عاد «الدولار الجمركي» ليأخذ الحيز الأكبر من الاهتمام في لبنان مع بدء الخطوات العملية لإقرار رفعه، رغم ظهور خلافات سياسية وقانونية، بسبب استمرار الدولة اللبنانية في التعامل معه على أساس سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة للدولار) في وقت تجاوز سعر الدولار في السوق الموازية عتبة الـ34 ألف ليرة.
أولى هذه الخطوات بدأت أمس مع إرسال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كتاباً إلى وزير المال يوسف الخليل، يطلب فيه اعتماد سعر صرف الدولار الجمركي بـ20 ألف ليرة لبنانية، وهو ما لاقى اعتراضاً من قبل بعض الأفرقاء السياسيين.
كتاب ميقاتي أتى بعد لقاء وزاري ترأسه الأخير أول من أمس بحضور وزراء حكومته الذين يمثلون معظم الأفرقاء السياسيين، وأعلن بعده عن الاتفاق على تحديد الدولار الجمركي بـ20 ألفاً، ليعود بعدها ممثلو الأحزاب من النواب إلى إعلان رفضهم له وتشكيكهم بقانونيته.
وقال وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام أمس: «ننتظر جواب وزير المال على كتاب الرئيس ميقاتي وعلى الأرجح سيتم اعتماد سعر الـ20 ألفاً للدولار الجمركي».
واعتبر سلام أن تداعيات سعر الدولار الجمركي الجديد على أسعار السلع ستكون ضئيلة جداً، لأن «المواد الغذائية التي ستخضع للدولار الجمركي هي تلك التي لها مواد رديفة موجودة في لبنان وذلك لتحفيز القطاع الصناعي والصناعة اللبنانية».
وكان سلام أعلن صراحة في حديث إذاعي، عن تخوفه من قيام التجار بتخزين المواد الغذائية.
وقال وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم في حديث إذاعي إن «وزير المالية في حكومة تصريفِ الأعمال يوسف الخليل أبلغ خلال اللقاء الوزاري أمس (أول من أمس) الوزراء بُوُجُودِ صلاحية استثنائية تمَكّنه من تعديلِ قيمة الدولارِ الجمركي، وهذا ما سيقوم به بالتفاهم مع حاكمِ المصرِفِ المركزي».
– الأحزاب ترفض
وبعد تسريب كتاب ميقاتي الذي أثار تخوفاً من الفوضى في الأسعار وانعكاسه على المستهلك، خرج ممثلو الأحزاب ليعلنوا رفضهم له. وتحدث النائب علي حسن خليل من كتلة «حركة أمل»، بعد جلسة لجنة المال والموازنة، فقال: «حصل نقاش كبير حول الدولار الجمركي. يهمنا أن نؤكد أن هذه المسألة هي من صلاحية الحكومة بالكامل وفقاً لقانون الموازنة الذي صدر عام 2018 والذي يعطي للحكومة حق التشريع الجمركي لمدة خمس سنوات تنتهي عام 2023 وبالتالي رفع الدولار الجمركي ليس من صلاحية المجلس النيابي ولا لجنة المال والموازنة ولا نحن الذين نتحمل هذا الأمر، وليس بالتأكيد من صلاحية وزير المالية أو غيره من الوزراء، إنما يجب أن يكون هناك موقف كامل من الحكومة في تحديد هذا الأمر الذي على أساسه لا تكون الموافقة مباشرة تلقائية».
أضاف الخليل: «المطلوب اليوم وكما أكدنا باسم الكتلة خلال اجتماع لجنة المال والموازنة، إعطاء وتقديم دراسة حول الأثر الاجتماعي على حياة الناس، وتكلفة هذا الأمر على رواتب ومخصصات القطاعين العام والخاص وأثره على حياة الناس، وعلى التضخم أو الركود الذي يمكن أن يسببه على الوضع الاقتصادي».
النائب في «حزب الله» حسن فضل الله، قال: «الصيغة المتداولة في الإعلام للدولار الجمركي غير مقبولة، وعلى الحكومة توضيحها للرأي العام لأنها أدت إلى بلبلة في الأسواق، وإن كنّا إلى الآن لم نتبلغ شيئاً رسمياً، فإنّنا نرفض هذه الزيادة الكبيرة، ولا يمكن التعاطي مع هذا الأمر من زاوية حسابية رقمية، وكم يدخل إلى الخزينة، بمعزل عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية، فنحن لسنا شركة، بل دولة معنية بدراسة انعكاسات هذه الخطوة على المواطنين، وعلى موظفي القطاع العام، وعلى الأسعار والتضخم».
وسأل فضل الله: «كيف يتم رفع السعر بشكل كبير ودفعة واحدة؟ ولماذا على الأقل لم يعتمد أي تدرج وفق ما كان يُناقش سابقاً؟»، لافتاً إلى أنّ «زيادة الدولار الجمركي تتم من دون ضوابط وقدرة على الرقابة للجم الاستغلال والاحتكار، لأنّ الجهات الرسمية سواء كانت وزارات معنية أو قضاء لا تقوم بدورها في تطبيق القوانين والمحاسبة لمنع التلاعب بالأسعار».
وكان رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب في حزب «القوات اللبنانية» (غير الممثل في الحكومة) جورج عدوان رفض القرار وكتب عبر حسابه على «تويتر»: «الحكومة المستقيلة تحدد سعراً للدولار الجمركي، فيما المطلوب خطة اقتصادية مالية نقدية شاملة توحد سعر الصرف»، مضيفاً: «النتيجة هي الاستمرار في سرقة أموال المودعين. يقبضون على 8 آلاف ويدفعون على20 ألفاً ويصرفون على 32 ألفاً».
– خبير اقتصادي
يتحدث الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان عن تداعيات هذا القرار واصفاً إياه بالخطوة الناقصة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «عملياً رفع الدولار الجمركي لا يؤثر إلا على المستهلك مع الارتفاع الحتمي لأسعار المواد الاستهلاكية، لا سيما أن المشكلة في لبنان تكمن في أنه ليس لدينا اكتفاء ذاتي واقتصادنا استهلاكي بامتياز بحيث نعتمد على الاستيراد بنسبة 90 في المائة».
يضيف أبو سليمان: «القول إن الأساسيات لن يشملها الدولار الجمركي غير صحيح لأنه في الواقع الكماليات أصبحت من المواد الاستهلاكية الأساسية في حياة اللبنانيين»، متوقعاً أن يتراوح ارتفاع الأسعار بين 5 و30 في المائة.
ويجزم أن هذا القرار سيؤثر على المواطن واستهلاكه وسيؤدي إلى زيادة التهريب أو الاقتصاد الأسود الموازي، ويشدد على أن قراراً كهذا لا يتخذ في اقتصاد يعاني من ركود لأنها رسوم شمولية سـتقيّد الاقتصاد بدل أن تحفزه.
يقول أبو سليمان: «مهما قالوا إن القرار الجمركي سيشمل فقط المواد الاستهلاكية، عملياً سيطال معظم المتطلبات اليومية لأنه وبكل بساطة حياة المواطن لا تقتصر على استهلاك المواد الأولية فقط كالسكر والأرز».
الشرق الأوسط