نداء الوطن –
يتزايد الإعتداء على حقوق الإنسان في لبنان، مع الأزمة الاقتصادية التي تطال كل مستويات الحياة. وصل هذا التعدي على الحق في التعلم الذي يتمتّع به الأطفال والتلاميذ، وذلك بفعل الضائقة الاقتصادية، التي رفعت الأقساط المدرسية. هذا التدني في نوعية الحياة فرضته السلطة السياسية على الشعب اللبناني وانعكس على التعليم، وحكماً سيولِّد جيلاً جديداً متنافراً اجتماعياً وفق معادلة: الفقر يولّد التنافر.
كيف سيتأقلم الأهل مع تقسيم الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة، بين الدولار الطازج، والليرة اللبنانية بالتوازي وهي زودة إضافية عن تلك التي حصلت العام المنصرم. سألت «نداء الوطن» أبناء كسروان والمتن وجبيل عن واقعهم المستجد، ووجدت أن هذا السؤال يشغل بال الاهل، إضافة الى إشكالية تأمين لقمة العيش.
ما هي الخيارات أمام الأهل؟
مرّت السنة المنصرمة على شادي (موظف في شركة من جبيل) بخير. استطاع دفع ما يلزم، طالما أن المبلغ هو تحت العشرة ملايين ليرة لبنانية، لكن مع انتشار نبأ رفع القسط الى الـ13 مليون ليرة إضافة الى مبلغ بالدولار بين الأهالي، ركض ليحصل على الإفادة المدرسية لتسجيلهم في مدرسة أخرى. راتبه الذي لا يتخطى الثلاثة ملايين ليرة، لا يمكّنه من ان يدفع فاتورة المولد حتى، كيف يمكنه إذاً تأمين أقساط مدرسية مع كلفة النقل التي أصبحت توازي الأقساط. الحل عنده كان بنقلهم الى مدرسة أقساطها اقل.
اما جوزفين (اسم مستعار) التي تعمل في القطاع العام، يؤثر الراتب المتدني على مستقبل أولادها، فباشرت بإجراءات نقلهم من إحدى المدارس الباهظة الثمن في كسروان. ومن تلك الإجراءات بيع مقتنياتها من الذهب، والتي كانت هدية عرسها يوماً. وجدت أن صندوق الإعاشة في المدرسة الجديدة فعّال، فهكذا ترمي ثقل الأول عليه والثاني تتكفل به.
لورانس (اسم مستعار موظفة في مدرسة) غير قادرة في الوضع الحالي على دفع كل المستحقات المستجدة، لكن لجنة الاهل في مدرسة أولادها في المتن غير متفقة لمجابهة المدرسة برفض هذه الزيادات، وهذا الانقسام والخوف من استعمال الأطفال رهينة ووسيلة ابتزاز ان كان بتميزهم في الصف او «بهدلتهم»، جعلها ترضخ للأمر الواقع. دلتنا على آخرين من لجان الاهل، نقلوا أولادهم الى مدارس شبه مجانية داخلية، فهناك النقل مؤمن والملابس والأكل. اما الذين يودون نقل أولادهم الى مدارس رسمية مثل جميل القلق بسبب إضرابات الأساتذة التي حصلت العام المنصرم، فمضطر إلى البحث عن مدرسة رسمية قرب منزله. يذهب التركيز عند بعض الأهالي على قيمة النقل، مثل توفيق الذي كان أوكل مهمة تدريس ابنه الى مدرسة خاصة مجانية لكن المسافة البعيدة عن المنزل في المتن أجبرته هذا العام البدء جدياً بالبحث عن مدرسة خاصة قريبة من المنزل وقسطها يضاهي كلفة النقل للعام المنصرم.
كيف تعاملت المدارس مع غلاء المعيشة؟
سألت «نداء الوطن» عدداً من المدارس عن «مواكبتها» غلاء المعيشة، ووجدت أن 100% من المدارس في المتن وجبيل وكسروان ستزيد أقساطها وستعتمد أيضاً زيادة بالدولار، عدا عن تلك الخاصة المجانية. يخبر إداري في المدرسة الألمانية (جونية) ان نسبة الدفع كانت في العام المنصرم مقبولة مع بعض التقسيط وتسهيلات زمنية. هذه السنة ستتضاعف الزيادة عمّا كانت عليه الى الف ومئة دولار على الولد، إضافة الى مبلغ في الليرة اللبنانية. وذلك بسبب رواتب الأساتذة، إضافة الى ارتفاع في أسعار حاجيات المدرسة والتي تدفع بالدولار. وفق حسابات المدرسة، هذا المبلغ مخفض عن مصروف المدرسة الفعلي، الا انه سيتم اعتماد سياسة تقشف. ماذا عن منع وزارة التربية تقاضي مبالغ بالدولار والقانون؟ أجابت الإدارة بسؤال عما ان كانت وزارة التربية تتحمل المصاريف المترتبة على المدرسة. الألمانية كانت من بين الأقلية التي أجابتنا عكس مدرسة الوردية (جبيل) التي تفضل ألا تجيب عن معلومات متداولة بما خص رفع الدولار، بمعنى انها أصبحت أمراً واقعاً. ستزيد مدرسة المنصف بالفريش كما اللبناني والأسباب هي غلاء المعيشة. نسأل: ماذا عن الموازنة ؟ أجابت الإدارة: فليأت الأهل للاطلاع عليها! أما إن تعدّى عدد الأولاد الولد الواحد فممكن أن تستفيد العائلات من خدمة مساعدة الطلاب. تهربت مدرسة «الليسيه دو فيل» (كسروان) من الجواب رامية الطابة في ملعب السفارة الفرنسية، التي تسلّمت إدارة المدرسة. من أجاب على اتصالنا، أشار الى ان المدير العام لا يستطيع ان يكلمنا لانه لا يعرف التفاصيل المالية، وهو فرنسي.
وفي المتن وفق الأب سمير غصوب مدير مدرسة سانت ريتا، حاولت المدرسة أن تحافظ على مستوى معين من رفع الأقساط، لتكون أرخص مدرسة في المتن، لكن مع ذلك هناك الزيادة بالدولار بنسبة 200 دولار وهي موحدة لكل المدرسة، ويأمل الأب غصوب بمساعدات من الدولة وهبات. اما مدرسة «لويس فاغمان» فلا معطيات لديها ولا مؤشر على عملية نقل منها.
أحد المصادر الرفيعة المستوى في القطاع التربوي والناشط في حقل المدارس الرسمية أكد ان معطيات المدارس الكاثوليكية هي أن هناك 20% انتقال الى المدارس الرسمية، مؤكداً انه ان وضعت وزارة التربية خطة لإدارة الازمة فممكن أن تتحمل المدارس الرسمية هذا العدد من المنتقلين، لافتاً الى إمكانية فتح صندوق بإذن من وزارة التربية لتحصيل أموال إضافية تدفع لتعبئة المازوت للتدفئة في الشتاء.
ما موقف لجان الأهل من هذه الزيادات؟
تقدر رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لما الزين طويل واقع أن هناك زيادة حتمية للأقساط، لكن كل ما هو مطلوب من المدارس أنه قانوناً إن الهيئة المالية في لجنة الاهل، هي من تحدد القسط بعد دراسة الموازنة. ولذلك يجب ان تقدم المدارس كامل المستندات للهيئة المالية للتدقيق لأنها لن تحصل على «شك» على بياض دون تدقيق لمعرفة ان كانت الزيادة محقة أو غير محقة، اذ ان هناك مبالغات بادر بها بعض المدارس التي من المفترض ان تكون قد كوّنت فكرة عن مصروفها منذ العام المنصرم. عتبها على وزارة التربية كبير فهي فقط توصي بالامتثال الى القانون 515، وإذا لم تفعل المدرسة فهي تحيلها الى مجالس تحكيمية – وهي بحكم غير الموجودة. ولكن تجتمع منذ أسبوعين الوزارة مع الأهالي والمدارس لايجاد صيغة «تنظيمية» لهذه الزيادات. تنصح الأهالي بدفع المبلغ باللبناني فقط وعدم دفع المبلغ بالدولار فهو غير قانوني، فطالما القضاء التربوي متغيب (لم يشكل منذ عشر سنوات) المدارس لن تمتثل للقانون، كما ان هناك 35 دعوى لم تبت في جبل لبنان عن يد المجلس التحكيمي لذا تم اللجوء الى قضاة العجلة للاعتراض على الزيادات. تدقق لما الطويل بالصندوق المسمّى للعائلات سائلة: هل هذا الصندوق «البدعة» هو إلزامي أو تبرع؟ فلا يمكن ان يكون ملزماً للأهل، وعليه تضم الهبات التي تأتي الى المدارس، المطلوب الاطلاع عليها.
ما التأثير النفسي لتغيير المدارس على الأطفال؟
انتقال الأولاد من مدرسة إلى أخرى إن حصل التكرار قد يكون سلبياً وفق المعالج النفسي ايلي أبو شقرا اذ انه ان تم قطع العلاقات مع محيطه في مدرسته التي كان بها وانتقل الى أخرى فسيشكل الأمر بالنسبة اليه صدمة، إلا ان كان للمدرسة التي كان فيها تأثير سلبي عليه بالأساس. ينصح أبو شقرا ان كان التلميذ ما دون العشر سنوات ان يتعرف على المدرسة مسبقاً ويكون هناك مرحلة تحضيرية. اما المعالجة النفسية كارول سعادة فاعتبرت ان الظروف الاقتصادية وقعها سيكون صعباً على الاهل والأطفال كذلك الامر، ولكن النقل من مدرسة لأخرى قد يكون مثمراً، فهناك فرصة التعرف على جو جديد، فلا يجب ان يكون هناك تشاؤم، خصوصاً ان الطفل ان تخطى الـ 6 سنوات، قد يكون اصبح متمكناً من تفهم الوضع الاقتصادي المستجد ويجب الاجابة عن أسئلته بوضوح. تشير د. سعادة إلى أن على المدرسة الجديدة التي سينتقل اليها أن تساعده على الاندماج ونسج علاقات مع زملائه إضافة الى دور الاهل، وان شعر الأهل بعوارض حزن، يمكن التنسيق مع المدرسة لمرافقته في المرحلة الانتقالية بإيجابية التي ستنعكس على الطفل.