نبيل بومنصف – النهار
لن تكون ثمة غرابة اطلاقا الا يقف اللبنانيون لحظة عابرة اليوم امام مجريات معركة الاستحقاق الحكومي الذي انفجر بايدي لاعبيه فيما هم يحتسبون الفاتورة المخيفة للأسعار الجديدة للاتصالات الخليوية والانترنت “المضروبة ” بخمسة اضعاف فقط. عبر “مروحة” فواتير الرعب من أسعار الاتصالات الى “الامن الغذائي” الى أسعار المحروقات بنزينا ومازوتا وغازا الى أسعار الدواء الى كوابيس الاستشفاء ، لا ترانا في حاجة الى التنويه بان الجاري في كواليس التسريب والتسريب المضاد في تطوير لمعركة الاستحقاق الحكومي هو آخر ما يعني اللبناني الذي يقف امام خطر مجاعة وفقر شموليين هذه المرة بكل المعايير الكارثية للانهيار في ذروته.
لذا ومن باب تعميم الفائدة فقط غداة قيام الرئيس نجيب ميقاتي بسابقة في تاريخ تقديم التشكيلات الحكومية لجهة السرعة التي اعتمدها او لجهة التعديل المحدود في تركيبة حكومة مستقيلة قائمة بتصريف الاعمال فان ابرز ما يجب ان تسلط عليه هذه السابقة الأضواء هو احتمال ان يكون لبنان قد دخل من البارحة واقعيا المرحلة الانتقالية العبثية للاشهر الأربعة الأخيرة من العهد العوني مع كل ما سيستتبعه الهوس بالمعارك العبثية من تسريع لاخر متاهات الانهيار .
بصرف النظر تماما عن الأهداف التي قد تكون حملت رئيس حكومة تصريف الاعمال على تقديم التعديل الوزاري الخماسي كأسرع مشروع تشكيل حكومة في تجارب الاستحقاقات الحكومية ، وما دام اللبنانيون لا يقيمون اعتبارا حاسما لاي حكومة في فترة العبور الى نهاية العهد الا بقدر ما يمكن ان تخفف من تداعيات “جحيمهم” ، لن يكون غريبا ان يغدو اجهاض هذه المحاولة من جانب العهد سقطة سياسية تضاف الى تراكم مديد طويل من السقطات المماثلة . حتى لو صحت الاتهامات المساقة ضد الرئيس المكلف في استدراج العهد الى رفض تشكيلته وتحميله تبعة التعطيل فان ذلك لن يخفف وطأة ثقل كبير عن تبعتين باتتا الان فورا في مرمى العهد . الأولى انكشاف متجدد لرفضه أي محاولة لكسر احتكار فريق العهد لملف الكهرباء الأشد قتامة وسوادا في حقه . وتحمل تبعات مرحلة العقم في ظل حكومة تصريف اعمال تلوح الشبهة والتخوف من ان تغدو هي “رئيس الجمهورية بالوكالة ” فيما لو حل الفراغ ضيفا جديدا على بعبدا في نهاية تشرين الأول .
والحال ان الرئيس ميشال عون هو اكبر الخبراء المخضرمين بل احد اكبر الرموز اللاعبين في تجارب المراحل الانتقالية منذ اللحظة التي صار فيها لباسه السياسي ينافس البزة العسكرية منذ كان قائدا للجيش . تشاء الاقدار “الغاشمة” ان يبدأ الرئيس الجنرال في هذه الخاتمة الماثلة الان لعهده ان تضعه في موقع تلقي أسوأ ما يمكن ان تشكله المراحل الانتقالية المنذرة بشرور متطايرة لا تلائم عهده اطلاقا في مرحلة افوله ، فيما تسجل المراحل الانتقالية في التاريخ العوني احدى ركائزه الأساسية في توسل الضغوط وعرقلة الانتظام الدستوري لتحقيق أهدافه بالوصول الى السلطة والرئاسة . لا ترانا في حاجة الى التذكير بمرحلة منع انتخابات الرئاسة طوال حكم الحكومة العسكرية برئاسة عون بين 1998 و1990 ولا أيضا بمرحلة فرض الفراغ الرئاسي بين 2014 و 2016 وهما “اشهر” تجارب المراحل الانتقالية التي شلت الاستحقاقات الدستورية في ارث العونية ولحسابها قبل الطائف وابانه وفي ظله . الان الرئيس هو “النظام” من الناحية الدستورية المبدئية ولكنه يقف عند مقلب مقبل على ان يتذوق فيه مر “ابداعاته” إياها!