة الاخير من المهمة التي أوفده ‏اليها ماكرون في لبنان حيث التقى المسؤولين والقيادات السياسية وعاد الى باريس ‏بحصيلة يرجح ان تكون وسعت خيبة باريس من الطبقة السياسية بفعل تخبط مسار تأليف ‏الحكومة الجديدة بالتعقيدات المفتعلة تباعا ولو سمع الموفد الفرنسي سيلا من التعهدات ‏الكلامية المتجددة بالتزام المبادرة الفرنسية‎.‎

وبحسب الأجواء التي نقلها مراسل “النهار” في باريس عشية استقبال ماكرون لبومبيو اليوم ‏فان الرئيس الفرنسي لا يزال يعول على تشكيل “حكومة مهمة كفوءة ومقبولة ” من جميع ‏الأطراف لتباشر مسار الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي. ولكن الانطباعات التي ‏خلفتها عودة دوريل من بيروت اوحت بان لقاءاته مع المسؤولين الرسميين والسياسين لم ‏تقدم إجابة حقيقية عن موعد الاستجابة لتشكيل الحكومة وان مفاوضات تأليفها لا تزال تدور ‏في حلقة مفرغة في ظل الشروط والشروط المضادة التي ترفع امام الرئيس المكلف سعد ‏الحريري. وتطرح تاليا في باريس مجموعة واسعة من التساؤلات حول جدية التزامات ‏الافرقاء وكيف يمكن الدفع في اتجاه تذليل العقبات امام تشكيل سريع للحكومة وماذا ‏يمكن للوزير بومبيو ان يطرح كمساهمة لبلاده معنية بدعم المبادرة الفرنسية في لبنان ‏علما ان محاذير عرقلة الحكومة تهدد مؤتمر الدعم الدولي للبنان المزمع عقده قريبا والذي ‏ربط انعقاده بتأليف الحكومة‎.‎

والواقع ان المشهد السياسي والحكومي الداخلي اتجه في اليومين الأخيرين الى مزيد من ‏الغموض والشكوك في امكان الخروج قريبا من دوامة التعقيد والعرقلة اذ لم تطرأ أي ‏عوامل من شأنها إعادة تسخين قنوات الاتصالات السياسية ولو انه من المتوقع ان يعقد ‏لقاء جديد في قصر بعبدا بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد ‏الحريري في الساعات المقبلة. وتتحدث مصادر مطلعة عن بدء اتخاذ ازمة التاليف بعدا ‏مقلقا للغاية اذا تمادت لمزيد من الوقت لان ثمة معطيات تكثر عن مخاوف من تطورات ‏إقليمية أيا تكن طبيعتها لن تبقي أي مكان لاهتمام دولي او خارجي بمد لبنان بالدعم وحينها ‏سيتعرض لبنان لعزلة بالغة الخطورة على واقعه المازوم. وأشارت هذه المصادر الى ما ‏تسرب عن أسباب انسداد المسار الحكومي يتخذ طابع التعطيل الحقيقي لان كل ما طرح ‏في مسار المشاورات قبل أسبوعين تبخر تماما وعادت العملية برمتها الى مربع البدايات ‏بما أدى الى شلل مسار التاليف‎.‎

اسقاط ووضع يد‎

غير ان ما استوقف المصادر بكثير من الجدية والقلق ان العهد يبدو كأنه يتجاهل تحذيرات ‏بالغة الخطورة برزت بتزامن لافت امس بين بكركي وقيادة حزب “القوات اللبنانية” حول ‏مشاريع هيمنة على لبنان تنطلق من تعطيل تأليف الحكومة الجديدة. وهو امر لا يمكن ‏العهد ان يبقى اقرب الى شاهد زور حياله فكيف حين يتهم بانه شريك فيه؟ وفي سياق ‏خطبة نارية جديدة سأل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي امس :” ‏هل هذا التمادي في تعطيل الحكومة والاستهتار بمصالح الشعب والوطن جزء من مشروع ‏اسقاط دولة لبنان الكبير لوضع اليد على مخلفاتها ؟”. واعلن “اننا لا نستطيع ان نرى هدفا ‏آخر لهذا التعطيل المتمادي المرفق باسقاط ممنهج للقدرة المالية والمصرفية”. واتهم ‏الراعي معطلي تشكيل الحكومة “باستباحة الدستور والميثاق وهوية لبنان ورسالته في ‏الأسرتين العربية والدولية‎”.‎

وليس بعيدا من هذا الموقف تحدث رئيس حزب “القوات”سمير جعجع عن “خطة جدية ‏لأصدقاء محور المقاومة ومن يسمون انفسهم بمحور المقاومة للسيطرة على لبنان ووضع ‏اليد عليه”. وأعطى أمثلة عدة على ذلك مدرجا من بينها “التعويض على النائب جبران ‏باسيل بسبب فرض العقوبات الأميركية عليه بإعطائه مكاسب في تشكيل الحكومة الامر ‏الذي أدى الى تعطيل تشكيلها”. وإذ شدد على الحاجة الماسة الى تشكيل الحكومة اعتبر ان ‏الرئيس سعد الحريري يحاول منفردا تحسين نوعيتها الا ان الافرقاء الاخرين همهم تكسير ‏رأس اميركا بغض النظر عما يعانيه المواطن ودعا الى مقاومة المخطط “لأننا في وضعية ‏مشابهة للعام 1975‏‎ “.‎

مؤشرات مشجعة ؟‎

في هذه الأجواء بدأ لبنان السبت تجربة الاقفال العام الثاني في مواجهته للانتشار الوبائي ‏لفيروس كورونا وسط مؤشرات مشجعة نسبيا برزت في اليومين الاولين من سريان قرار ‏التعبئة الذي يمتد حتى نهاية تشرين الثاني قبل اتخاذ القرار بتمديده او رفعه. وإذ صادف ‏بدء الاقفال في عطلة نهاية الأسبوع فان المحك للجدل لالتزام المواطنين التدابير ‏المفروضة وعدم مخالفتها سيتضح اكثر وتباعا بدءا من اليوم وطوال أيام الأسبوع الطالع ‏علما ان استنفارا حكوميا واسعا سيواكب الاقفال ويترجم باجتماعات ماراتونية في السرايا ‏الحكومية تركز على خطط تعزيز القدرات للمستشفيات الحكومية ورفع مستوى التنسيق ‏مع المستشفيات الخاصة وتوفير المساعدات المالية الصحية والطبية من البنك الدولي . ‏ولعل ما ميز تنفيذ قرار التعبئة الذي جاءت نسبته مشجعة في معظم المناطق الانتشار ‏الواسع هذه المرة لقوى الامن الداخلي والأجهزة الأمنية وتجريد حملة واسعة لمنع ‏المخالفات وضبطها بحزم ملحوظ من خلال حواجز انتشرت في الكثير من المناطق ودوريات ‏جابت الطرق والأحياء وفرضت التزام الإجراءات. وترجمت هذه الحملة بتنظيم ما يناهز ‏الستة الاف ضبط امس وحده للمخالفين‎.‎

Leave A Reply