حالة من «الهستيريا» تطغى على الأجواء داخل السوبرماركت وعلى محطات المحروقات، رغم التطمينات الوزارية وجولات الرقابة التي تقودها وزارة الاقتصاد، بما يظهر انّ اللبناني فقد الثقة بالدولة، كونه لم ينس بعد طعم الإذلال على محطات المحروقات وصور التعارُّك داخل السوبرماركات على غالون الزيت أو كيس الحليب المدعوم.
تعجّ السوبرماركات بالمستهلكين للتبضّع والتخزين مجدّداً، خوفاً من ارتفاع مرتقب في الاسعار نتيجة ارتفاع اسعار المحروقات الذي يرفع معه اسعار السلع، والخوف من انقطاعه لأنّ الدولة لم تتحوط لشيء ولا مخزون استراتيجياً لديها لا من القمح ولا من الزيت ولا من الحبوب ولا من المحروقات.
أمام في المحطات فمشاهد الطوابير تتكرّر، لأنّ البعض منها رفع خراطيمه معلناً انتهاء المخزون لديه، اما تلك التي لديها مخزون، فأرتال من السيارات أمامها، مؤكّدة العمل الى حين انتهاء المخزون وتجنّباً لأي جولة مراقبين غير محسوبة النتائج.
في السوبرماركات، تهافت على التخزين، لا سيما الزيت والطحين والسكر، حيث يؤكّد العاملون فيها، انّ ما ان تُملأ الرفوف حتى تُفرغ بدقائق، وكل متسوق يشتري أقله غالونين زيت و10 كلغ طحين، حتى انّ بعض السوبرماركات باتت بعض رفوفها شبه خالية.
في هذه الأثناء، تسعى الحكومة لاتخاذ اجراءات وقائية. وقد تردّد امس عن قرار مرتقب يتضمّن منع التصدير الى الخارج. ويشمل القرار بعض المنتجات التي تشكّل صلب الأمن الغذائي وتُستخدم في الصناعات الغذائيّة مثل الحبوب كالفاصولياء والفول والعدس والحمّص، بالإضافة الى الزيت والأعلاف. كما يُتوقّع صدور قرار بمنع تصدير القمح، حتى إشعارٍ آخر.
وفي السياق، أكّد وزير الصناعة جورج بوشكيان، انّ «الحكومة بدأت باتخاذ الإجراءات الوقائية في خلية العمل منذ 10 أيام على الأقل»، لافتاً الى انّ «المصرف المركزي فتح اعتمادات لاستيراد القمح، الّا انّ المخزون الموجود يكفي لشهر ونصف الشهر، وهناك 4 بواخر ستصل تباعاً، لكن العمل جارٍ لوضع خطة استراتيجية للدخول في فترة تقنين، وأولوية توزيع القمح لإنتاج الخبز».
وأشار إلى أنّ «التواصل قائم مع اوستراليا وأميركا وكندا التي ستورد باخرة قمح إلى لبنان»، واعلن انّ «الحكومة بصدد منع تصدير المواد التي تُستخدم في صناعات الزيت النباتي كلياً، فيما العمل جارٍ لتأمين مخزون من الحبوب التي يُعاد تصنيعها في لبنان لتصديره، وهو يكفي ثلاثة أشهر الى الأمام».
من جهته، أعلن وكيل المطاحن في الجنوب علي رمال في تصريح، انّ المطاحن أوقفت (أمس) تسليم افران المناقيش ومخابز المرقوق والباتيسيري كمياتها المقننة اصلاً من الطحين، والتي أقفل البعض منها (أمس) ابوابه والقسم الأكبر سيقفل خلال 48 ساعة.
وأوضح أنّ «التسليم اقتصر فقط على أفران الخبز العربي بموجب بونات صادرة من وزارة الاقتصاد، وهذا الأمر خلق بلبلة وهلعاً وإرباكاً في السوق الجنوبي، وخصوصاً انّ آلاف العائلات تعتاش من هذا القطاع الحيوي، وقد أصبحوا اليوم مهدّدين في لقمة عيشهم».
وناشد وزير الإقتصاد «إيجاد آلية معينة ليستفيد هذا القطاع، ولو كان عبر تخفيف حصص افران الخبز الكبيرة، وإيجاد حل عادل ما بين القطاعين الخبز والمناقيش، مع علمنا بصعوبة الوضع وقلة كميات القمح المتوفرة، وعدم وضعنا كموزعين لمادة الطحين في مواجهة الناس والأفران، والتي قد تؤدي الى ما لا تحمد عقباه».
واردات القمح
من جهة أخرى، كشف الأمين لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح عن دراسة أعدّها اتحاد المصارف العربية تفيد بأنّ الدول العربية تعتمد بشكل كبير على واردات القمح من روسيا واوكرانيا، حيث أنّ الدول العربية قد استوردت نحو 13,165 ألف طن من القمح من روسيا (بتكلفة 2,847 مليون دولار) ونحو 7,598 ألف طن من أوكرانيا (بتكلفة 1,527 مليون دولار) عام 2020. وقد شكّلت واردات القمح الروسي الى الدول العربية نسبة 35.3% من مجمل صادرات روسيا من القمح، في حين شكّلت واردات القمح الاوكراني الى الدول العربية نسبة 42.1% من مجمل صادرات أوكرانيا من القمح. وعليه، فقد بلغت مجمل واردات القمح الى الدول العربية نحو 20,763 ألف طن عام 2020، مثلت نحو 10.8% من مجمل صادرات القمح العالمية، ما يدل إلى الاعتماد الكبير للدول العربية على هذه السلعة من جهة، وأهمية السوق العربية بالنسبة للقمح من جهة أخرى».
وتابع: «انّ الدول العربية قد استوردت نحو 130 ألف طن من الذرة من روسيا (بتكلفة نحو 24 مليون دولار) ونحو 5,740 آلاف طن من أوكرانيا (بتكلفة 991 مليون دولار) عام 2020. وقد شكّلت واردات الذرة الروسية الى الدول العربية نسبة 5.7% من مجمل صادرات روسيا من الذرة، في حين شكّلت واردات الذرة الاوكرانية الى الدول العربية نسبة 20.5% من مجمل صادرات أوكرانيا من الذرة. وعليه، فقد بلغت مجمل واردات الذرة الى الدول العربية نحو 5,870 ألف طن عام 2020، مثلت نحو 19.4% من مجمل صادرات الذرة العالمية، ما يدل أيضاً الى الاعتماد الكبير للدول العربية على هذه السلعة من جهة، واهمية السوق العربية بالنسبة للذرة من جهة أخرى».
ورأى فتوح انّ «هذه الأزمة تظهر حاجة الدول العربية الى السعي الى تعزيز الامن الغذائي ذاتياً، عبر الاستثمار في مشاريع زراعية عربية مشتركة، وذلك في ظل وجود فوائض مالية ضخمة وأراض شاسعة قابلة للزراعة على امتداد الوطن العربي».