خضر حسان – المدن
يتحرّك حجم التداول على منصة صيرفة بطريقة يصعب تتبُّعها. فالمعلومات المطلوبة محفوظة بالتوازي لدى المصارف التجارية ومصرف لبنان. فالأولى تقوم باستلام طلبات الراغبين بالاستفادة من المنصّة، والمصرف المركزي يقرّر حجم المبالغ الموافَق عليها ويضخّها للمصارف، لتصل إلى مستحقيها. على أنّ هذا المسار ليس “سلساً” بالصورة التي يبدو عليها، إذ لا يخلو من الاستنسابية وتقاذف المسؤوليات. الأمر الذي يخفي حقيقة التداول الذي يتأرجح يومياً بهوامش متقاربة حيناً ومتباعدة أحياناً، ويلفّها التساؤل، خصوصاً وأن حجم التداول “سَقَطَ” من 196 مليون دولار مع بدء تنشيط التداول، إلى نحو 20 مليون دولار، خلال أقل من شهر.
فورة دولارات
أعاد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تنشيط العمل بمنصة صيرفة يوم الجمعة 27 أيار، عبر قرار دعا فيه كل من يريد الاستفادة من سعر المنصة، إلى التقدّم “يومياً” بطلب عبر المصارف ابتداءً من الاثنين 30 أيار “على أن تتم تلبية هذه الطلبات كاملة في غضون 24 ساعة”. ولا يُخفى أن هذا القرار جاء ليخفّف الضغط الذي أحدثه وصول سعر الصرف في السوق إلى نحو 38 ألف ليرة، مع أن هدف وجود المنصة، هو حصول التجّار على دولاراتهم وفقها وتخفيف حجم الطلب في السوق.
عشية اتخاذ قرار التنشيط، بلغ حجم التداول على المنصة 42 مليون دولار، ليبلغ التداول يوم الاثنين 30 أيار 196 مليون دولار. هذا يعني أن مصرف لبنان لم يكن يوافق على كافة الطلبات المقدّمة سابقاً، أو يقنّن تأمين الدولارات لطالبيها. ويؤكّد أن سلامة أراد ضخ دولارات إضافية في السوق، لكنه استعمل ستار المنصة كي يبيِّن قدرتها على مواجهة سعر صرف السوق السوداء. على أنّ الهدف الأبرز، هو توجيه رسالة للمصارف.
تقليص الضخ
خلال 10 أيام من إعادة التنشيط، تراوح ضخ الدولارات بين نحو 85 و100 مليون دولار، مع بعض الاستثناء الذي وصل فيه التداول إلى ما بين 113 و120 مليون دولار. ويوم الاثنين 13 حزيران، تراجع حجم التداول من 100 إلى 55 مليوناً، ثم إلى 47 مليوناً وبعدها إلى 26 مليوناً، ويليه إلى 20 مليوناً و600 ألف دولار، أي أن التراجع يقفز بنحو نصف المبلغ تقريباً.
تعيد مصادر مصرفية سبب التأرجح في ضخ الدولارات إلى “تفاوت طلب التجّار وإلى عدم تلبية مصرف لبنان لكامل المبالغ المطلوبة وتقسيطها على أكثر من دفعة، الأمر الذي يؤدّي إلى تراكم المبالغ وظهورها بحجم كبير في أحد الأيام دون غيره”. وتضيف المصادر في حديث لـ”المدن”، أن “الكوتا التي يحددها المركزي لكل مصرف، تؤثّر أيضاً على موافقة المصارف على حجم الدولارات المؤمَّنة وفق المنصة. فلا يمكن للمصرف الموافقة على كمية طلبات تفوق قيمتها الكوتا المحددة، ما يؤدي إلى تفاوت الأرقام من يوم لآخر”.
وتُبدي المصادر استغرابها لإعلان المركزي “فتح الطلبات أمام التجار، من دون سقف، ثم تحديده سقفاً للمصارف”. وكأنّ بالمركزي يبيّض صفحته أمام التجار بالسماح لهم بطلب المبلغ الذي يريدونه، لكنه لا يوافق عليه ضمنياً، ولا يبلّغ التجار بذلك، بل يحرمهم منه عبر تقليص حجم الدولارات المعطاة للمصارف. فيكون المركزي بذلك قد ضخّ الدولارات مع إعلانه تنشيط المنصة، وأوصل رسالته للمصارف، ثم حَجَبَ الدولارات عن التجار بلا قرار مباشر، خصوصاً وأن هدف الضخ قد تحقّق، وهو تراجع سعر الصرف في السوق من نحو 38 ألف ليرة إلى نحو 28 ألف ليرة.
في المقلب الآخر، لا يحمل المركزي وحده المسؤولية تجاه ما يحصل على المنصة. فللمصارف أصابع في ذلك. فهي التي تفرض عمولات وشروطاً تصعّب حصول التجّار والأفراد على الدولار، بما يتنافى مع قرار المركزي. وهذا ما دفع سلامة يوم الأربعاء 1 حزيران إلى الطلب من المصارف “التقيد بأحكام القرار المتعلق بالاجراءات الاستثنائية للسحوبات النقدية وعدم استيفاء أي عمولات أو نفقات من أي نوع”.
تتداخل المسؤوليات، لكن النتيجة واحدة، وهي عدم توفير الدولارات الكافية في السوق، ما يجعل الاعتماد على المنصة رمزياً. فيما السوق السوداء تفرض سعرها فوق أي اعتبار أو قرار أو نوايا بخفض الأسعار.