كتب ذو الفقار قبيسي في اللواء : مع الاعتذار عن تأليف حكومة أطلق عليها اسم «حكومة المهمة» Mission يكتمل شلل عجلة النمو ويعود اللااستقرار لسعر الصرف وتستنزف الفرص أمام القوى المتخرجة والعاملة. وأمام المخاطر المتزايدة من استمرار الفراغ حكومي، لم يكن من المستغرب ان تتوقع أربع وكالات تصنيف دولية ومصرفين دوليين وصول معدل النمو في لبنان الى درجة ناقص (سلبي) بين ٢٠ و٢٥%، حيث «المحركات الأربعة» المتعارف عليها لتحقيق النمو: الرأسمال، الموارد البشرية، الموارد الطبيعية، التكنولوجيا والابتكارات. تتراجع في لبنان في هذه المضمارات الأربعة:
أولا: الرأسمال في لبنان بات نادرا وعصي المنال، وهو في «التعريف الاقتصادي» لا يقتصر على المال من ودائع وادخارات ورسملة وتمويل عبر المصارف والبورصات والأسواق المالية والتشريعات المالية، وإنما أيضا البنية التحتية والتجهيزات من كهرباء وماء ووسائل نقل وطرقات حديثة وانترنت متطور والبيئة الملائمة للاستثمار. وكل هذه الأساسيات والأولويات باتت في لبنان متخلفة أو مهترئة أو شبه غائبة عن العملية الاستثمارية الاقتصادية.
ثانيا: الموارد البشرية أو الكفاءات العلمية والتقنية يتواصل تفريغها في لبنان باغراءات الأجور العالية والتسهيلات المجزية في الخارج بما في ذلك إعطاء جنسية البلد الذي يستدرج هذه الكفاءات التي يحرم منها لبنان في مختلف قطاعات الانتاج والخدمات.
ثالثا: الموارد الطبيعية، ومنها في التعريف الاقتصادي، الأرض الصالحة للزراعة والنفط والغاز والمعادن والماء والثروة السمكية والحيوانية. ولبنان الذي لم تتفكك حتى الآن «أحجيات» ثروته من النفط والغاز، فقير جدا في الثروات الطبيعية بما في ذلك – وهو بلد الانهار! – الثروة المائية التي تلوّثت في النهر والسواقي والبحر والبحيرات.
وكان يُمكن تعويض النقص في الموارد الطبيعية بطرق ووسائل حديثة لولا ان حتى هذه البدائل غير متوافرة في لبنان، عكس العديد الدول المتقدمة. ومنها على سبيل المثال اليابان التي عوّضت عن فقر الموارد الطبيعية بالتركيز على قطاعات لا تحتاج الى هذه الموارد. أو هونغ كونغ القائمة على مساحة أرض صغيرة جدا أقل من مساحة قرية نيجيرية، ومع ذلك فان ناتجها المحلي الاجمالي أكبر من ناتج نيجيريا.
رابعا: التكنولوجيا والابتكارات، كان يمكن أن ينطلق لبنان في هذا المجال لو ان الدولة اللبنانية لم تكتف بالحجم الصغير من القروض المدعومة لهذا القطاع من قبل مصرف لبنان، واستخدمت جزءا ولو بسيطاً من الواردات التي هدرت أو نهبت أو هربت!! لتطوير هذا القطاع المسمى «اقتصاد المعرفة» بالاعتماد على عشرات آلاف المغتربين اللبنانيين المتفوقين في هذا القطاع في كل أصقاع الأرض.
فلعلّ وعسى..
أن تكون طبيعة مكوّنات حكومات الغد سياسيين أقل، وكفاءات تقنية وعلمية أكثر للاستفادة من خزان الثروات البشرية اللبنانية المقيمة والمغتربة بما يعوّض لبنان عن ندرة الموارد الطبيعية بالابتكار والتكنولوجيا، ويمكنه من مواجهة المخاطر التي حذّر منها كل من الاقتصاديين «سميث» و«مالثوس» لجهة «أن تزايد السكان دون انتاج متكافيء يستنزف الموارد الطبيعية ومساحة الأراضي المتاحة للسكن والعمل، ويفضي الى المزيد من الأزمات والهجرات»!.