السبت, نوفمبر 23
Banner

بري: فلسطين مقياس العروبة.. والطائف ناظم العلاقات اللبنانية!

كتب حسن الدر ـ

التقط رئيس مجلس النواب نبيه برّي اللّحظة المصيريّة الّتي تمرّ بها المنطقة، وغرّد خارج سرب التّشرذم العربيّ، والانقسام اللّبنانيّ العموديّ، فكانت كلمته في المؤتمر الثّاني والثّلاثين لاتّحاد البرلمانات العربيّة خارطة طريق للمّ الشّمل وتوحيد الجهود وتوجيه البوصلة نحو المصلحة المشتركة للأمّة المتناحرة على فتات المصالح الكبرى الّتي تتقاسمها القوى العالميّة والإقليميّة الفاعلة.

ففي ظلّ غياب مشروع موحّد يواجه به العرب مصيرهم ومصير أوطانهم في هذه اللّحظة الإقليميّة والدّوليّة الحرجة، الّتي يعاد بها رسم حدود النّفوذ والسّيطرة على أراضيهم وخيرات شعوبهم، برزت كلمة الرّئيس برّي ليشكلّ، كعادته، ومن موقعه الدّستوريّ والسّياسيّ، جسرًا للتّواصل والحوار والتّفاهم على القضايا المصيريّة والاستراتيجيّة المشتركة.

وبنبرة دافئة صهرتها سنين العمر الحافلة بالتّجارب القاسية، وبمنطق الثّمانينيّ الحكيم وقف الرّئيس برّي في المنتصف، متعاليًا فوق الحسابات الدّاخليّة والحساسيّات الطّائفيّة، فكان منصفًا تّجاه العرب الّذين «بادلوا لبنان الوفاء وبادلهم الوفاء»، وعادلاً في المطالبة بعلاقات لبنانيّة عربيّة على أساس الاحترام المتبادل، فلا كينونة للبنان من دون الحرّيّة، ولا مكان له خارج محيطه العربيّ.

يأتي هذا الموقف العلنيّ بعد الورقة العربيّة الّتي قدّمها وزير الخارجيّة الكويتيّ خلال زيارته بيروت في 22 كانون الثّاني الماضي، وهو موقف سياديّ لاقى به الأخوة العرب في منتصف الطّريق، مع الاحتفاظ للبنان بحرّيّة قراره وسيادته الّتي لا تناقض حرّيّة وسيادة الدّول العربيّة الشّقيقة.

وفي الوقت الّذي يبحث فيه اللّبنانيّون عن مصيرهم، في ذروة الانقسام العموديّ الّذي يعيشونه حول الخيارات الكبرى، وفي الوقت الّذي يخوّنون به بعضهم بعضًا، ويزايد بعضهم على بعض في الانتماء والهويّة، حدّد برّي مفهومه للعروبة الّتي أساسها فلسطين، ومقياسها قضيّة الشّعب الفلسطينيّ وحقّه في العودة إلى دولته وعاصمتها القدس الشّريف.

ردّ برّي، بشكل غير مباشر، على أدعياء العروبة الجدد في لبنان، الّذين استفاقوا عليها بعد بروز موجة التّطبيع الّتي سارت بها بعض الدّول العربيّة، فقطع الطّريق على كلّ المزايدين باسم الهويّة العربيّة الّتي نادى بها الإمام موسى الصّدر قبل وأثناء استعار الحرب الأهليّة، يوم كانوا يأنفون منها، ويعتبرون لبنان «ذو وجه عربيّ».

وباسم لبنان واللّبنانيين شكر الرّئيس برّي العرب كلّ العرب، من المحيط إلى الخليج، ودعا إلى التقاط فرصة الإستثمار على الوحدة، وعلى صياغة عقد جديد من التّضامن والتّعاون العربيّ المشترك في مختلف المجالات في الوقت الّذي يغيب شيء محوري وأساسي في صيرورة وجودنا وتألقنا واستقرارنا ومنعتنا في هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم، يغيب أو يغيّب التضامن العربي، تغيب أو تغيّب الوحدة في الموقف والرؤى والرؤية حيال قضايانا المصيرية ومصالحنا المشتركة ومصيرنا الواحد.

وذكّر بالهدف الإستراتيجي الأسمى والّذي يجب أن يتقدّم على كلّ الأولويّات، وهو القضيّة الفلسطينيّة، قضيّة العرب الأولى، الّتي تمثّل مقياس «انتمائنا للعروبة وللإسلام وللمسيحية وللإنسانية، معتبرًا أنّ «الإتحاد مدعوّ إلى عدم التّلكؤ في صياغة مشروع حقيقيّ لبناء صيغة تحقّق التّضامن العربيّ فعلاً لا قولاً، ممارسة لا شعارًا، من خلال تفعيل الدّبلوماسيّة البرلمانيّة بكلّ أشكالها على مختلف المستويات واللّجان.

ومن منبر البرلمانيين العرب، وعلى مسمع العالم، وباسم الخطّ المقاوم الّذي يمثّله، وباسم لبنان واللّبنانيين أكّد الرّئيس نبيه برّي خمس ثوابت للمرحلة القادمة:

التّمسّك بإجراء الإنتخابات النّيابيّة بكل شفافية، والرّفض المطلق لأيّ محاولة لتأجيلها.

التّأكيد، من الموقع البرلمانيّ والسّياسيّ، على حرص لبنان على بناء أفضل العلاقات مع أشقائه العرب، كلّ العرب، على قواعد الإحترام المتبادل لإستقلال وسيادة الدّول وأمنها واستقرارها واستقلالها وحرّيّتها المقدّسة.

التّأكيد على تمسّك لبنان والتزامه بتطبيق واحد من منجزات التّضامن العربيّ وهو اتّفاق الطّائف كإطار ناظم للعلاقات بين اللّبنانيين.

دعم وتأييد كافة مساعي الحوار القائم بين المملكة العربيّة السّعوديّة والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.

الدّعم المطلق لوجوب عودة سوريا الى موقعها ودورها في النّظام الرّسميّ العربيّ.

فالتّأكيد على اجراء الانتخابات في موعدها يمثّل التزامًا بدستور الطّائف، الّذي اعتبره منجزًا عربيًّا، وطمأنة للشّعب اللّبنانيّ الّذي يرغب بتجديد الحياة السّياسيّة من بوّابة الانتخابات النّيابيّة.

أمّا الحرص على أفضل العلاقات اللّبنانيّة العربيّة، القائمة على الاحترام المتبادل، فهي من صلب اهتمامات وثوابت الرّئيس برّي ومن يمثّل، ولا شكّ بأنّ نجاح الحوار السّعوديّ الإيرانيّ سيشكّل مظلّة استقرار وأمان عربيّة وإسلاميّة، وسيخفّف من الاحتقان الطّائفيّ في كثير من السّاحات المتوتّرة.

وتبقى سوريا «من حيث الموقع والدّور والإستراتيجيا، ممرًّا إلزاميًّا لتحقيق التّضامن العربيّ وعنصرًا إيجابيًّا فيه»، ورئة الأمن والاقتصاد والاستقرار اللّبنانيّ.

قال «برّي» كلمته ولم يمشِ، فقد لاقتً ترحيبًا كبيرًا لدى الوفود العربيّة المشاركة، ووصلت الرّسائل الّتي حملها رئيس مجلس النّوّاب اللّبنانيّ، ورئيس حركة «أمل» إلى من يعنيهم الأمر، وعلى قاعدة: «اللّهمّ إنّي بلّغت، اللّهمّ فاشهد» صدح آخر الحكماء في برّيّة الضّمائر النّائمة، علّها تصحو من سباتها العقيم!

Leave A Reply