خالد أبو شقرا – نداء الوطن
كلما اقتربت، كلما ابتعدت أكثر. إنها ليست أحجية. إنما، عبارة تدل على مصير أي خطة للخروج من الأزمة الاقتصادية والنقدية، سواء سميت بخطة النهوض أو التعافي. فـ”عربة” إلاصلاحات الغارقة في وحل “التوافق السياسي لحماية نظام اقتصادي مفلس”، بحسب توصيف البنك الدولي، يجرها حصانا الحكومة والمصارف… حصانان جامحان سبق لهما أن أطاحا بالتكافل والتضامن بـ”حقل” الودائع والمدخرات. صراخهما لا يعلو إلا عندما يقترب وقت اقتسام الحساب. هذا ما حصل مع “خطة الحكومة للتعافي المالي والاقتصادي” في حزيران 2020، وهكذا يحصل اليوم مع “ورقة التفاهم مع صندوق النقد الدولي”، حيث ترفض المصارف “الخطة” الحكومية جملة وتفصيلاً مطالبة الدولة كما المرات الماضية بتحمل المسؤولية من أموالها وأملاكها.
الفجوة النقدية المقدرة حديثاً بـ 72 مليار دولار ستُقتطع بحسب الخطة من حساب المصارف ومودعيها، فتخسر رأسمالها المقدر نظرياً بحدود 23 مليار دولار، وحقوق مساهميها أولاً، والحصة الاكبر من أموال زبائنها ثانياً، ولا يعود لمعظمها وجود، خصوصاً مع الاتجاه لتصفية البنوك غير القابلة للحياة، ورفض دمجها أو رسملتها. والطلب من المصارف الصامدة ضخ رساميل جديدة في عروقها، من دون احتساب الرسملة بنسبة 20 في المئة التي انتهت في شباط 2021 بموجب التعميم 154. إلا أن ما لا تذكره المصارف المعترضة على شطب 60 مليار دولار من ديونها في المصرف المركزي، هو أن “الخطة سمحت لها بشطب 90 مليار دولار من أموال المودعين”، يقول المستشار المالي د. غسان شماس، وبالتالي فإن “ما تريده المصارف هو أن تسمح الخطة بتسديد الودائع التي تفوق 100 الف دولار بالليرة وبغير قيمتها الحقيقية، وتحويل الجزء الأكبر منها إلى أسهم عبر عملية BAIL IN، وترفض المس بديونها لدى الدولة. بمعنى أنها ترتضي للمودعين ما لا ترضاه لنفسها، وهذه قمة التناقض”. أما قمة الدهاء بحسب شماس فتمثلت بـ”الطريقة المحاسبية الشعبوية التي ساقتها الحكومة في كيفية توزيع الخسائر، فحافظت على الودائع التي تقل عن 100 ألف دولار التي تشكل 90 في المئة من المودعين ولا تزيد قيمتها عن 17 مليار دولار، وشطبت في المقابل ودائع بقيمة 90 مليار دولار تعود لنحو 200 ألف مودع، وأبعدت بذلك كتلة اعتراضية ضخمة، وابتعدت عن “وجعة الراس” وحملات الاعتراض التي يقودها في الغالب صغار المودعين، لكنها ضربت كل فرص نمو وازدهار الاقتصاد، حيث أن المبالغ التي تعود إلى العشرة في المئة من المودعين، لا تمثل الثقل والمحرك للاقتصاد فقط، إنما المحافظة عليها وحمايتها تعطي الثقة لعودة تدفق الاستثمارات والودائع مع بدء التعافي، وهذا ما لم تعره أي اهتمام”.
صحيح أن موقف المصارف من الخطة “ليس ملزماً”، بحسب مصادر مصرفية، “إنما موافقتها عليها، وتسهيلها لها من الأمور المهمة لضمان نجاحها، خصوصاً أنّ النسبة الأكبر من الاصلاحات تتعلق بالقطاع المصرفي. بيد أن الاجراءات المنوي اتخاذها بالشراكة معها لا تؤدي إلّا إلى نهايتها، فكيف لها أن توافق عليها بـ”طيب خاطر!”. وبرأي المصادر فإنّ تخفيض الدين العام إلى أقل من 100 في المئة من الناتج المحلي سيؤدي إلى اقتطاع جزء كبير من الديون، حتى تلك المقومة بالليرة، وليس فقط المتعلقة بالديون الاجنبية، أي “اليوروبوندز”.
من الجهة المقابلة فإنّ القطاع العام يُعد بالنسبة إلى المنظومة “ثالثة الأثافي” التي تضع عليها “دست” التوظيفات والصفقات وتمويل الحملات، ويهمها بالتالي عدم التفريط به. وهي تجير لذلك كل الشعبويات بشأن “حماية الملك العام وصونه”، بحسب المصادر المصرفية، “مع العلم أن بقاءه بيدها سيعود بعد أعوام قليلة وينتج المشكلات نفسها”.
أمام هذه الصراع على المصالح تبدو كل الخطط معلقة، وهي لن تحل حتى بعد الانتخابات النيابية وفق ما تتوقع المصادر.