لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى أنّ “الأمانة والحكمة فضيلتان أساسيتان أيضا في حياة كل مسؤول سياسي يتعاطى الشأن العام. فالأمانة هي الولاء للدولة وحماية الدستور والميثاق الوطني، والإلتزام بتأمين الخير العام، الذي منه خير كل مواطن وخير جميع المواطنين. والحكمة هي في المحافظة على الهدوء والإستقرار الداخلي في البلاد والنمو الإقتصادي بكل قطاعاته، والتنمية البشرية والإجتماعية، وإحياء أوسع شبكة تعاون مع الدول لخير البلاد، وتعزيز سيادة الدولة في الداخل وفرض احترامها وهيبتها، واحترام سيادة الدول الأخرى”.
وقال الراعي خلال عظة قداس الأحد: “في ضوء هاتين الفضيلتين، الأمانة والحكمة، لا يمكن القبول بممارسات عندنا تطيح بالمؤسسات الدستورية. فمن غير المقبول الإطاحة باستقلالية القضاء وهيبته وكرامته. فبعض القضاة يفقدون استقلاليتهم ويخضعون للسلطة السياسية وينفذون توجيهاتها من دون تقدير خطر هذه الممارسات على مصلحة لبنان العليا. فلا بد من رفع الصوت بوجْه السلطة السياسية لترفع يدها عن القضاء، وتحترم فصل السلطات، وبوجْه بعض القضاة الذين يسيئون إلى رسالة القضاء واستقلاليته بتلوينه السياسي والطائفي والمذهبي، وبجعله غب الطلب، ما يوقع القاضي في حالة الشبهة. إنا نهيب بالمرجعيات القضائية العليا بأن تخرج عن ترددها وتضع حدا للجزر القضائية داخل القضاء. نحن نطالب بمحاكمة جميع الفاسدين الذين بددوا المال العام وأوصلوا البلاد إلى الإنهيار السياسي والإقتصادي والمالي، لا أن تنتقي السلطة شخصا واحدا من كل الجمهورية وتلقي عليه تبعات كل الأزْمة اللبنانية وفشل السنوات الثلاثين الأخيرة. هذا أفضل أسلوب للتغطية على الفاسدين الحقيقيين وتهريبهم من وجه العدالة، وأقصر طريق لضرب ما بقي من النظام المصرفي اللبناني، وتعريض بعض المصارف للإفلاس، وضياع أموال المودعين. ينبغي التنبه إلى مخطط يستهدف استكمال الإنهيار””.
وشدّد الراعي على أنه “من غير المقبول التلاعب بالموعد المحدد لإجراء الإنتخابات النيابية في 15 أيار المقبل، وهي ضمانة للإنتخابات الرئاسية في تشرين الآتي. إننا نشجب كل محاولة لإرجاء الإنتخابات باختلاق أسباب غير دستورية أو سواها تولد عدم الثقة في نفوس اللبنانيين، ويتساءلون: “في انتخابات؟!”، فيما موعد إجرائها على مسافة شهرين. فليتذكر النواب أنهم موكلون من الشعب اللبناني الذي وكلهم فلا يحق لهم تجديد وكالتهم بمعزل عن الشعب (راجع الدستور: المقدمة، د؛ والمادة 27). فيا أيها المسؤولون السياسيون: أوقفوا اختلاق الأخبار والإشاعات والإساءات! البلاد بحاجة إلى هدوء واستقرار نفسي. أوْقفوا الانتقامات والأحقاد والكيدية! أوْقفوا ضرب مؤسسات معينة الواحدة تلو الأخرى في إطار مخطط انقلابي يستهدف أصلا إسقاط الدستور والميثاقية والأعراف في مؤسسات الدولة!”.
وأضاف “أوْقفوا الإضرار بسمعة لبنان والنقد اللبناني والمصرف المركزي والجيش والقضاء، وهي ثلاثية الاستقرار والأمن والعدالة! ليس كذلك يتم التفاوض مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة، وليس كذلك تعيدون أموال المودعين إلى أصحابها، وهي أصلا ديون على الدولة يتوجب عليها إيفاؤها، وهي أولوية الأولويات ولا حل من دون إيفائها. فإذا ضبطت الدولة مداخيل الجمارك في المطار والمرافئ والحدود، وإذا استثمرت ممتلكاتها، استطاعت إيفاء ما عليها من ديون، فتعود للمواطنين ودائعهم”.
وختم: “إذ نقر بأنه حق جوهري وديمقراطي أن تطالب الفئات النقابية والاجتماعية والمهنية بحقوقها وأموالها، وأن تحتج وتتظاهر وتتجمع، لكن لا يحق لأحد أن يقطع الطرق الرئيسية أمام المواطنين فيأخذهم رهينة؛ ويقطع بأرزاقهم، ويعطل الحياة العامة، ويمنع الطلاب من التوجه إلى المدارس، والموظفين إلى مؤسساتهم، والمرضى إلى المستشفيات، والمسافرين إلى المطار، ويشل الحركة التجارية والاقتصادية. ألا يكفي الناس تشردا وعذابا وشقاء وجوعا وفقرا وأمراضا وأوبئة وقلة موارد وشح محروقات؟ إلى العناية الإلهية نكل حالتنا وحالة وطننا، وكلنا رجاء بأن الله يريد أن نعيش في الطمأنينة والسلام”.