صلاح سلام – اللواء
من سخرية القدر، ومن مهازل هذه المنظومة الحاكمة، أن تتركز مناقشات مشروع قانون الكابيتال كونترول على مجموعة قيود إضافية على أكثر من أربعة ملايين لبناني، من أصحاب الودائع المحتجزة في المصارف، وإبقاء السلطة الحاكمة وفسادها الموصوف بعيدين عن أية رقابة فعلية على إنفاقها العشوائي، والهدر المتمادي في مختلف الإدارات العامة.
كيف يمكن أن نضع أصحاب الأموال الأصليِّين، وكثير منهم لا يملكون غير جنى عمرهم الذي أودعوه في المصارف لحفظ كراماتهم في سنوات التقاعد، تحت رحمة سقف السحب من أموالهم بحدود ألف دولار شهرياً، أو ما يُعادلها بالليرة اللبنانية، في حين تبقى الوزارات في إنفاقها طليقة من كل قيد، ولا سقوف محددة لسلف الخزينة، وصفقات السمسرات والسرقات.
ليس أصحاب الودائع هم من نهبوا الدولة وأوصلوا الخرينة إلى الإفلاس. بل العكس هو الصحيح، لقد تموّلت الدولة من أموال المودعين سنوات مديدة، وأنفقت المئات من ملايين الدولارات هدراً على مشاريع غير منتجة، بل بعضها شبه وهمي، كما أسرفوا بالنهب في عمليات مشبوهة سعياً لعمولات توازي قيمتها أرقام كلفة تنفيذ المشروع نفسه!
وماذا ينفع الكابيتال كونترول إذا لم تواكبه الإصلاحات الجذرية المطلوبة لتصحيح مسار مالية الدولة، وتنظيم القطاع المصرفي وإعادة هيكلة المصارف، ووقف سياسات الإنفاق غير المجدي، وإعتماد قواعد الإقتصاد المنتج، من خلال تعزيز الزراعة وتشجيع الصناعة الوطنية، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص النجاح للشباب.
المفارقة أن صندوق النقد يصر أن يحصل على تعهدات من الرؤساء الثلاثة بتسهيل تنفيذ ما يتم التوصل إليه من إتفاقات وبروتوكولات مع الدولة اللبنانية، وعدم عرقلة خطة الإنقاذ التي تُعتمد حسب الأصول المتبعة في عمليات الصندوق، مما يؤكد عدم ثقة المؤسسات الدولية بواقع الدولة، ومصداقية السلطة الحاكمة، التي تفتقد إلى أبسط مواصفات رجال الدولة.
الحقيقة أن لبنان بحاجة إلى رقابة دولية على الإنفاق الحكومي، وليس إلى كابيتال كونترول فقط يبرر احتجاز أموال المودعين.