تتخوَّف الموظفة اللبنانية «غنى» من اليوم الذي ستجبر فيه المصارف المقترضين بالدولار على تسديد السندات بالعملة الأميركية، أو على سعر صرف يفوق راتبها الشهري الذي تتقاضاه بالعملة الوطنية. في عام 2018 «عندما كانت الليرة اللبنانية بخير» على حد وصف غنى، اقترضت مبلغ 24 ألف دولار لشراء سيارة جديدة، بدفعة شهرية قيمتها 324 دولاراً. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «مع الحديث عن توحيد سعر الصرف، دبَّ الرعب في قلبي؛ القرض سيكون كارثة وقعت على رأسي».
ورفض المصرف السماح لها بتسديد كامل المبلغ المتبقي من قرض سيارتها بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد) أو بموجب شيك مصرفي، واشترط السداد بالدولار النقدي حصراً.
ومع وصول سعر صرف الدولار إلى أعلى مستوياته (33 ألف ليرة لبنانية)، عرض شقيق غنى الذي يعمل في الخارج على أخته التفاوض مع المصرف لسداد القرض، والاستفادة من الهوة الكبيرة بين سعري الصرف الرسمي والسوق الموازية. وتقول: «600 دولار كانت كفيلة بتسديد المبلغ المتبقي؛ لكن البنك رفض الموضوع، واشترط دفع المبلغ المتبقي بالدولار النقدي، أو مواصلة دفع سند واحد شهرياً بالعملة الوطنية، على سعر صرف 1520 ليرة لبنانية».
في لبنان، تتعدد أسعار صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، فرغم أن سعر الصرف الرسمي ما زال عند حدود 1515 ليرة للدولار، يسجِّل سعر الصرف في السوق الموازية 21 ألف ليرة لبنانية حالياً، بعدما وصل الشهر الماضي إلى أعلى مستوياته مسجلاً 33 ألف ليرة للدولار الواحد. إضافة إلى السعرين المذكورين تسعِّر منصة «صيرفة» الدولار بـ20 ألفاً و600 ليرة، وفي المقابل يسمح تعميم مصرف لبنان رقم 151 للمودعين، بسحب أموالهم على سعر صرف 8 آلاف ليرة لبنانية للدولار.
وفي حال ارتفع سعر الصرف الرسمي، تؤكد غنى أنها لن تتمكن من الدفع، وتضيف: «ليأخذوا السيارة! أتحضر نفسياً لهكذا سيناريو».
ورغم أن توحيد سعر الصرف في لبنان ما زال غير محسوم ويلفه الغموض، ولا قرار نهائياً بشأنه حتى الساعة، يسارع بعض اللبنانيين الحاصلين على قروض بالدولار إلى تسديدها بأقل خسائر ممكنة، قبل أن يصبح توحيد سعر الصرف أمراً واقعاً، ويتم إجبارهم حينها على التسديد وفقاً للسعر الجديد.
وترفض المصارف السماح للمقترضين بالدولار بدفع كامل المبالغ المتبقية من قروضهم بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي، إلا أن بعضها يجيز الدفع بموجب شيك مصرفي أو تجميد مبلغ بالمقابل.
ويقول «جهاد» الذي يتوجب عليه قرض بـ5 آلاف دولار لأحد المصارف لـ«الشرق الأوسط»، إنه «تفاوض مع البنك، ووافق الأخير على التسديد بموجب شيك مصرفي، مع زيادة مبلغ إضافي بدل تأمينات وفوائد».
ويشرح أنه اشترى الشيك من مودع أمواله عالقة في المصارف، ودفع ما نسبته 24 في المائة من قيمة المبلغ الأصلي: «أي 1320 دولاراً مقابل شيك بـ5500 دولار». ويؤكد أن «هناك من يعمدون إلى هذا الحل؛ لأنه يخلصهم من عبء القروض بالعملة الصعبة؛ خصوصاً مع الاقتراب أكثر فأكثر إلى رفع سعر الصرف الرسمي».
وتنسحب حالة القلق من رفع سعر الصرف الرسمي على الحاصلين على قروض سكنية من مصرف الإسكان بالدولار. وحتى الآن، يسمح مصرف الإسكان للبنانيين المقيمين في لبنان بتسديد قروضهم كاملة بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي، في حين يفرض على اللبنانيين المغتربين الدفع بالدولار النقدي، حسبما يقول مصدر في مصرف الإسكان لـ«الشرق الأوسط».
ويقول «سمير»، المدين لأحد المصارف بمبلغ 70 ألف دولار متبقية من ثمن منزله، لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الآن لا شيء واضح. نحن لا نعلم أي رقم سيتم اعتماده كسعر صرف رسمي، ولا نعرف حتى متى يُتخذ القرار… المشهد ضبابي؛ لكنه مخيف».
ولكي لا يرزح تحت أعباء لن يستطيع تحملها، وقد تؤدي إلى خسارة منزله «نتيجة مفاجآت سعر صرف الدولار»، يبحث سمير عمن يستدين منه مبلغ 80 مليون ليرة لبنانية (حوالي 4 آلاف دولار) بعدما باع بعض مصوغات زوجته الذهبية بمبلغ 1200 دولار (حوالي 25 مليون ليرة لبنانية) لتسديد القرض كاملاً، خوفاً من أي ارتفاع في سعر الصرف الرسمي، ويؤكد: «أريد إنهاء الموضوع بأسرع وقت ممكن. لست قادراً على الدفع لاحقاً بالدولار».
ويوضح الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة لـ«الشرق الأوسط»، أن «المصارف ترفض رفضاً تاماً تسديد القروض بالدولار على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية، بهدف تقليل الخسائر. فالمصرف يعطي المواطنين القروض بالدولار من أموال المودعين التي يسددها لهم وفقاً للتعميم 151 على سعر 8 آلاف ليرة لبنانية، في حين يُحصِّل القروض من المواطنين على سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة».
ويتحدَّث عجاقة عن التداعيات السيئة لتوحيد سعر صرف الدولار، من دون أن يكون هناك أي برنامج مع البنك الدولي الذي يهدف إلى محاربة الفقر والمساعدة على الإنماء. ويشرح أنه «بحسب القانون لا يستطيع الفرد الحصول على قرض، في حال كانت نسبة دينه أكثر من 33 في المائة من راتبه، وبالتالي بمجرد توحيد سعر الصرف ستحصل عملية إفلاس جماعية، ما يعطي للمصارف الحق في وضع يدها على الضمانات؛ سواء كانت شقة أو سيارة أو ما إلى هنالك».
ويقول: «فعلياً، من يتقاضى راتب مليوني ليرة لبنانية، ولديه قرض بالدولار بدفعة شهرية قيمتها 300 دولار، يقوم بتسديدها اليوم على سعر الصرف الرسمي أي 450 ألف ليرة لبنانية، أما بعد توحيد سعر الصرف الذي قد يكون على سعر منصة (صيرفة) على سبيل المثال، فستصبح قيمة السند الواحد 6 ملايين ليرة، أي أكثر بثلاثة أضعاف من الراتب، وبالتالي سيصبح المواطن في حالة إفلاس».
ويسأل عجاقة: «هل يستطيع القطاع المصرفي أخذ كل ضماناته من المواطنين؟ هل سيضع يده على كل السيارات والشقق المرهونة له؟ هل سيبيعها كلها بالمزاد العلني لتحصيل أمواله؟ هناك تعقيدات كبيرة».
وإذ يرى أنه لا يمكن التنبؤ بسلوك السياسيين لمعرفة متى سيتم اعتماد سعر صرف موحد، يشدد على أن «هناك استحالة لتوحيد سعر الصرف من خارج إطار اتفاق مع صندوق النقد»، ويقول: «أغلب الظن سيكون السعر على منصة (صيرفة) أي 20 ألف ليرة لبنانية».
وعن حجم القروض بالدولار، يوضح عجاقة أن الأرقام تشير إلى أن هناك قروضاً بحوالي 30 مليار دولار للقطاع الخاص، مفترضاً أن حوالي نصف هذا الرقم هو قروض للأفراد والنصف الثاني قروض للشركات.
الشرق الأوسط