جاء في صحيفة العربي الجديد : اعتذر رئيس الوزراء اللبناني المكلف، مصطفى أديب، اليوم السبت، عن عدم متابعة مهمّة تشكيل الحكومة، بعد لقاء عقده لمدة عشرين دقيقة مع الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا.
وقال أديب، في مؤتمر صحافي: “أعتذر عن عدم متابعة مهمة تشكيل الحكومة”، قبل أن يضيف: “تبين لي أن التوافق الذي قبلت من أجله هذه المهمة الوطنية لم يعد قائماً”.
وشدد أديب على أنّ مبادرة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يجب أن تستمرّ لأنها تعبّر عن نيّة صادقة من فرنسا تجاه لبنان، وهو ما عبر عنه الرئيس اللبناني لاحقا بالقول إن “المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا تزال مستمرة، وتلقى مني كل الدعم وفق الأسس التي أعلنها الرئيس الفرنسي”.
وتمنّى أديب، خلال تلاوته بيان الاعتذار، “حرصاً منه على الوحدة الوطنية بدستوريتها وميثاقيتها، لمن سيتم اختياره للمهمّة الشاقة من بعدي”، و”للذين سيختارونه كامل التوفيق في مواجهة الأخطار الداهمة المحدقة ببلدنا وشعبنا واقتصادنا”.
من جهتها، أصدرت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بيانا جاء فيه أن أديب شرح للرئيس ميشال عون “الصعوبات والمعوقات التي واجهته في عملية تشكيل الحكومة، وقد قدّم له كتاب اعتذاره عن عدم تشكيلها”.
وشكر عون أديب على الجهود التي بذلها وأبلغه بقبول الاعتذار، وفق البيان الذي أشار إلى أن رئيس الجمهورية سيتخذ الإجراءات المناسبة وفقاً لمقتضيات الدستور.
من جهته، قال رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، إن “حركة أمل” التي يتزعمها متمسكة بالمبادرة الفرنسية، ثم أضاف في بيان: “نحن على موقفنا بالتمسك بالمبادرة الفرنسية وفقاً لمضمونها”.
وكان أديب قد حمل، خلال لقائه عون، أمس الجمعة، لوضعه في أجواء الاستشارات الحكومية، ملفاً أسود، يحتوي على عدد من الملاحظات في إطار المشاورات التي أجراها داخلياً وفرنسياً في الأيام الماضية.
وتعتبر خطوة أديب مفاجئة، لحرصه المُعلن دائماً على استقرار البلد، علماً أنّها كانت ضمن الاحتمالات التي قد يسلكها في ظلّ تمسّك “حركة أمل”، التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، و”حزب الله” بمطلبهما اختيار “وزراء الطائفة الشيعية” وبما فيها وزارة المال.
وأشار مصدر في قصر بعبدا، لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ أديب أبدى للرئيس اللبناني اعتذاره، مع وصوله إلى حائط مسدود، مع الثنائي الشيعي، الذي يصرّ على موقفه، الأمر الذي يفتح الباب أمام باقي الكتل النيابية للمطالبة بحقائب وزارية لها ولطوائفها، ما يلغي حكومة المهمة المستقلة التي أتى بهدف تأليفها انطلاقاً من المبادرة الفرنسية التي مدّدت نظراً لأهميتها في إنقاذ لبنان من الانهيار.
وتبعاً لهذه الاستقالة، على رئيس الجمهورية أن يدعو مرّة جديدة إلى استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس حكومة مكلف، علماً أنّ هذا المسار لن يكون سهلاً، وقد يكون التريث سيّد الموقف، بانتظار ردّ الفعل الفرنسي والدولي، وجولة المشاورات الداخلية، لتفادي الذهاب إلى “جهنّم” كما صرّح بذلك الرئيس اللبناني في وقت سابق.
من جهته، أصدر رئيس “تيار المستقبل”، سعد الحريري، بياناً جاء فيه “مرة جديدة، يقدم أهل السياسة في لبنان لأصدقائنا في العالم نموذجاً صارخاً عن الفشل في إدارة الشأن العام ومقاربة المصلحة الوطنية”، مضيفاً، “اللبنانيون يضعون اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب عن عدم مواصلة تشكيل الحكومة اليوم، في خانة المعرقلين الذين لم تعد هناك حاجة لتسميتهم، وقد كشفوا عن أنفسهم في الداخل والخارج ولكل من هب من الأشقاء والأصدقاء لنجدة لبنان بعد الكارثة التي حلت ببيروت”.
وتابع “نقول لأولئك الذين يصفقون اليوم لسقوط مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنكم ستعضّون أصابعكم ندماً لخسارة صديق من أنبل الأصدقاء، ولهدر فرصة استثنائية سيكون من الصعب أن تتكرر لوقف الانهيار الاقتصادي، ووضع البلاد على سكة الإصلاح المطلوب”، مشيراً إلى أن “مبادرة ماكرون لم تسقط، لأن الذي سقط هو النهج الذي يقود لبنان واللبنانيين إلى الخراب، ولن تنفع بعد ذلك أساليب تقاذف الاتهامات، ورمي المسؤولية على الآخرين، ووضع مكون رئيسي لبناني في مواجهة كل المكونات الأخرى”.
ومضى قائلا: “لقد كان لنا شرف التنازل من أجل لبنان وفتح ثغرة في الجدار المسدود، لمنع السقوط في المجهول والاستثمار المسؤول في المبادرة الفرنسية، غير أن الإصرار على إبقاء لبنان رهينة أجندات خارجية بات أمراً يفوق طاقتنا على تدوير الزوايا وتقديم التضحيات”.
وتوجه الحريري إلى الرئيس الفرنسي بالقول “زيارتكم إلى بيروت، والتزامكم دعم لبنان وإعادة إعمار العاصمة ووقوفكم إلى جانب المنكوبين وأهالي الشهداء، ستبقى عنواناً للصداقة الحقيقية ولعمق العلاقات بين الشعبين اللبناني والفرنسي، مهما عصفت بلبنان رياح التخلي عن المسؤوليات الوطنية”.
كما توجه بالتحية إلى أديب، الذي “تحمل مسؤولياته بكل جدارة، والتزم حدود الدستور والمصلحة الوطنية حتى اللحظة الأخيرة”، وختم بيانه بـ”حمى الله لبنان واللبنانيين”.
وأعلن ماكرون خلال زيارته الثانية إلى لبنان، في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي، عن مبادرة فرنسية تقوم على مساعدة لبنان، من خلال تخصيص مؤتمر دعم دولي، على أن تقف باريس إلى جانب البلاد في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها. بيد أنّ هذه المساعدات شدد مراراً وتكراراً ماكرون على أنها لن تكون شيكاً على بياض للسياسيين اللبنانيين، بل مشروطة بإصلاحات، تبدأ بتشكيل حكومة مهمات خلال مهلة 15 يوماً، علماً أنها مددت استكمالاً للمباحثات والمشاورات ولعدم سقوطها، ومن ثم مكافحة الهدر والفساد في قطاعات الدولة.
وقبل أيام، قرّر الحريري مساعدة أديب في تشكيل الحكومة بتسمية وزير مالية مستقلّ من الطائفة الشيعية يختاره هو، شأنه شأن الوزراء “على قاعدة الكفاءة والنزاهة وعدم الانتماء”، بيد أنّ مبادرة الحريري لم تلقَ موافقة فورية من “حركة أمل” و”حزب الله”، باعتبار أنّ “الثنائي الشيعي” يتمسّك بمبدأ التسمية أيضاً، وليس فقط أن تكون وزارة المال من حصة الطائفة.