كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
أقل من 72 ساعة، باتت تفصل عن فتح صناديق الاقتراع لتقول كلمتها وتحدّد اختيارات الناخبين على مستوى كل لبنان. ولعلّها الفترة الزمنية الأصعب التي يتسارع فيها النبض الانتخابي في الدوائر الـ15، كلّما دنا قطار الانتخابات النيابية من محطة الحسم والفصل يوم الاحد في الخامس عشر من ايار الجاري.
أمن الانتخابات
عملياً، صار الاستحقاق الانتخابي في المربّع الاخير، والموعد اليوم مع الجولة الثالثة المتمثلة باقتراع الموظفين المولجين إدارة العملية الانتخابية، وسط دعوات متتالية للمراجع السياسية والروحية للمواطنين للمشاركة الكثيفة في انتخابات الاحد، بالتوازي مع اجتماعات تحضيرية على المستوى الرسمي والأمني لهذا الاستحقاق.
وقال مرجع أمني لـ”الجمهورية”: “لا شيء يدعو الى القلق، حيث انّ أمن الانتخابات محفوظ وممسوك، وكل أجهزة الدولة مجنّدة لإنجاز الاستحقاق الانتخابي من دون أي معوقات تؤثر على مسار العملية الانتخابية وحرّية اللبنانيين في الإدلاء بأصواتهم”. مشيراً الى انّ الجهوزية تامة، والترتيبات مكتملة والتنسيق على أتمّه بين مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية لإجرائها في أجواء من الهدوء والاستقرار.
تحدّيان؟
ومع الصمت المفروض على الحملات الدعائية، يصبح الميدان تلقائياً، مجال العمل المفتوح أمام كل المعنيين بهذا الاستحقاق. وفي هذا الميدان، يبرز تحدّيان:
الاول، على الماكينات الانتخابية، في إثبات قدرتها في الأمتار الاخيرة الفاصلة عن “أحد الانتخابات” على التواصل المباشر مع الناخبين، وجذبهم الى صناديق الاقتراع.
الثاني، ولعلّه التحدّي الأكثر دقة ومسؤولية، هو الذي يقع على عاتق القوى العسكرية والأمنية لحماية العمليات الانتخابية، وإحباط أي محاولة، اياً كان مصدرها، لنصب كمين لهذه الانتخابات، وجعل المربّع الاخير، “مربّع المفاجآت”، وفرصة للطعن في ظهر الاستحقاق وحرف القطار الانتخابي عن مساره.
وإذا كان التحدّي الثاني محاطاً بتطمينات وتأكيدات يجمع عليها كل الاطراف، بأنّ قطار الانتخابات انطلق ولن يوقفه شيء، الّا انّ الأجواء العامة الطاغية على صورة المشهد الداخلي، لم تصفُ بعد من غيوم الحذر، حيث انّ الكلام ما زال يتردّد في اوساط مختلفة، بأنّ لبنان لن يتنفس الصعداء الّا مع بلوغ الاستحقاق الانتخابي محطاته النهائية والحاسمة بسلام وأمان.
الاستطلاعات… إرباك
وعلى الرغم من سيل الاستطلاعات والدراسات والقراءات الانتخابية الذي تدفق خلال الفترة التحضيرية لانتخابات 15 ايار، وأغرق البلد بتقديرات لحجم المقترعين، مع ترجيح انخفاض عددهم، وكذلك لحجم هذا الطرف او ذاك في المجلس النيابي الجديد، الّا انّ الصورة العامة السائدة عشية الاستحقاق، يمكن إيجازها بما يلي:
– اولاً، ثمة إرباك واضح يسود حركة الاستطلاعات، حيث انّها لا تلتقي على تقدير واحد، خصوصاً في ما يتعلق بنسبة المشاركة في انتخابات الاحد، حيث انّها ما زالت تتأرجع بين فرضية تقول بنسبة إحجام عالية لدى الناخبين، وبين فرضية مضادة تقول بأنّ نسبة الإحجام هذه نسبتها ضئيلة جداً.
وضمن هذه الفرضية أُدرجت انتخابات المغتربين، حيث قرأ فيها بعض المستطلعين حماسة أفرزت نسبة مشاركة مرتفعة تفوق نسبة مشاركة المغتربين في انتخابات العام 2018، فيما قرأها البعض الآخر بأنّها مخيّبة للآمال ودون المستوى المتوقع مع هذا الاستحقاق. وهذا يعطي مؤشراً إلى حجم مشاركة داخلية ضعيفة في انتخابات الاحد على مستوى كل لبنان.
الاّ انّ استطلاعات حديثة أجرتها بعض مراكز الدراسات، وكذلك ماكينات بعض الاحزاب، تلتقي على عامل أساس فرض تعديلاً في التقديرات السابقة التي رجحت نسبة عالية من المحجمين عن المشاركة في الانتخابات، وهو الخطاب الحزبي المتبادل الذي ادّى بالحدّة التي أُطلق فيها، إلى شحن الأجواء الداخلية بكل اسباب التوتر السياسي وأيقظ العصبيات الطائفية والمذهبية، وكانت نتيجته من جهة، انّه استفز الحزبيّين، وأخرج المترددين في البيئة الحاضنة لهذا الحزب او ذاك من تردّدهم، وأعادهم الى الطائفة والتصويت تحت عنوان “مصيرها ووجودها”، على الرغم من ضائقتهم الاجتماعية ومعاناتهم من الأزمة ومسببيها. ومن جهة ثانية عزّز اندفاعة المستقلّين الرافضين لهذا الخطاب، وزاد من الالتفاف الشعبي حول طروحاتهم واعتدالهم. وهذا ما يبدو محسوساً بكل وضوح وعلنية في مختلف الدوائر. ومعنى ذلك انّ انتخابات الاحد يُتوقع لها في هذا الجو ان تكون من بين الأعلى من حيث نسبة المشاركة الحزبية والشعبية فيها.
– ثانياً، من الخطأ التحديد المسبق لموقع الأكثرية في المجلس النيابي الجديد. فخلافاً للترويجات الحزبية عن انتصارات مسبقة في الاستحقاق الانتخابي، فإنّ ما تلتقي عليه الاستطلاعات هو انّ اياً من الاطراف الحزبية المتنافسة لا يستطيع ان يدّعي امتلاكه وحده الأكثرية المقرِّرة في المجلس الجديد. حيث انّ التحالفات التي حكمت إعداد اللوائح الانتخابية لا تعدو اكثر من تحالفات انتخابية تنتهي صلاحيتها مع إقفال صناديق الاقتراع. وبالتالي، فإنّ موقع الاكثرية وكذلك الاقلية تحدّدهما تحالفات ما بعد الانتخابات، وفقاً للظروف السياسية وحركة مصالح الاطراف التي ستحكم تلك الفترة.
– ثالثاً، كل الاطراف الحزبيّة، ورغم مبالغاتها الإعلامية والعلنية، الاّ انّها في العمق لا تبدو مطمئنة للاستطلاعات والتقديرات المسبقة، ذلك انّ الباب لا يزال مشرّعاً على “مفاجآت” تمنع كل هذه الاطراف من ان تنام ملء جفونها قبل أحد الانتخابات. ومن هنا، تعكس الأجواء الحزبية جوّاً ملبدًا بالحذر الشديد، ووضعاً مربكاً تتزايد فيه دقات القلوب الحزبية بوتيرة سريعة قبل فتح صناديق الاقتراع، حيث انّ انتخابات الأحد ستشكّل محطة محاكمة الناس للعناوين والشعارات الكبرى التي طرحتها “احزاب الحواصل”، وخصوصاً تلك التي ركبت موجة “ثورة الغاضبين” وتسلّقت على جوع اللبنانيين ووجعهم.
فرصة الإنقاذ قائمة
الى ذلك، وبمعزل عمّا ستفرزه صناديق الاقتراع بعد ثلاثة ايام، فإنّ عيون المجتمع الدولي ستكون شاخصة في اتجاه لبنان، وفق ما تؤكّده مصادر أمميّة لـ”الجمهوريّة”، التي تستغرب الأجواء التي بدأت تشاع في الآونة الاخيرة بأنّ فترة ما بعد الانتخابات في لبنان ستكون قاتمة، وانّ لبنان مقبل على انهيار مالي بصورة أعنف مما هي عليه في هذه الفترة.
وقالت المصادر، انّها لا تشارك في هذه القراءة السلبية، بل بالعكس هي ترى انّ طبيعة الوضع في لبنان بعد الانتخابات، يحدّدها اداء السلطة السياسية التي ستنبثق عنها. ومن هنا ما زلنا نعتقد انّ لبنان امام فرصة ليعيد اطلاق نفسه من جديد واتباع السبل المؤدية الى خروجه من ازمته وإنقاذ الشعب اللبناني.
ورداً على سؤال، استبعدت المصادر ما يُقال انّ المجتمع الدولي سيقابل نتائج الانتخابات بسلبية فيما لو جاءت بأكثرية معيّنة وقالت: “موقف المجتمع الدولي معروف من الأساس ومحدّد لناحية الدعوة الى اجراء انتخابات في موعدها بكل حيادية ونزاهة، وتعبّر بالتالي عن تطلعات الشعب اللبناني. ومع انتخابات كهذه سنحترم اختيارات اللبنانيين”.
باريس: برنامج لبنان
وأبلغت مصادر ديبلوماسية اوروبية الى “الجمهورية” قولها، انّ لبنان بعد الانتخابات سيكون حاضراً في دائرة اهتمام اصدقائه، ولاسيما فرنسا، حيث انّ في روزنامة الإدارة الفرنسية “برنامجاً لبنانياً” انطلق من اعلان الصندوق الفرنسي – السعودي، وسيُتابع مع خطوات في ذات المنحى، تتعزز بحضور فرنسي مباشر في لبنان، وعلى اكثر من مستوى وزاري وغير وزاري، لمساعدة اللبنانيين في العبور من ازمتهم.
وفي السياق، يبرز ما اكّده لـ”الجمهورية” مصدر ديبلوماسي عربي، بأنّ انتخابات لبنان محطة إيجابية لإعادة تكوين السلطة في لبنان، وقال: “اياً كانت نتائج هذه الانتخابات، فإنّ مسؤولية المكونات السياسية اللبنانية الّا تُسقط نفسها في حلبة التجاذب حول نتائج الانتخابات، بل ان تقارب هذا الاستحقاق كمحطة فاصلة بين مرحلتين، حدود الاولى تنتهي في 15 ايار، وتنطلق الثانية ما بعد 15 ايار، بالاستفادة من كل عثرات وشوائب المرحلة السابقة، والتأسيس المشترك بين كل الاطراف لورشة إعادة بناء لبنان، والاستجابة لمتطلبات الخروج من الأزمة، وإعادة وضعه على الخارطة العربية والدولية، وهذه مسؤولية يؤكّد عليها المجتمع الدولي وكل اصدقاء لبنان واشقائه”.
جمود لأشهر!
على انّ في موازاة هذه الأجواء العربية والدولية، تبرز خشية يعبّر عنها مسؤول كبير امام زواره، من تضييع الاستحقاق الانتخابي ونتائجه في متاهة التناقضات الداخلية.
ويقول المسؤول، انّه ليس قلقاً من حيال الموقف الدولي والاعتراف بنتائج الانتخابات، حتى ولو جاءت على عكس ما يشتهي، كون المجتمع الدولي هو صاحب الدعوات المتتالية منذ بدء الأزمة لإجراء الانتخابات، بل انّ المقلق هو “عامل الوقت”، فلبنان امام تحدّيات جدّية، أولها تأليف حكومة واستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإقرار الموازنة العامة وبعض القوانين المرتبطة بعملية الإصلاح والإنقاذ. وهذه الامور ان لم تتسم بطابع العجلة، فإنّها مهدّدة بالاصطدام بعقبة الاستحقاق الرئاسي الذي اصبح على بعد نحو 5 اشهر، وهي الفترة التي قد يدخل فيها لبنان في كوما الانتخابات الرئاسية والبحث عن الرئيس الجديد للجمهورية، ما يعني انّ البطء في مقاربة هذه الملفات وحسمها سريعاً، سيؤدي حتماً الى تجميدها جميعها لأشهر الى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية في تشرين الاول المقبل، وتشكيل الحكومة الاولى في العهد الرئاسي الجديد.
انتقاد دولي
من جهة ثانية، وفي بيان لافت في مضمونه، وتوقيته قبل أيام من الانتخابات البرلمانية المقرّرة الأحد، وهي الأولى منذ بدء الانهيار الاقتصادي في البلاد، اتهمت الامم المتحدة الدولة اللبنانية ومصرف لبنان بأنّهما “مسؤولان عن أزمة مالية غير مسبوقة أدّت الى “إفقار غير ضروري” لغالبية السكان الذين يتخبّطون لتأمين الحدّ الأدنى من احتياجاتهم”.
وقالت المنظمة الدولية في تقرير صادر عن المقرّر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر، بعد زيارته لبنان في تشرين الثاني 2021، إنّه يتعيّن “أن يغيّر لبنان مساره”.
وأضاف التقرير، “يمكن عكس اتجاه البؤس الذي حلّ بالسكان بقيادة تضع العدالة الاجتماعية والشفافية والمساءلة في صميم أعمالها”.
وبحسب التقرير، فإنّ “الدولة اللبنانية، بما في ذلك مصرفها المركزي، مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الإفقار غير الضروري للسكان، الذي نتج من هذه الأزمة التي هي من صنع الإنسان” وكان “يمكن تجاوزها بالكامل”.
ويشير التقرير الى “انّ 9 من كل 10 أشخاص يجدون صعوبة في الحصول على دخل، وما يزيد على 6 أشخاص من كل 10 سيغادرون البلد لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً”.
ورأت الأمم المتحدة، أنّه يمكن “للمجتمع الدولي، بل وينبغي له، أن يقدّم الدعم، ولكنّ هذا الدعم لن يكون له أثر إلّا إذا اعتمدت إصلاحات هيكلية لوضع حدّ لعملية التفقير”.
لقاء روسي- سعودي
الى ذلك، عُقد امس لقاء بين السفير السعودي في لبنان وليد البخاري والسفير الروسي في لبنان الكسندر روداكوف. وقال السفير البخاري في تغريدة: “كان لقائي مع السفير الروسي في بيروت، ألكسندر روداكوف، هامًا ومثمرًا، استعرضنا فيه أبرز مُستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، وناقشنا الجهود المُشتركة لمواجهة التحدّيات في لبنان والمنطقة، إضافة إلى بحث عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المُشترك”.