عزة الحاج حسن – المدن
بعد أكثر من عامين ونصف العام على توقف عمليات الإقراض السكني بشكل تام، لذوي المداخيل المتدنية والمحدودة، عادت مشاريع الإقراض السكني لتُفتح من جديد، لكن عبر بوابة مصرف الإسكان وليس عبر المؤسسة العامة للإسكان. فمن هي الشرائح الاجتماعية التي تستهدفها القروض السكنية؟
ظن رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب بإعلانه طرح مشاريع قديمة مستحدثة وأخرى جديدة، من شأنها تأمين مسكن للراغبين في شراء شقة أو إعادة تأهيل منزل قديم، أنه يزف خبراً ساراً للشباب والشابات اللبنانيين الطامحين إلى امتلاك مسكن. غير أن طرح مصرف الإسكان، وإن كان مديره يصرّ على أن سلة قروضه ستكون مخصّصة لذوي الدخل المتوسط والمحدود، وليس الطبقة الميسورة، إلا أن واقع الأمر هو أن قرضاً بمليار ليرة لا يمكن أن يستهدف الموظف اللبناني متوسط أو محدود المدخول. فقرض بمليار ليرة من شأنه أن يستهدف الميسورين وأصحاب المداخيل الخيالية.
قد لا يتجاوز مبلغ المليار ليرة قيمة 50 ألف دولار، ولا يكفي لشراء شقة. لكن إقراض مليار ليرة وما يستلزمه من شروط وظيفية من بديهياتها ألا يقل راتب الموظف المقترض عن 15 مليون ليرة شهرياً، لا يتناسب والغالبية الساحقة من الموظفين في لبنان. وهنا نتحدث عن الموظفين أصحاب المداخيل بالليرة اللبنانية. وما لا يعرفه مصرف الإسكان أيضاً هو أن متوسطي المداخيل ومحدوديها لا يملكون القدرة على اقتراض مليار ليرة، ما يعني بالنتيجة أن مبادرة مصرف الإسكان للإقراض لا تتعدى الطبقة الميسورة.
آلية قرض مصرف الإسكان
يصل المبلغ المرصود من مصرف الإسكان لقرض الشراء أو البناء إلى مليار ليرة أو ما يوازي تقريباً 50 ألف دولار، تسدد على مدى 30 سنة بفائدة 6 في المئة مع دعم 1 في المئة من المصرف لتصبح 5 في المئة. والقروض مخصّصة فقط لشراء أو لترميم مسكن في قرى الريف والمناطق وليس للعاصمة بيروت وضواحيها، على أن يسدد المقترض دفعة مسبقة تساوي 10 أو 20 في المئة من قيمة القرض.
وتشترط آلية الإقراض السكني عبر مصرف الإسكان ألا يقل راتب المقترض عن 15 مليون ليرة، أو أن يوازي القسط الشهري راتبه وراتب زوجته أو الكفيل، ثلث راتب المقترِض أو راتبه زائداً راتب زوجته. وهنا لا بد من توضيح أن مئات الآلاف من موظفي القطاع الخاص لا تتجاوز رواتبهم 7 مليون ليرة شهرياً. وهؤلاء يُعتبرون من ذوي المداخيل المتوسطة، وليس المنخفضة. بمعنى أن القروض الإسكانية تستهدف هذه الشريحة نظرياً أما عملياً فلا تستهدف سوى الميسورين.
أما المؤسسة العامة للإسكان والتي تستهدف بقروضها أصحاب المداخيل المتدنية والفقراء، فمتوقفة كليّاً عن العمل في الوقت الراهن. فلا المصارف مستعدة أو قادرة على استئناف عمليات الإقراض السكني ولا مصرف لبنان لديه القدرة على دعم الإقراض، ولا الحكومة لديها خطة أو تصور لحل أزمة السكن. والأسوأ من كل ذلك انهيار الليرة، وهي عملة الإقراض وتدني القدرة الشرائية للرواتب بشكل هائل.
مصادر التمويل
أما مصادر التمويل، فلها حكاية تعود لسنوات. فإضافة إلى سعي مصرف الإسكان للاستحصال على عمليات إقراض من منظمات دولية، يعتمد المصرف بشكل أساسي على مصدر واحد: صندوق التنمية الكويتي. وقد وافق مجلس النواب ومجلس الوزراء الكويتي على القرض العربي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية أو ما يُعرف بالقرض الكويتي، والبالغ 50 مليون دينار كويتي أي ما يعادل 165 مليون دولار أميركي.
وقد سبق لهذا القرض أن أحدث التباساً في لبنان، وكانت نشرت “المدن” تقريراً عن الوجهة الأساسية التي كانت معنية بالقرض، وهي المؤسسة العامة للإسكان. وهذا ما لم يحصل، لا بل تم توجيه القرض بأكمله إلى مصرف الإسكان المملوك بنسبة 80 في المئة منه من قبل المصارف التجارية، في مقابل أن 20 في المئة من المصرف تعود للدولة.
بالنتيجة فقد قرض صندوق التنمية جدواه مع تفجّر الأزمة المالية في لبنان وانهيار العملة الوطنية، وتوقفت معها عمليات الإقراض من المصارف عبر المؤسسة العامة للإسكان بشكل كلّي، في حين باتت عمليات الإقراض من مصرف الإسكان شبه مستحيلة لأصحاب الرواتب المقوّمة بالليرة اللبنانية.