كتبت صحيفة النهار تقول: لم تقف معالم التخبّط الواسع داخل أجنحة السلطة المشلّعة سواء كانت رئاسية أو حكومية عند الاشتباك المتجدّد بين رئيسي الجمهورية و#الحكومة من جهة، والثنائي الشيعي من جهة مقابلة، على خلفية ما وُصِف بتهريب إقرار الموازنة وبضعة تعيينات عسكرية في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء. ذلك أنّه فيما تواصلت فصول السجالات التصاعدية أمس حول هذا الفصل المتجدّد من المعارك السلطوية، انزلق رئيس الجمهورية ميشال عون مرة أخرى في حديث صحافي إلى منزلقَين، أوّلهما أوحى من خلاله بإمكان إرجاء الانتخابات النيابية تحت وطأة أزمة تمويل العملية الانتخابية، وثانيهما من خلال تبديله جوهريّاً في منطلقات أساسية للمفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية محدّداً الخط 23 نقطة الحدود وليس الخط 29. وإذا كانت بعبدا سارعت إلى إصدار توضيح لتبديد الالتباس حول الموضوع الانتخابي، فإنّ أكثر ما أثار الاهتمام أنّ رئيس الوفد التقني العسكري المفاوض العميد الركن الطيار بسام ياسين أصدر في سابقة لافتة بياناً بالغ الأهمية في دلالاته كشف فيه الكثير واستغرب عدم إصدار أي نفي لما نقل عن الرئيس عون في شأن حيثيات التفاوض.
وقد أصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أوّلاً بياناً جاء فيه أنّه “منعاً لأي التباس، فإنّ رئيس الجمهورية ميشال عون متمسّك في إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد في 15 أيار المقبل. أمّا بالنسبة إلى تذليل الصعوبات المالية التي تواجه توفير الاعتمادات اللازمة لإجراء هذه الانتخابات، فإنّ مجلس الوزراء سوف يدرس طلب وزارة الداخلية في هذا الصدد لاتخاذ التدابير اللازمة والاعتمادات المطلوبة لذلك، في جلسته المقررة يوم الثلثاء المقبل في قصر بعبدا”.
ونفى وزير الداخلية بسام مولوي وجود أيّ ذريعة لإرجاء الانتخابات، مؤكداً أنّها حاصلة في موعدها وأنّ الوزارة أعدّت لائحة بحاجاتها المادية ستُعرَض على مجلس الوزراء الثلثاء المقبل وتجري اتصالات لتامين الكهرباء لمراكز الاقتراع والفرز بأقلّ كلفة. وأعلن مولوي أنّه سيُعقَد في وزارة الداخلية الثلثاء المقبل منتدى الانتخابات وسيتم اطلاع دول العالم والشعب اللبناني على سائر المراحل والإجراءات التي ستقوم بها الوزارة تباعاً وصولاً إلى يوم الانتخابات كما ستطلق حملة إعلامية للتحفيز على الترشح والاقتراع بالتنسيق مع جميع وسائل الاعلام.
أمّا في ملف التفاوض، فأصدر العميد الركن الطّيار بسام ياسين بياناً علّق فيه على قول عون في حديثه إلى جريدة “الاخبار” أنّ “البعض طرح الخط 29 من دون حجج برهنته”، وأنّ “خطنا النقطة 23، وهي حدودنا البحرية” و”حقنا الحقيقي والفعلي” وأنّ “تعديل المرسوم 6433 لم يعد وارداً في ضوء المعطيات الجديدة”.
وقال إنّ “رئيس الوفد العسكري التقني المفاوض العميد الركن الطّيار بسام ياسين يستغرب شديد الاستغراب ما نقل عن لسان فخامة الرئيس ويطلب من رئاسة الجمهورية توضيح مدی دقّة هذا الكلام خاصة وأنّه لم يصدر حتی الآن أي نفي في هذا الإطار”.
وذكّر بأنّ “رئيس الجمهورية كان قد كلّف الوفد وأعطى توجيهاته الأساسية لانطلاق عملية التفاوض بهدف ترسيم الحدود البحرية على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة برّاً والممتد بحراً تبعاً لتقنية خط الوسط دون احتساب أي تاثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة أي الخط 29، وقد دوّنت هذه التوجيهات في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بتاريخ 13/10/2020. وجاء هذا التكليف بناءً على قناعة تامة به وبعد شرح مفصّل لقانونية هذا الخط الذي يحفظ حقوق الشعب اللبناني، من خلال محاضرات وعروض علمية أجريت في القصر الجمهوري في النصف الأول من العام 2020. كما يفيد العميد ياسين أنه خلال كل الاجتماعات التي عقدها الوفد مع فخامة الرئيس خلال فترة المفاوضات التي بدأت بتاريخ 14/10/2020 وتوقفت بتاريخ 4/5/2021، كان فخامته يؤكد دائماً ضرورة التمسّك ببدء المفاوضات من الخط 29 وكان يرفض حصر التفاوض بين الخط 1 والخط 23 كما يطالب العدو الإسرائيلي، وأعلن ذلك بصراحة في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بتاريخ 4/5/2021 أوصی فيه بألّا تكون متابعة التفاوض مرتبطة بشروط مسبقة”.
أما بالنسبة إلى أنّه لا توجد حجج تبرهن صحّة الخط 29، يؤكد العميد ياسين أنه وبتاريخ 23/9/2021، سلّم عون تقريراً مفصّلاً تمّ إعداده بدقة وتوقيعه من قبل أعضاء الوفد المفاوض يتضمّن مراحل المفاوضات منذ انطلاقتها وحتى تاريخه، واستراتيجية متكاملة للمرحلة المقبلة، بما يضمن مصلحة لبنان العليا في المحافظة على حقوقه في ثرواته في المنطقة الاقتصادية الخالصة. وتمّ الإعلان من قبل رئاسة الجمهورية ببيان عن تسلّمه لهذا التقرير، كما تمّ تسليمه أيضاً تقريراً آخر يبيّن أحقية وقانونية الخط 29 علی ضوء صدور قرار محكمة العدل الدولية في شأن النزاع الحدودي البحري بين كينيا والصومال والذي بدوره يدعم ويؤكّد الحجج القانونية لتبني الخط 29″.
أمّا بالنسبة للخط 23، يهمّ رئيس الوفد التأكيد أنّ هذا الخط غير تقني وغير قانوني وتشوبه الكثير من العيوب حيث لا يمكن الدفاع عنه في المفاوضات، وأنه يوجد قرار من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل تؤكد هذه العيوب وتقترح استبداله بتعديل المرسوم 6433 في مجلس الوزراء”.
أمّا بالنسبة إلى الأزمة المتجدّدة داخل الحكومة، فأفادت معلومات أنّ رئيس الحكومة نجيب #ميقاتي الموجود في زيارة خاصة خارج البلاد يجري اتصالات لاحتواء الأجواء المتفجرة التي تعرض عبرها لهجمات وانتقادات حادة من وزراء ونواب ومسؤولين في “#حزب الله”، كما أنّ ميقاتي قد يزور بعد عودته من الخارج في الساعات المقبلة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليشرح له ما حصل في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء من منطلق نفيه “تهريب” الموازنة أو التعيينات. وتسابق هذه المساعي جلسة مجلس الوزراء المقبلة الثلثاء في قصر بعبدا تجنّباً لتفجير الخلاف على غاربه وانزلاق الحكومة نحو واقع تعطيلي جديد ولوان بعض المعلومات يتوقّع احتواء الاشتباك الأخير بحيث لا يعطّل الثنائي الحكومة من جديد أو يقاطعها، غير أنّ وزير المال يوسف خليل لن يوقّع مراسيم التعيينات إلى حين تعيين نائب رئيس جهاز أمن الدولة (منصب شيعي)، من ضمن اسماء يقترحها وزراء حزب الله وحركة امل.
وفي إطار استمرار السجالات حول هذا الاشتباك، أكّد نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أنّ “طريقة إقرار الموازنة في مجلس الوزراء حصلت بشكل مخالف للدستور لأن النقاش كان سطحياً والتعديلات لم تُعرض على الوزراء الذين لم يتلقوا الإجابات على بعض القضايا المطروحة”. ولفت قاسم إلى أنّ “الوزراء تفاجأوا أثناء النقاش بخروج رئيس الحكومة لإعلان إقرار الموازنة”، مشدداً على أنها لم تقر بشكلٍ قانوني، وداعياً “مجلس الوزراء إلى الإسراع في خطة التعافي المالي حتى تناقش مع الموازنة في مجلس النواب”.
كما أصدر وزير الثقافة محمد وسام المرتضى بياناً كرّر فيه أنّ جلسة الحكومة “جرى رفعها فجأة بعد طرح موضوع التعيينات من خارج جدول الاعمال، في وقت كان فيه مشروع الموازنة لا يزال قيد البحث، بل كانت بعض التعديلات المقترحة وبعض الأرقام ولوائح السلع المفترض إخراجها من دائرة الرسوم ونماذج المحاكاة المتعلقة بالدولار الجمركي، لم تسلم بعد إلى الوزراء رغم مطالبتنا بذلك مرارا وتكرارا، ورغم الوعود بتزويدنا بها في الجلسة المنصرمة، ما يعني قانونا” أن مجلس الوزراء لم يختم نقاشه في مشروع الموازنة، ولم يصوت عليه ولم يصدر أيَّ قرار بالموافقة أو الرفض، خلافاً لما جرى تظهيره أمام الإعلام”.
واستوقفت أوساط سياسية التهديدات الواضحة لوزراء الثنائي الشيعي بالإضافة إلى افرقاء اخرين مشاركين في الحكومة مثل “تكتل لبنان القوي” بالانقضاض على مشروع الموازنة في مجلس النواب والعمل على إدخال تعديلات جوهرية عليه بما يعني أنّ نسبة العجز فيها، ستعود إلى الارتفاع كما يمكن أن يؤثر ذلك بقوّة على مسألة التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وفي هذا الإطار، لفت عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” وعضو لجنة المال والموازنة النائب علي فياض إلى أنّ “لدينا ملاحظات عدّة على مشروع الموازنة لكن الملاحظة الأساسية التي تعبّر عن فحوى موقف كتلة الوفاء للمقاومة هي أننا لن نوافق على أي زيادة نراها مبالغاً فيها ولا تنسجم مع قدرة المواطن اللبناني على السداد”، مشدّداً على أنّ “الكتلة ستدافع عن المواطن اللبناني في ظروفه المعيشية”.