عماد مرمل – الجمهورية
توحي التطورات المتلاحقة على أكثر من صعيد انّ الانتخابات النيابية باتت في مهبّ الريح، إلاّ انّ المطمئنين الى حصولها يعتبرون أنّها خط أحمر لن يكون من السهل تجاوزه.
اللوائح الانتخابية اكتملت، التحالفات حُسمت، الحملات الدعائية اشتدت، الأموال تدفقت، ومع ذلك هناك من لا يزال لديه شعور بأنّ الانتخابات النيابية لن تتمّ في ايار المقبل.
غريبٌ أمر هذا الاستحقاق الانتخابي، إذ على مسافة اسابيع قليلة جداً من موعده، يستمر الأخذ والرد في شأن مصيره، الى درجة انّ البعض لم يصدّق بعد أنّه سيُنجز حقاً، ولسان حال هؤلاء يردّد: «ما تقول فول حتى يصير.. بالصندوق».
انّها الانتخابات الأولى بعد إفلاس الدولة اللبنانية وانهيارها المريع بمعظم مؤسساتها، وهذا ما يفسّر ربما افتقارها الى بيئة سليمة وضمانات اكيدة.
هي انتخابات من المقرّر ان تُخاض فوق ارض متفسّخة ومهزوزة ورخوة ومائلة. ارض ضاقت بأهلها الذين عصفت بهم أقسى أزمة اقتصادية فظنّوا انّ البحر قد يكون ممراً آمناً لهم نحو الخلاص، كما تَوهّم ضحايا الزورق الطرابلسي، قبل أن يغرق بأحلام ركابه التي استحالت في لحظة ركاماً.
ولعلّ الاستحقاق الانتخابي يُبحر بدوره على متن زورق مثقوب ومهدّد بالغرق أيضا، وبالتالي ليس معروفا ما اذا كان سيرسو على برّ الأمان أم ستبتلعه الأمواج العاتية، سياسياً وامنياً واقتصادياً واجتماعياً.
وبناءً عليه، يبدو أنّ الأعصاب ستبقى مشدودة الى حين تصويت الداخل في 15 أيار المقبل، وانّ كل الاحتمالات ستظل واردة ليس حتى تُفتح صناديق الاقتراع فقط بل الى حين ان تُغلق في سلام. هذا هو الانطباع الذي يسود المُرتابين في امكان إجراء انتخابات طبيعية في بلد مشرّع على المجهول
بالنسبة إلى هؤلاء، إنّ الفترة الفاصلة عن 15 أيار ستكون شديدة الحساسية والدقة، وربما تتخللها اختبارات صعبة ومتنوعة في سياق «معمودية النار» التي تواجه الاستحقاق الانتخابي.
ويتوقف أصحاب هذا الرأي عند تداعيات غرق زورق المهاجرين في بحر طرابلس، وتفاقم العوارض المعيشية للانهيار، ومفاعيل عودة سعر الدولار الى الارتفاع، وإطلاق الصواريخ من الجنوب والرد الاسرائيلي.. كإشارات مُقلقة تضع الانتخابات المفترضة على كف عفريت في أسوأ التوقعات، وعلى صفيح ساخن في أحسنها.
ويتساءل هؤلاء: «كيف سيجري الاستحقاق الديموقراطي اذا تصاعد الاحتقان الداخلي وصولاً الى انفجار اجتماعي وفوضى عارمة او إذا وقعت احداث امنية دراماتيكية في ظل وضع داخلي يشكو من نقص حاد في المناعة؟ علماً انّ التوتر الذي ساد عاصمة الشمال خلال اليومين الأخيرين يُبيّن بوضوح انّ البلد يمكن أن ينام على شيء ويستفيق على شيء مُغاير تماماً». ويضيفون: «ماذا لو كان هناك قرار كبير في مكان ما بتعطيل الانتخابات وافتعال الذرائع الكفيلة بتأجيلها تفادياً لِما يمكن أن ترتّبه من «كوابيس» سياسية للبعض؟
ومن المفارقات التي تعزّز هواجس القلقين، انّ هناك من ينقل عن رئيس جهاز أمني همساً يفيد انه ليس واثقاً تماماً في أن الانتخابات ستتم حُكماً في موعدها المقرر، وانّ يده ستبقى على قلبه حتى 15 أيار.
امّا من هم المستفيدون من التأجيل والمتحمسون بصمت له، فإنّ خيط الاستنتاجات يمكن أن يقود المُمسك به الى اكثر من جهة داخلية وخارجية، مع الاشارة الى انّ كلّاً من القوى المحلية يتّهم خصمه و»راعيه» الأجنبي بأنّ لهما مصلحة في الإرجاء خوفاً من النتائج المحتملة أو ربطاً بنضوج ملفات اقليمية ودولية.
لكن، وعلى رغم من انّ الذين يروّجون لصعوبة إتمام الانتخابات وسط هذه الظروف يملكون في جعبتهم مخاوف مشروعة وأسباباً موجبة تعزّز حجتهم، الا انّ المقتنعين بإجرائها يجزمون من جهتهم بأنها حاصلة حتماً مهما اشتدّ التشويش عليها، وأن الارادة السياسية بحمايتها لدى الجهات المؤثرة داخلياً وخارجياً هي أقوى من أي محاولة مستترة لتأجيلها، خصوصاً انّ النتائج التي ستتمخّض عنها غير محسومة بعد خلافاً للشائع. وبالتالي، فإنّ كل طرف او محور لديه الامل في أن يحقّق مع حلفائه الأكثرية النيابية التي من شأنها ان تعزّز موقعه حول طاولة رَسم توازنات المرحلة المقبلة.