السبت, نوفمبر 23
Banner

لا تواصل بين الرئيسين.. ميقاتي: «عَ العصــفورية».. فرنسا: تأخير الإنقاذ مكلف جداً

كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:

يتلخص لبنان بصورتين؛ يتبدّى في الأولى كابوس الأزمة وأعبائها المأساوية على اللبنانيين في كل مفاصل حياتهم، وامّا الصّورة الثانية فهي الأكثر فضائحية على وجه الكرة الأرضية، تعكس إدارة سياسية لشؤون البلد وأهله، هي الأسوأ في تاريخ لبنان، والأبعد عن تطلعات وطموحات شعبه. واستحق القيّمون عليها والمتحكّمون بالسلطة والقرار، عن جدارة، لعنة الناس.. كلّ الناس.

الواقع اللبناني صار في أعلى درجات ارتجاجه وتمزّقه، إلى حدّ لا تنفع معه أي ماكياجات او محاولات ترقيع الفسوخ التي ضربت هيكله. وفي مقابل هذا الواقع المرير يتموضع إفلاس وسقوط تام لطبقة الحكّام في انعدام مسؤوليتها الوطنية، وفي اجتماعها على البلد وليس لأجله، وفي نسفها المتعمّد للاستحقاقات والخطوات والاجراءات البديهية، لا بل الأكثر من واجبة وملحّة، التي يمكن ان تبني لبلدٍ يطرق باب الانهيار الكامل كل لحظة، جسر عبور إلى برّ الأمان، وفي تركه رهينة لأهوائها ومعلقًا على حبل حساباتها السياسية والحزبية الضيّقة.

المناخ السائد في هذه المرحلة لا يوحي بأنّ هناك من يكترث لمصير وطن وشعب، بل إمعان في التخريب وإعدام الأمل باستعادة هذا البلد من جحيم الأزمة، وإحياء دولة فقدت أعز ما تملك؛ هريان ضارب في كل مفاصلها وإداراتها وقطاعاتها ومؤسساتها وبناها الفوقية والتحتية، لا هيبة، لا قانون، دولة مستباحة لفلتان الزعران، وشعبها رهائن للصوص من كل الأنواع، وثبت بالدليل القاطع أنّ أكثر اللصوص احترافاً وإجراماً هم لصوص المصارف بسرقتهم لمدخرات اللبنانيين وابتلاعها، من دون حسيب او رقيب، وتحويلهم المودعين إلى متسولين لحقوقهم.

أمام هذا السقوط يجب ان نتوقع كل شيء. وأمام فقدان الدولة لهيبتها، يجب ان نتوقّع استفحالًا للفلتان في كل المجالات. وأمام الشغور القائم في مركز القرار – وإن كانت تحتله كائنات بشريّة خاملة ومتراخية وفاقدة للحدّ الأدنى من المسؤولية – تصبح كل موبقة مباحة. وأمام غياب الحسيب والرقيب والراعي المسؤول عن رعيته، تصبح الأمرة لشريعة العصابات وقطّاع الطرق وناهبي الأرزاق.

مخاوف

وإذا كان المناخ العام قد صنّف الفترة الفاصلة عن انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون كمرحلة انتقالية، من عهد رئاسي راحل، إلى عهد جديد آتٍ، الّا انّها في وضع مهترئ كالذي يعيشه لبنان، يُخشى مع إهمالها وتضييعها من ان يتأسس على عدم استغلالها بخطوات علاحية ما، المزيد من المصاعب والتعقيدات. وهو ما حذّر منه الموفد الفرنسي السفير بيار دوكان في لقاءاته التي أجراها على غير مستوى سياسي واقتصادي ونقابي في بيروت. وذلك بالتوازي مع انسداد الأفق الحكومي وتعطّل إمكانية تأليف حكومة في المدى المنظور، حيث بات المناخ العام يشي لهذه الناحية، أنّ تأليف الحكومة في هذا الجو المسدود، قد رُحّل إلى ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الذي يُفترض ان تبدأ ولايته اعتبارًا من 1 تشرين الثاني المقبل.

تحذير فرنسي

بحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ دوكان أبلغ من التقاهم في الأيام الأخيرة، والتي سيتابعها اليوم في لقاء مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القصر الجمهوري في بعبدا، وايضًا مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بأنّه ينقل رسالة فرنسية تؤكّد أنّ باريس والرئيس ايمانويل ماكرون لن يتركا لبنان. الّا انّهما ينتظران خطوات تنفيذية عاجلة من لبنان، تقود الوضع فيه إلى مدار الانفراج، الذي يبقى بعيدًا ما لم يبادر اللبنانيون إلى التقاط الفرصة والسعي الجدّي لإنقاذ لبنان.

وتؤكّد مصادر المعلومات، أنّ دوكان عبّر عن بالغ الأسف حيال ما آل اليه الوضع في لبنان، إن جراء تفاقم الأزمة وزيادة مصاعبها على اللبنانيين، او من التقصير الفاضح في عدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحدّ من سوء الوضع في لبنان، حتى أنّه عبّر عن تخوّف بالغ من انحدار كبير في لبنان، تصل فيه الامور إلى حدّ عدم تمكّن لبنان من توفير القمح والطحين للبنانيين.

وأشارت المصادر، إلى انّ دوكان اكّد لمن التقاهم، «انّ طريق العلاج السريع للبنان يبدأ بالسعي الحثيث والسريع لاتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي»، منبّهًا إلى انّ «كل تأخير في العلاج والانقاذ، ستكون كلفته كبيرة جداً».

ولفت دوكان إلى انّ «الفرصة ما زالت متاحة لبلوغ هذا الاتفاق واستفادة لبنان منه»، محذّرًا من انّ «تفويت هذه الفرصة التي ينبغي الّا تؤجّل إلى ما بعد الاستحقاق الرئاسي في لبنان، معناه انّه لن يبقى هناك أي اهتمام لإنجاز الصندوق عقد اتفاق مع لبنان، لأنّه بعد أزمة كورونا وتداعياتها وآثارها السلبية التي أرختها على مستوى العالم، إضافة إلى تداعيات وتأثيرات الحرب الروسية على اوكرانيا، وكذلك أزمة الجوع الحادة المتفاقمة على أكثر من ساحة دولية، فإنّ الدول المانحة امام هذا الوضع، قد لا يعود لديها اموال فائضة تقدّمها إلى لبنان، لا بل اكثر من ذلك قد تصل إلى لحظة لا تمتلك وقتًا تمنحه للبنان».

وتشير المعلومات، إلى أنّ دوكان كان مصرًّا على ان يبادر لبنان إلى التعجيل في انتهاج خطوات خلاصه، محذّرًا من انّ «تأخير تلبية لبنان للشروط والالتزامات التي طلبها صندوق النقد الدولي إلى ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان، هو خطأ قاتل يرتكبه من يفكر بهذا التأجيل، وخصوصًا انّ ما بعد الانتخابات الرئاسية قد لا يختلف عن المرحلة الحالية، ولذلك على لبنان ان يسارع فورًا إلى الإيفاء بالتزاماته، ويشرع فورًا في تحضير الارضية لإتمام الاتفاق مع صندوق النقد، الذي يجنّب لبنان السقوط أكثر. وعلى اللبنانيين ان يعلموا انّ وضع بلدهم اصبح ميؤوسًا منه، ونزيفكم المالي اصبح نهراً. فبلدكم ينتحر، فيما هو يمتلك ثروات وغنى كبيراً، في امكانه ان يستثمرها، فساعدوا أنفسكم».

ولفتت المعلومات إلى انّ دوكان شدّد على خطة التعافي وأهميتها، «لكن الأهم هو ان نلمس في لبنان خطوات ومبادرات لبنانية لكي ينقذ اللبنانيون بلدهم وانفسهم»، مشدّداً في الوقت نفسه على «ضرورة الإسراع في اقرار المجلس النيابي لقانون السرية المصرفية و«الكابيتال كونترول» وإنجاز الموازنة العامة، كلها خطوات مطلوبة ومساعدة، فأي شيء يمكن إنجازه في هذا السبيل، بالتأكيد هو افضل من لا شيء».

لا حراك حكوميًا

وسط هذه الأجواء، يبقى الجمود مسيطرًا على ملف تأليف الحكومة، ولا تواصل مباشرًا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي. واللافت هنا، ما قاله مسؤول سياسي لـ«الجمهورية» في معرض انتقاده لما سمّاه «التفاهم الحبي» بين جماعة التأليف على عدم التأليف: «رئيس في قصر بعبدا، ورئيس في السرايا الحكومية، وكلاهما يجتمعان على شعار «اللي عند بيت اهلو على مهلو».. والبلد بالإذن من الرئيس ميقاتي بقلب العصفورية».

وكان الرئيس ميقاتي قد قال خلال رعايته امس احتفال «اهلا بهالطلة»: «لأننا في هذه الأيام السوداء نرى ضوءًا ساطعًا يلمع في قطاع اقتصادي مهم ينمو ويكبر وينجح. هذا هو لبنان، ويجب أن يكون لدينا دائمًا الأمل، بأن لا خيار للبنان الّا أن يكون مزدهرًا وينمو نموه الطبيعي».

اضاف: «نمرّ اليوم بأوقات صعبة، ولا يجب الاّ نرى مقياس النجاح في أيام البحبوحة بل في الايام الصعبة، من هنا أردت أن اشارك في هذا اللقاء لأقول إنّ وزارة السياحة استطاعت أن تقوم بنقلة نوعية للسياحة في هذه الأوقات الصعبة». وتوجّه إلى وزير السياحة، قائلاً: «اخترتم للحملة شعارات من اغنيات لبنانية، اول حملة كان عنوانها «بحبك يا لبنان، كيف ما كنت بحبك» لفيروز واليوم «اهلا بهالطلة اهلا» لصباح. ونتمنى منكم جميعًا ان تدعوا معي إذا استمرينا في اختيار الأغاني كشعارات، الّا نصل الى اغنية عالعصفورية».

التمهيد للجلسة التشريعية

على صعيد آخر، يُنتظر ان يوجّه رئيس المجلس النيابي نبيه بري الدعوة الى عقد جلسة تشريعية مطلع الاسبوع المقبل، وفقاً لما تقرّر في الاجتماع الاخير لهيئة مكتب مجلس النواب في عين التينة، وعشية هذه الدعوة، دعا الرئيس بري إلى جلسة للجان المشتركة اليوم، لدرس ثلاثة مشاريع قوانين، يتعلق الاول بطلب الموافقة لإبرام اتفاقية بين لبنان والمنظمة الدولية الفرنكوفونية بشأن إنشاء ممثلية في الشرق الاوسط مقرها بيروت، والامتيازات والحصانات التي تتمتع بها في الاراضي اللبنانية، ويتعلق الثاني بإبرام مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال مكافحة حرائق الغابات بين لبنان وقبرص، واما الثالث فيتعلق باتفاقية قرض بين الجمهورية اللبنانية والوكالة الفرنسية للتنمية، للمساهمة في تمويل استثمارات للقطاع الخاص في مجال توليد الطاقة والطاقة المتجددة.

الوفد الاميركي

في هذه الأثناء، تابع وفد مجموعة العمل الاميركية من اجل لبنان لقاءاته في بيروت، حيث التقى امس وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، وقال رئيس الوفد السفير ادوارد غبريال: «أتت مجموعة العمل من اجل لبنان إلى بيروت والتقت صانعي القرار ومسؤولين في الحكومة اللبنانية وبرلمانيين وشخصيات اخرى من بينهم قائد الجيش الذي بحثنا معه وضع الجيش اللبناني. وتعمّقنا في هذه اللقاءات في بحث الوضع في لبنان وأهمية التحرك سريعاً من اجل إنقاذ البلد الذي نتحدر منه، من المزيد من الانحدار. لذا نحث المسؤولين على العمل بشكل عاجل لملاقاة مطالب صندوق النقد الدولي من خلال الإصلاحات بغية التعافي الاقتصادي».

اضاف: «كما بحثنا مسألة ترسيم الحدود البحرية، وأكّدنا انّها قرار سيادي يعود للبنان، لكننا نرى انّها فرصة للبنان، ونافذة الفرصة هذه ستُقفل، وعندئذ لن تكون هناك فرصة أخرى لتسوية المسائل بين البلدين لقرون. وهذا يعني انّ لبنان لن يكون قادرًا على العمل في المنطقة المتنازع عليها، ولن يكون هناك من شركات ستأتي للتنقيب في المناطق المتنازع عليها. وآمل بالتالي ان تتم الاستفادة من الفرصة الصغيرة المتاحة الآن، من ضمن قرار سيادي للبنان، لوضع تصور للتسوية عبر التفاوض، تضمن مصلحته. ونأمل ان يستطيعوا فعل ذلك، ونحن داعمون للبنان في هذا المسار. وقد تحدثنا مع من التقيناهم في ضرورة ان يجتمعوا معًا من اجل صالح بلدهم، وان يضعوا اختلافاتهم جانبًا».

والتقى الوفد ايضًا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي اكّد امام الوفد» انّ «القوات» تتواصل في الملف الرئاسي مع الجميع، في مسعى دؤوب وجدّي للبحث عن مرشح يكون سيادياً في الدرجة الأولى ويتمتع بالنزاهة والشفافية المطلوبة لقيادة معركة الإصلاح الحقيقي».

وفي معرض الحديث عن ملف ترسيم الحدود البحرية عرض الوفد أجواء الولايات المتحدة الأميركية ومواقف القيادات اللبنانية من مسألة الترسيم. بدوره. فيما قال جعجع انّه «كان مطمئناً إلى مسار هذا الملف، الّا انّه اعرب عن تخوفه من ان يؤدي الخطاب الأخير للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى نقل هذا الملف باتجاه معاكس كليًا، ولا سيما انّ تصعيد نصرالله يصبّ في خانتين: إما انّه يدري انّ هذا الملف يتجّه نحو خواتيمه فأعلن تهديده كي ينسب الخواتيم الإيجابية له، مستمراً بنغمة توازن الرعب الزائفة التي يستقي منها استمراريته، وإما تهديده نابع من نية لدى الإيرانيين بإشعال فتيل الحرب انطلاقاً من لبنان».

قضية المطران الحاج

على صعيد آخر، تفاعل توقيف المطران موسى الحاج في الناقورة على مستويات عديدة، وتجلّى ذلك في مواقف إدانة واستنكار، وكذلك في اجتماع طارئ عُقد بعد ظهر امس في الديمان للمجمع الدائم (الهيئة الاستشارية المصغرة) برئاسة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذي أُفيد انّه مستاء من توقيف المطران ومن القاضي فادي عقيقي، كما افيد انّه تلقّى اتصالات من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي وشيخ عقل الموحدين الدروز، ومن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي ابلغه بأنّ توقيف المطران ونزع جواز سفره ومنعه من السفر كان تنفيذاً لقرار قضائي من القاضي عقيقي.

وصدر عن المجمع بيان اعتبر فيه «أنّ ما تعرض له المطران موسى الحاج أعادنا إلى أزمنة الإحتلال والولاة في القرون السابقة حين كان الغزاة والمحتلون يحاولون النيل من دور الكنيسة المارونية في لبنان والشرق». لافتا إلى «أنّ المطران الحاج، كسائر المطارنة الذين سبقوه على رأس الأبرشية، يلتزم توجيهات البطريركية المارونية ورسالة الفاتيكان، ويحرص دائمًا على القيام بدوره بشجاعة وحكمة وروح إنسانية في خدمة الحق والمعوز والمريض وخصوصًا في أزمنة الضيق والبلايا كالتي نعاني منها اليوم في لبنان».

وإذ رفض المجمع واستنكر «ما اقتُرف عن سابق تصور وتصميم، وفي توقيت لافت ومشبوه، ولغايات كيدية معروفة، بحق المطران الحاج»، استغرب «صمت الدولة تجاه ما تعرض له المطران. وطالب وزير العدل باتخاذ الإجراءات المسلكية اللازمة بحق كل من تثبت مسؤوليته في فعل الإساءة المتعمد. وذكر في هذا السياق، أنّها ليست المرة الأولى التي يقترف فيها مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية أعمالًا خارج الأعراف والمألوف. وطالب المجمع أيضًا مدعي عام التمييز إحالة القاضي عقيقي إلى التفتيش القضائي وتنحيته».

Leave A Reply