السبت, نوفمبر 23
Banner

“المركزي” يربط الليرة ويضع البنوك في “الصناديق” قبل الاقتراع النيابي

خالد أبو شقرا – نداء الوطن

إنتقل مصرف لبنان من تحت “دلفة” تثبيت سعر الصرف على 1507.5 ليرات لكل دولار، إلى تحت “مزراب” التثبيت على 20 ألفاً. في الحالتين “يُبلل” المركزي بغطاء من الطبقة السياسية المودعين، ومن خلفهم الاقتصاد، بنزيف ما تبقى من الدولار. فـ”على حجة ري وردة” الحفاظ على السلمين الاجتماعي والاقتصادي، “تشرب عليقة” السلطة لتستمرّ كالشوكة في خاصرة الوطن والمواطن.

الدفاع عن خيار تثبيت سعر الصرف أمام شراهة الدولة على الإنفاق، واستمرار الفساد والسرقة في مختلف مرافقها، دفع الحاكم، بكل طيبة خاطر، إلى الاستعارة من بونزي هرمه الاحتيالي Ponzi scheme. فخسر نحو 3 ملايين مودع أكثر من 100 مليار دولار. وعلى الرغم من فظاعة “الجريمة” التي ما زالت دماؤها ساخنة على الأرض، انتقل المركزي للتضحية بما تبقّى من دولارات في سبيل تقطيع الانتخابات بسلاسة للتجديد للطبقة الحاكمة نفسها.

المركزي يحمّل المصارف كرة اللهب

يشتكي أحد المصرفيين من أن “البنوك لا يمكنها استخدام تريليونات الليرات العالقة في حساباتها في مصرف لبنان، وهي تضطر عوضاً من ذلك إلى تأمين دولارات جديدة بتكلفة مضاعفة، ثم استخدامها لتجديد احتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية “غير المحدودة” التي يهدرها بدوره للدفاع عن تثبيت سعر الصرف الجديد البالغ 20 ألفاً”. فبناء على إجراءات “المركزي” الجديدة بإمكان المصارف شراء ما شاءت من الليرات عبر منصة صيرفة بالدولارات التي بحوزتها. وفي هذه الحالة تستطيع تسديد حقوق مودعيها وتأمين 100 في المئة من الليرات نقداً، وليس 60 في المئة كما تفعل حالياً بحجة أن مصرف لبنان يضع سقوفاً منخفضة لسحب الليرات منه. شدّ الحبال هذا بين المصارف و”المركزي” الذي يدفع ثمنه المودع، هو “نتيجة السياسة الجديدة التي يتبعها مصرف لبنان للجم سعر الصرف، وامتصاص النقدي بالليرة من السوق”، برأي رئيس مجلس إدارة FFA Private Bank جان رياشي، “وإن كان لا بد برأي “المركزي” من فلش مبالغ نقدية بالليرة في السوق تلبية لسياسات الحكومة (زيادة الرواتب وبدل النقل والمساعدات الاجتماعية)، فيجب أن يكونوا مُباعين مقابل الدولار على سعر منصة صيرفة من أجل أن يضمن “المركزي” تأمين الدولار للاستمرار بسياسته حسب التعميم 161″.

المشكلة تكمن في “التسويق لهذه السياسة، أكثر من نتائجها بحد ذاتها، ولو أني شخصياً ضدها”، يقول رياشي. فـ”المركزي يضع البنوك في مواجهة عملائها، ويحملها مسؤولية تأمين الدولار وبيعه على صيرفة لشراء الليرات متجاهلاً عدم امتلاك البنوك النقد الصعب”. والأجدى كان برأي رياشي “تحمّل المركزي صراحة مسؤولية سياسته الترقيعية المرحلية، التي تقوم على “تنشيف” الليرة وتقليص الطلب على الاستهلاك، وبالتالي تراجع الطلب على الدولار للاستيراد وكبح جماح سعر الصرف قسراً. وعليه الاعتراف بأن هذه هي السياسة النقدية الجديدة، وليس تصوير الإجراءات على أنها طبيعية، لأنها مؤذية”.

التخلي عن المصارف

صحت المصارف بعد عامين ونصف العام على الأزمة، لتجد نفسها وحيدة “تقبّع شوكها بيديها”. فوصمة العار التي تلحقها بكل من يضع يده بيدها دفعت السياسيين قبل الانتخابات إلى التخلي عنها، وحاكم مصرف لبنان الذي لطالما كان الحامي لها أصبح همّه نفسه. وإن كان اتهامها بإشكالية تأمين الليرات يحمل نوعاً من الظلم بحقها، فهي تتحمل مسؤولية مجابهتها وتصديها لكل الحلول المنطقية منذ عامين ونصف العام”، بحسب رياشي، و”ما الوضع الذي وصلت إليه اليوم إلا النتيجة الطبيعية لبناء آمالها على حماية السياسيين ومصرف لبنان لها وبذل المستحيل لمنع سقوطها. فأتت النتيجة أنها تُركت وحيدة، تُصوّر على أنها الجهة الشريرة الوحيدة المسؤولة عن خراب البلد”.

الإصلاح ثم الإصلاح

على الرغم من التناقض الواضح في تطبيق الإجراءات ما زالت السلطة النقدية مستمرة بسياسة تثبيت سعر الصرف. ما يعني بحسب الخبير الاقتصادي جان طويلة أن “العجز في الخزينة والموازنة العامة، الممول من طباعة النقود ما زال مستمراً. ولو أن هذه الأموال لم تعط نقداً، فهي تُخلق بكميات كبيرة لأن الدولة عاجزة عن الاستدانة وتمويل نفسها”. “من جهة أخرى فإن سياسة الليلرة المتبعة من “المركزي” بشراء الليرة والتسديد بالدولار أيضاً ما زالت مستمرة. وهذا ما يؤدي إلى خلق كتلة نقدية كبيرة بالليرة ويحتّم في الوقت نفسه أخذ تدابير قاسية لتصعيب الحصول عليها من أجل كبح التضخم وضبط الكتلة النقدية. البديل لا يكون إلا بـ”إعادة النظر بالسياسة النقدية”، برأي طويلة، والبدء بمسار الإصلاحات الذي بُحّ صوتنا، وصوت المجتمع الدولي ونحن نطالب به. وهو يتضمّن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، والاتفاق بجدية مع صندوق النقد الدولي على حزمة الإصلاحات، وإقرار القوانين المصاحبة، ومنها الكابيتال كونترول، وإعادة النظر بمالية الدولة لتخفيض العجز وفرض حكم دولة القانون والمؤسسات على كافة الأراضي اللبنانية، ومنع الاقتصاد الموازي الذي ينفلش بشكل خطير جداً”.

في ظل تعمّد إهمال هذه الإصلاحات، وانتفاء مصلحة السلطة للقيام بهذه الخطوات الجدية والحازمة، لجأ مصرف لبنان مرة جديدة إلى تثبيت سعر الصرف، ولكن الربط هذه المرة (Crawling peg) انتخابي وهمي. فالفقاعة التي يخلقها المركزي لتغطية فشل السلطة السياسية سرعان ما ستنفجر في وجه المواطنين والمودعين والاقتصاد فور وقف العمل بالتعميم 161.

مرة جديدة يلجأون إلى الليلرة ومن ثم يضعون الضوابط لها، على قاعدة “شم ولا تدوق”. فالأساس بالنسبة إلى السلطتين السياسية والنقدية تقطيع مرحلة الانتخابات النيابية وتجديد شرعيتهم.

المودع والموظف سيدفعان الثمن الأكبر، فـ»فرنسبنك» مثلاً قد يعمد في هذه الحالة، بحسب فحيلي، إلى «نقل كبار مودعيه إلى البنك اللبناني للتجارة الذي يملكه، أو لبنك بيروت والبلاد العربية الذي يملك 34 من أسهمه… ويقفل فرنسبنك مصرفه كلياً ويصرف موظفيه بعذر شرعي».

ليس بعيداً عن سياسة مصرف لبنان يبرز السؤال إن كانت السلطة السياسية قد بدأت التضحية بالمصارف على مشارف الانتخابات النيابية. فبعدما نامت على حرير حماية مصرف لبنان والقوى السياسية لها، صحت المصارف على قرار دائرة التنفيذ في بيروت باتّخاذ إجراءات بحق «فرنسبنك» تشمل الحجز على جميع موجودات المصرف في مختلف الفروع، بما فيها الخزائن والأموال وختمها بالشمع الأحمر، تمهيداً لطرحها في المزاد العلني. وذلك في حال عدم تسديد المصرف وديعة أحد المواطنين مع ملحقاتها كاملة. القرار المتّخذ من رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت القاضية مريانا عناني، يشمل فروع المصرف كلّها وأصوله والأسهم والموجودات والعقارات. وقد ردّت القاضية رلى عبدلله طلب وقف التنفيذ المقدم من قبل المصرف. خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي اعتبر أن «ما حصل مع فرنسبنك لن يحل مشكلة الودائع على عكس ما يسوق له الكثيرون. فبغض النظر إن أتى الحكم لمصلحة مودع ضد المصرف، أو لصالح مصرف ضد مصرف. فالأزمة بحجم وطن لا تحلّ على مستوى مودع أو مصرف. واليوم سيعاني آلاف المودعين في فرنسبنك، ومنهم عسكر وموظفو دولة من عدم قدرتهم على الحصول على أموالهم نقداً بالليرة على سعر 1500 ليرة أو بحسب التعميمين 151 و158 لأجل غير مسمى، بسبب إقفال المصرف. والخوف بحسب فحيلي أن تأخذ إدارة المصرف قراراً بالتصفية الذاتية ما يعني أن «كل مودع لديه قرش في المصرف حجز إلى ما لا يقل عن 5 سنوات».

Leave A Reply