جويل الفغالي – نداء الوطن
في مطلع سنة 2020 تهافت المودعون على شراء العقارات بعدما حجزت المصارف أموالهم، ظناً منهم أنها ستكون الملاذ الآمن للحفاظ على قيمة ودائعهم. ولكن اليوم، ومع تفاقم الازمة، تراجعت الحركة في السوق العقاري، إذ إن معظم الشعب اللبناني لا يملك “الفريش دولار” لشراء عقار رغم تراجع أسعاره. فالمواطنون يحتفظون بدولاراتهم تحسباً لأي مكروه يمكن أن يحصل في المستقبل. فما هي حال القطاع اليوم؟ ولماذا يشهد ركوداً بعد الفورة؟
يشهد القطاع العقاري في لبنان حالة من الركود. إذ تراجعت حركة بيع العقارات نتيجة تراجع تداول الشيكات كوسيلة للدفع، وبعدما بدأ معظم البائعين يطالبون بالدفع إما بالدولار الفريش أو عن طريق حسابات خارج لبنان. “هذا ولم يغيّر واقع السوق العقاري المأزوم انخفاض سعر صرف الدولار في الأسابيع القليلة المنصرمة، بعد المستويات القياسية التي وصل إليها”، يقول أستاذ استراتيجيات الاستثمار في الأسواق العقارية في الجامعة اللبنانية الأميركية جهاد الحكيّم، وهو أول من توقع تاريخ وحجم هذا الانهيار ونصح المواطنين بتنويع محفظتهم المالية للتحوّط من الانهيار المصرفي والمالي، ويشير الحكيّم الى أن “الأزمة الاقتصادية والمالية وما رافقها من تبخّر للودائع والمدخرات وانهيار للقطاع المصرفي، وتوقف القروض السكنية، وتدهور سعر صرف الليرة والقدرة الشرائية للمواطنين في لبنان كما في الاغتراب، كونهم خسروا القدرة التفاوضية للحصول على مرتبات تليق بمهاراتهم، كل هذا ساهم في تسريع عملية انهيار القطاع العقاري”.
الأزمة كانت موجودة
قبل الإنهيار المالي والمصرفي، ساهمت الفقاعة العقارية بارتفاع الأسعار بشكل جنوني، يقول الحكيّم، “فسياسات الدعم بمليارات الدولارات التي كانت تذهب للمطورين وأصحاب النفوذ، وخاصة لمن لا يستحق هذا الدعم، ساهمت بتغذية هذه الفقاعة وأحدثت خللاً بالتركيبة الاجتماعية، إلى أن نضبت مصادر التمويل جراء انهيار أسعار النفط وانخفاض التدفقات المالية إلى لبنان وتوقف الإسكان والقروض العقارية… وصولاً إلى الانهيار المالي الكبير وتبخر الودائع والقدرة الشرائية للبنانيين. وتجدر الإشارة الى أن الانهيار الحاصل، والمتوقع أن يتفاقم، سيعيد الأسعار إلى مستواها الطبيعي”.
تراجع الأسعار
تراجعت أسعار العقارات بالدولار النقدي بشكل لافت حيث “انخفضت أسعار الشقق بمعدل 70 إلى 85 بالمئة بالنسبة للدولار الحقيقي ( نقداً أو ما يسمى بالـ fresh Dollars)، مقارنة بما كانت عليها قبل الأزمة”، حسب الحكيّم، “وأصبحت اليوم معظم عقود البيع تدفع بالدولار الحقيقي. مع العلم أنه يمكن الدفع عن طريق الشيك المصرفي، لكنه أصبح يساوي تقريباً ما بين 20 و22 بالمئة من قيمته في حال تسييل الشيك. وبالتالي لا يهم كثيراً ما هي وسيلة الدفع المعتمدة كون الشيكات المصرفية تحسم على الفور للحصول على المبلغ المتفق عليه”. ولكن رغم انخفاض الأسعار، ما زالت الحركة في السوق العقاري خفيفة جداً. فأولوية اللبنانيين اليوم تقتصر على كيفية تأمين حاجاتهم اليومية والأساسية، فهم يعيشون كل يوم بيومه ولا يبالون بالإستثمار في هذا القطاع كونهم لا يدرون ما سيحمله المستقبل. ويشير الحكيّم الى أن “العرض في السوق العقاري كبير جداً، والعديد من الناس تبيع عقاراتها من أجل دفع تكاليف الاستشفاء والدواء، بعد غياب أي تغطية صحية، ولتسديد أقساط ومصاريف أولادها المعيشية في لبنان وفي الخارج. كما أن هناك قسماً من المواطنين يلجأ لبيع العقار من أجل الطعام. في المقابل لا يوجد إقبال على شراء عقارات وشقق من قبل المغتربين لأن أسعارها متدنية جداً وتباع بأقل من الكلفة (Replacement cost)”.
“وهم” تهريب الأموال من المصارف والاستثمار بالعقار
ويبقى العقار بنظر المواطن اللبناني الملاذ الآمن له ولعائلته، والضمانة الوحيدة لمستقبلهم. ولكن بعد الانهيار الحاصل وتهافت المودعين في سنة 2020 على تهريب اموالهم من المصارف وشراء عقار، فهل ما زال اليوم الملاذ الآمن؟
يشير الحكيّم إلى أن “المودعين الذين اشتروا عقاراً بأموال مجمّدة في المصارف، خسروا أموالهم اليوم مع استمرار تفاقم الأزمة في لبنان. ومثال على ذلك يوضح حجم الخسارة: نحن امام ثلاثة مودعين يملك كل واحد منهم 300 ألف دولار في شهر شباط 2019 في مصارف لبنانية.
• المودع الأول: أخذ بنصيحة مستشار موثوق، وقام بتحويل أمواله إلى الخارج في شباط 2019 وعمل على تنويع محفظته المالية، واصبح اليوم لديه أكثر من 300 ألف دولار نقداً جراء زيادة قيمة استثماراته، أي ما يعادل أكثر من مليون ونصف دولار على أساس شيك مصرفي.
• المودع الثاني: اختار الحد من خسارة امواله وحصل على 75% من المبلغ جراء بيع شيك مصرفي (أي 225 ألف دولار نقداً)، ما يعادل اليوم مليوناً ومئة وثلاثين ألف دولار أميركي على أساس شيك مصرفي.
• المودع الثالث: اشترى شقة مقابل شيك مصرفي بقيمة 300 ألف دولار بعد تشرين الاول 2019، والتي لا يمكن أن يبيعها الان بأكثر من 800 ألف دولار كحد أقصى بواسطة (شيك مصرفي) أو بسعر 160 ألف دولار نقداً.
أمام هذا الواقع يتضح أن من نوّع محفظته المالية قبل تفاقم الأزمة استطاع أن يحافظ على رصيده، وأصبح الجزء الأكبر من مدخراته واستثماراته في الخارج. ومن استثمر في العقار خسر ما يقارب نصف وديعته، وهو معرض لخسائر أكبر في القادم من الأيام مع انهيار العملة الوطنية وإمكانية خسارة الشيكات المصرفية نسباً أكبر من قيمتها الحقيقية.