كتبت صحيفة “النهار” تقول: من دون أي شك سجل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي سابقة حملت كل عوامل المفاجأة و”المباغتة” في تقديمه تشكيلة حكومية ،هي اقرب الى تعديل وزاري لا يطاول سوى خمس حقائب ، وانما بسرعة قياسية لم يتوقعها اقرب المقربين منه كما ابعد المتحفظين عنه . اذ ليس في تجارب تشكيل الحكومات ان وضع رئيس مكلف مشروع تشكيلته الحكومية في مرمى رئيس الجمهورية بعد اقل من 24 ساعة من انهائه الاستشارات النيابية غير الملزمة بما عكس تطورا استثنائيا للغاية بدا معه ميقاتي كأنه قرر الانقلاب على معادلة استنزاف الوقت بعدما حاصرته معظم الكتل والقوى السياسية في زاوية “الزهد” في السلطة او “التعفف” عن المشاركة في الحكومة كما وصفه هو فانبرى الى مبادرة مفاجئة تحمل الكثير من عوامل المخاطرة خصوصا لجهة ردة الفعل المرتقبة للعهد “بشقيه” الرئاسي الرسمي و”التياري” السياسي . وبالفعل فان طلائع الرد العوني السلبي لم تتاخر عبر اعلام “التيار الوطني الحر” ولا عبر الردود السلبية على ميقاتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي علما ان ذروة “تجرؤ” ميقاتي برزت من خلال “انتزاعه” حقيبة الطاقة من “التيار” للمرة الأولى منذ اكثر من عقد ونصف العقد حين صارت هذه الحقيبة بمثابة “اقطاع” مكرس ل”التيار” وتسبب احتكاره لها باسوأ التداعيات اطلاقا في انهيار القطاع . وعلى خلفية المعركة الناشبة بقوة بين ميقاتي و”التيار” على ملف الطاقة والكهرباء استأثرت مبادرة ميقاتي في نزع الحقيبة من “التيار” واسنادها الى وليد سنو بمعظم الدلالات الثقيلة لمسارعته الى تقديم التشكيلة التي جاءت بمثابة تعديل وزاري محدود وسريع ولكنه ينطوي على كثير من الابعاد التي ستترجمها ردود الفعل المرتقبة بدءا من اللحظة التي سيقرر فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ، على ما تشير كل المعطيات، الرد سلبا على التشكيلة وهو الامر الذي ترجمته عمليات تسريب المعلومات وصولا الى تسريب التركيبة كاملة بيد الرئيس ميقاتي امس .
ميقاتي برر خطوته الخاطفة ب”الخيارات الضيقة جدا ولان الوقت مهم جدا”، فكان ان وصل الى قصر بعبدا في ساعة مبكرة صباحا حاملا التشكيلة الحكومية التي قدمها الى الرئيس عون . المؤشر الأول الى عدم استساغة عون لهذه الخطوة جاء عبر ما سربته قناة “او تي في” التابعة ل”التيار الوطني الحر”، اذ سارعت الى اعتبار “ان تشكيلة ميقاتي قُدمت بقصد عدم الموافقة عليها وهي مؤشر أولي إلى أنه لا يريد حكومة قبل نهاية ولاية الرئيس عون”.
وتبين وفق معلومات “النهار” وبعد الاطلاع على التشكيلة أن 5 حقائب فقط تبدّلت أسماء وزرائها في التشكيلة المقدّمة. وبقيت أسماء ما تبقى من وزراء على حالها، بالاستناد إلى صيغة حكومة تصريف الأعمال. وتشمل التعديلات كلاً من وزارة المال، الطاقة والمياه، الاقتصاد، الصناعة والمهجرين. وتضمنت المسوّدة إسم النائب السابق ياسين جابر عن حقيبة المال بدلاً من الوزير يوسف الخليل. وانتقلت وزارة الطاقة إلى المهندس وليد سنو كبديل عن الوزير وليد فياض. ويستمرّ الوزير جورج بوشكيان في التشكيلة الوزارية المقدّمة، مع تعيينه وزيراً للاقتصاد بدلاً من وزارة الصناعة التي انتقلت إلى المصرفي وليد عساف. ولوحظ أن الحقائب المعتبرة سيادية حافظت على توزيعها الطائفي، مع الاشارة إلى أن تعديل إسم وزير المال بقي ضمن الإطار المقرّب من رئيس مجلس النواب نبيه بري. وفي الموازاة، شهدت بعض الوزارات تبدلاً في توزيعها على المذاهب، فانتقلت وزارة الطاقة من الأرثوذكس إلى شخصية سنيّة والاقتصاد من السنّة إلى الأرمن. وذهبت وزارة الصناعة إلى الدروز والمهجرين إلى الأرثوذكس. على المستوى الرسمي المباشر اختصرت بعبدا موقف رئاسة الجمهورية إزاء المسوّدة المقدّمة، بالإشارة إلى أن رئيس الجمهورية ميشال عون تسلّم التشكيلة الوزارية وسيدرس تفاصيلها أولاً قبل التعبير عن موقف حيالها. ولم ترفض الرئاسة الأولى المسوّدة الحكومية، على عكس ما تردّد في بعض الأجواء .
ماذا وراء المفاجأة؟
وتفيد المعطيات ان ميقاتي بخطوته المفاجئة رد على من يتهمونه بأنه لا يريد تشكيل حكومة جديدة ، بتقديمه تشكيلة هي نسخة منقحة عن الحكومة المستقيلة بحجمها وتوازناتها، فلم يبدّل سوى خمس حقائب وباسماء خمسة وزراء، هم المال من الحقائب السيادية بحيث ابقاها مع الطائفة الشيعية مستبدلاً يوسف خليل بالوزير والنائب السابق ياسين جابر ،والطاقة التي رشح لها شخصية سنية هي وليد سنو بدلاً من الوزير وليد فياض والاقتصاد مرشحاً لها وزير الصناعة الحالي جورج بوشيكيان مكان امين سلام،والصناعة سمى لها شخصية درزية هو الصناعي وليد عساف مكان وزير المهجرين عصام شرف الدين.
ميقاتي رمى الكرة في ملعب رئيس الجمهورية الذي اخذ التشكيلة ليدرسها على ان يعود للتشاور بشأنها مع الرئيس المكلف، وقد يطلب تعديلها وفق المعطيات .
فيما اوساط التيار الوطني الحر اعتبرت ان ميقاتي لا يريد تأليف حكومة وهو لذلك قدم تشكيلة كيلا تقبل .
حرب التسريبات
التشكيلة بخط يد ميقاتي سرعان ما سرّبت لوسائل الاعلام في مؤشر واضح الى محاربتها . وقد نفت مصادر قصر بعبدا التي وجهت اليها الأصابع ان تكون مصدر تسريب التشكيلة الحكومية وقالت انه “ليس من عادة دوائر القصر اعتماد هذا الاسلوب وان ما تريد بعبدا قوله او نشره توزعه بالطرق الرسمية وفقا للأصول”.
ولكن المكتب الاعلامي لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اصدر ليلا بيانا اتهم فيه بوضوح قريبين من رئيس الجمهورية بالتسريب وجاء فيه : “على أثر الضجة التي أثارها تسريب بعض المحيطين برئيس الجمهورية العماد ميشال عون مسودة التشكيلة الحكومية التي سلمها الرئيس ميقاتي الى رئيس الجمهورية، عمد “مَنْ نفى التسريب” الى توزيع خبر عبر أحد المواقع الالكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي مفاده “ان الفريق المحيط بالرئيس ميقاتي هو من سرّب المسودة”. يهمنا في هذا الاطار التوضيح أن اسماء من سرّب التشكيلة ومن سُرّبت اليه من الصحافيين معروفة وموثقة بالوقائع والادلّة، ومن الافضل ان لا يلعب “المسرّبون”بنار تؤذي زملاء نحترمهم ونقدرهم. كما ان عجلة التسريب فضحت “المسّرب” الذي ابقى على علامات بالغة الدلالة على النسخة المسرّبة، ففضحته.
إن القصد من تسريب التشكيلة واضح للعموم، والرسالة وصلت، ونعلن وقف السجال لانجاح السعي الحثيث لتشكيل الحكومة وصونا لمقام رئاسة الجمهورية”.
ماذا بعد؟ هل تبقى هذه الصيغة محط تشاور وطلب تعديل من رئيس الجمهورية ام يقدم ميقاتي تشكيلة جديدة؟!
لا شيء واضحاً سوى ان الكباش بدأ قبل نحو شهرين على الدخول في مدار استحقاق الانتخاب الرئاسي ،وثمة استبعاد لحكومة جديدة قبل انتهاء العهد. وقد تقدم صيغة وراء اخرى وقد يكون مصيرها حرق الوقت، لتبقى الحكومة المستقيلة تصرف الاعمال الى حين بدء عهد جديد أو لتملأ الفراغ اذا لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولعل ما تجدر الإشارة اليه هو ان هذا “الاختراق ” السريع في الاستحقاق الحكومي قوبل باطلاق وابل من التوقعات السلبية بانه لن يؤدي الى توافق يمرر التشكيلة الميقاتية . وسيتخذ الامر دلالات عابرة للداخل مع استضافة بيروت اجتماع وزراء الخارجية العرب في لقاء تشاوري صباح السبت المقبل، في فندق الحبتور – سن الفيل ولو ان الاجتماع مقرر للتحضيرات لعقد القمة العربية المقبلة في الجزائر ولكن لا بد من توقع الحد الأدنى من الاهتمامات بالواقع اللبناني في ظل تحرك الاستحقاق الحكومي . وسيعقد الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط ووزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، مؤتمرا صحافيا السبت يتناولان فيه أعمال الوزراء والتطورات المحلية والخارجية.
وكان الرئيس ميقاتي اعلن بعد اللقاء مع عون انه “في ضوء الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجريتها امس، وجدت ان الخيارات ضيقة جداً وأن الوقت مهم جداً. جوجلت الافكار التي طُرحت خلال الاستشارات، وزرت فخامة الرئيس وتشرفت بلقائه هذا الصباح وسلمته تشكيلة الحكومة التي أراها مناسبة في هذه الظروف. وتعلمون واعلم كم ان الوقت مهم، فطلب فخامة الرئيس ان يدرسها ويعود اليّ بها”. ورداً على سؤال عن نوع التشكيلة او توصيفها قال ميقاتي ان “التشكيلة باتت موجودة لدى فخامة الرئيس”.
وفي وقت لاحق قال ميقاتي “قرار تقديم التشكيلة اتخذته ليلاً وبخط يدي بعد ان تعفف الجميع عن المشاركة واصبحت الخيارات ضيقة” .
جعجع
واستبعد رئيس حزب “القوات اللبنانية ” سمير جعجع مساء امس تشكيل حكومة جديدة وتوقع في حديث الى “تلفزيون لبنان ” الاستمرار في حكومة تصريف الاعمال . ورأى ان الرئيس عون يريد حكومة لتعزيز موقع جبران باسيل فيها من خلال التعيينات المطلوبة للسيطرة على الدولة لا حكومة انقاذ . وقال نحن فخورون باننا لم نسمح لحكومة معتورة ان تتشكل ومن يرفض التنسيق مع الاخرين عليه تحمل المسؤولية في ما بعد ” . ووصف عهد عون بانه “عهد أسود أسود أسود وللأسف ألتقي بعض الناس يقولون إنه حتى أيام الحرب “تنذكر ما تنعاد” كان باستطاعتنا التوجه إلى المصارف وفتح اعتمادات ولا أحسد عون على ما وصل إليه عهده وسيتذكر الناس أنه عهد أسود”. وقال ان “حاكم مصرف لبنان أكيد أخطأ لكن الجميع يدرك الصفقات التي قامت بها السلطة السياسية التي كان بإمكانها إقالته وما يحصل اليوم ليس إحقاق الحق وما يحاول فعله عون قبل انتهاء ولايته إقالة سلامة وتعيين آخر من قبله “ليمشّي” أمورهم وهناك أسماء تم التداول بها”. ودعا الى منع عون من تشكيل حكومة على صورته مع باسيل قبيل نهاية العهد .