تواجه الولايات المتحدة الاميريكية اليوم شبحًا اقتصاديًا خطيرًا يتمثل بارتفاع معدل التضخم المالي الذي ناهز الـ 9% لأول مرة منذ أكثر من 40 عامًا مع وجود تخوف كبير من امكانية وصول هذا المعدل الى مستويات أعلى بكثير بظل ما يشهده العالم حاليًا من تداعيات اقتصادية ومالية ونقدية خطيرة بفعل انعكاسات الأزمة الأوكرانية التي وصل مداها الى حدود معظم دول العالم ولم تسلم منها الولايات المتحدة حيث وصل الخطر الاقتصادي فيها الى مستويات مقلقة بالنسبة للمعنيين في هذا الشأن.
من هنا بدأت السلطات الاميركية باتخاذ تدابير واسعة من أجل مواجهة هذا الخطر المتمثل بالدرجة الاولى بمعدلات التضخم العالية على كافة الصعد الاقتصادية ومن أبرز التدابير الماضية كانت اتخاذ الرئيس الاميركي جو بايدن لقرار وصف بالتاريخي والذي يقضي بضخ حوالي مليون برميل نفط يومياً لمدة ستة اشهر من المخزون الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة لمنع الارتفاع المضطرد لأسعار المحروقات الذي وصل اليوم بالرغم من هذا الاجراء الى مستوايات تاريخية حيث تخطى سعر صفيحة البنزين حدود الـ 32 دولارًا اميركيًا في بعض الولايات وهذا ما دفع البنك الفيدرالي الاميركي الى اتخاذ قرار برفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة من أجل محاولة امتصاص السيولة النقدية من الاسواق التي تعتبر سببًا اساسيًا في حصول التضخم. ووصل حجم الكتلة النقدية الدولارية في الاسواق الى حدود 5 ترليون دولار علماً ان جزءا كبيرًا من هذه النقود قد تمت طباعاتها من دون اللجوء الى الضوابط العلمية والقانونية اي بمعنى آخر من دون وجود الضمانات التي تعتمد عادة في حالات طباعة البلدان لعملاتها كالذهب وغيره أو بالحد الادنى دون ربطها بانتاجية عمل واقعية من أجل تعويض هذه المبالغ. وبهذا تكون الولايات المتحدة الاميركية قد طبعت أكثر من 2 ترليون دولار في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وقامت باستعمالها من أجل مواجهة تداعيات جائحة كورونا، الأمر الذي أدى اليوم الى تفاقم تداعيات ارتفاع أسعار الطاقة حول العالم وحصول موجة من التضخم بفعل ارتفاع حجم الطلب على السلع وانخفاض حجم العرض من هذه السلع.
تداعيات القرار على الاقتصاد العالمي
صحيح ان رفع معدلات الفائدة حصل في الولايات المتحدة الاميريكية إلا أن تداعياته طالت الاقتصادة العالمي حيث تأثرت أسواق المال والاسهم في البورصة وكذك حصل تأثير مباشر على اسعار الطاقة والذهب والعملات الرقمية وحصل وسيحصل في الايام القادمة تأثيرات مباشرة على سياسات البنوك المركزية العالمية التي سارع معظمها الى التماهي مع القرار الاميركي خوفاً من حصول تأثيرات مباشرة على حجم السيولة النقدية المتداولة في بلدانها ومن أجل منع هروب الرساميل منها نحو البنوك الأميركية التي تستطيع استقطاب هذه المبالغ بفعل الملاذ الآمن للاستثمار من خلال تحويله الى ادخار مربح والذي سيوفره معدل الفائدة المرتفع الموجود في المصارف الاميريكية. حيث اندفعت البنوك المركزية في سويسرا وبريطانيا وأستراليا وكندا والبرازيل وغيرها من الدول العالمية الاخرى الى رفع سعر الفائدة على عملاتها من اجل ضبط حركة خروج الاموال منها ومنع تحويلها الى الخارج بالعملة الدولارية وكذلك قامت 4 بنوك خليجية في قطر والسعودية والامارات والبحرين برفع سعر الفائدة بنسبة مماثلة لقرار الفيدرالي الاميركي وكذلك رفع بنك الكويت المركزي سعر الفائدة بنسبة ربع في المئة حالياً مشيراً الى امكانية رفعها اكثر في الايام القادمة بعد دراسة حجم التأثير على الاسواق المحلية.
تأثيرات القرار على اقتصاد الدول الناشئة
1- فور صدور القرار الاميركي سارع المستثمرون حول العالم نحو حيازة عملة الدولار باعتبارها باتت قوية بفعل الانخفاض المتوقع لكميتها من الاسواق المالية العالمية .
2- اصبح القلق ينتاب المستثمرين الكبار في سندات الديون السيادية الخاصة في الدول الناشئة وذلك لان رفع سعر الفائدة على الدولار سيساهم في حصول نقص في الدولارات المتاحة في الاسواق الناشئة.
3- وجود قلق من مخاطر ارتفاع فاتورة الواردات في الدول الناشئة مما سينعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين.
4- تخوف كبير من ارتفاع كلفة الديون الخارجية في هذه الدول لان رفع معدل الفائدة الاميركية سيخلق ازمة تخلف في سداد الديون بالدول الناشئة.
5- الاستقرار المالي سيصبح مهددا في هذه الدول بفعل اهتزاز الموازنات العامة فيها.
6- سيحصل هروب للرساميل منها الى الاسواق الاميركية حيث ستستقطب البنوك الاميركية هذه الرساميل بفعل إغراءات اسعار الفائدة.
تجدر الاشارة الى أن الدول الناشئة هي الدول التي نجحت في الخروج من التخلف بفضل تنامي الاقتصاد فيها حيث يسمح هذا التنامي بوضع أسس للتنمية المستدامة من خلال بناء بنية تحتية، علماً ان هذه الدول عموماً تمتلك موارد طبيعية ضخمة تمكنها من ان تصبح سوق مالية جذابة لرؤوس الاموال ومن ابرز هذه الدول اليوم هي البرازيل والهند.
العهد الاخباري