الدكتور مازن ع. خطاب – اللواء
تتصاعد ردود الفعل الغاضبة بعد إقرار مشروع قانون موازنة العام ٢٠٢٢ في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة وارساله الى مجلس النوّاب للتدارس والمناقشة، وهي موازنة أعدّت على عجل وتتضمّن نسخ أبواب بأكملها من الموازنات السابقة. وقد عكس مشروع الموازنة عجز الطبقة السياسيّة عن إيجاد سياسة اقتصادية منتجة وخطّة ماليّة سليمة، وبالتالي لجأت الحكومة الى إضافة ضرائب ورسوم جديدة على كاهل المواطن، مموّهة وتحت مسمّياتٍ مختلفة، بعد أن عجزت عن الحصول على تمويلٍ من الخارج في ظلّ الفساد والهدر المستشريان.
مشروع قانون الموازنة الذي يشكّل عجزه نحو ١٨ في المئة من دون احتساب العجز الذي تتسبب به الكهرباء، وقيمة الواردات فيه حوالي ٣٩ ألف مليار ليرة والنفقات فيه ٤٧ ألف مليار ليرة، لا يمكن وصف موازنته بالتقشفيّة، ولا يمكن أن يقبل صندوق النقد الدولي هكذا موازنة لأن نسبة العجز فيها سيتحوّل تلقائياً الى ديْنٍ إضافي. كما أنّ الأرقام تبدو صوَريّة وهدفها الاقتراب من الأرقام التي يطلبها صندوق النقد الدولي ليس الّا.
وقد أقرّت الحكومة رزمة من الضرائب والرسوم غير المباشرة والشموليّة والتراكميّة، من دون أن تطرح أية توجهات إصلاحية بما يخص النظام الضرائبي، وتم الاكتفاء برفع الإيرادات على بعض الأبواب التقليدية في الموازنة. وأبرز ما تقرر هو رفع سعر الدولار الجمركي على المواد والبضائع المستوردة، بحسب سعر صرف دولار منصّة «صيرفة»، عند اقرار الموازنة واصدارها في مجلس النواب، الأمر الذي سيدفع باتجاه زيادة جنونيّة للأسعار وسينعكس في النهاية مزيداً من انخفاض قدرات المواطنين الشرائية بسبب هذه الضرائب والرسوم، اضافةً الى رفع أسعار الاتصالات والكهرباء والماء، الأمر الذي لا يتحمله المواطن وضد مصلحة الطبقة الفقيرة التي تشكّل الشريحة الأكبر في لبنان. كما سيؤدي ذلك الى تزايد التهرّب الضريبي والجمركي وتقاعس المواطنين بتسديد فواتيرهم.
في المقابل يسجّل مشروع الموازنة تراجعاً ملحوظاً في الانفاق الاجتماعي والصحّي، لا سيّما أنّ الموازنة رصدت مساعدات اجتماعية بقيمة ٤٠٠ مليار ليرة، أي ما يعادل ١٧،٥ مليون دولار بحسب سعر صرف منصّة «صيرفة»، في حين تحدّثت الوعود السابقة عن مبلغ ٥٥٩ مليون دولار سيتم رصده للبطاقة التمويليّة. وعلى خط موازٍ نصّ مشروع الموازنة على تقسيط الديون والفوائد المتوجبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على الدولة خلال ١٠ سنوات، أي ما يقارب ٥٠٠ مليار ليرة سنوياً. هذا التقلّص الملحوظ في الانفاق الاجتماعي في ظلّ غياب السياسات الاجتماعية، وفي مقابل فرض المزيد من الضرائب سيضع اللبنانيّين تحت وطأة المزيد من الأعباء المعيشية.
في الخلاصة، يحمل مشروع الموازنة غير الموزونة أو المتوازنة مجموعةً من الضرائب والرسوم التي ستصيب الاقتصاد المتداعِ اساساً بالمزيد من الانكماش، في مقابل المزيد من الإعفاءات لصالح الشركات والمؤسسات والمصارف، واحجام الدّولة عن المساعدات الاجتماعية. ويبدو جلياً أن الطبقة السياسيّة استساغت واستسهلت أن تحمّل اللبنانيّين ثمن اخفاقاتها في إدارة مؤسسات الدّولة ونهب المال العام، في وطن فيه المواطن الحلقة الأضعف.
كان حرياً بالحكومة أن تسعى جديّاً لإقرار رؤية ماليّة واقتصادية واضحة وأن تسارع الى تجفيف مواقع الهدر والفساد التي تستنزف المالية العامة، والتي تبدأ بالتهرّب الضريبي والجمركي وتمرّ عبر الاستيلاء على الاملاك العامة البحرية والنهريّة، وصولاً الى العجز المستشري في قطاع الكهرباء، والنفقات غير الضروريّة، والإدارات والمؤسسات غير الفاعلة. وكان عليها أن تتخذ قرارات جريئة حيال التوظيفات والمحميات والامتيازات السياسيّة التي كان لها دور وازن في إيصال الوضع إلى ما هو عليه من تدهور.
والأنكى من ذلك ما صرّح به رئيس الحكومة بعد جلسة مجلس الوزراء عندما بشّر اللبنانيّين أنّه «ما بقا نقدر نعطي كهربا ببلاش واتصالات ببلاش لإن ما بقا في مصاري» وأردف انّه إذا قال المواطن أنّ أمواله محتجزة في المصارف فسيقول له «معك حق بس بدنا نتحمل بعضنا»، وكأن المطلوب من المواطن أن يتحمّل مسؤولية الأزمة الاقتصادية الخانقة التي سبّبها السياسيون الفاسدون الذين نهبوا البلاد حتى خرابها الأخير. فبئس حكومة فقدت حيائها، وبئس موازنة حيكت لإفقار الناس.
هذه الطبقة السياسيّة لم تستحِ فقبّحت في فعلها ولم تستتر.