أنطوان فرح – الجمهورية
سؤالان مطروحان بقوة في هذه المرحلة. الاول يتعلّق بمصير منصة صيرفة، واذا ما كان سيتمّ وقفها نهائياً. السؤال الثاني، يرتبط بمصير المصارف بعد انتهاء التقييم، وبالتالي ما هي المصارف التي ستستمر، ومن منها ستتمّ تصفيته، والأهم، ما سيكون مصير المودعين في هذه المصارف غير القابلة للحياة.
ساد الاضطراب في الايام القليلة الماضية، ولا يزال في عمل منصة صيرفة. وبدأت شكاوى المواطنين ترتفع حيال عدم تمكّنهم من ممارسة حقهم في شراء الدولارات من المصارف على سعر منصة صيرفة، كما ينصّ التعميم 161. في هذه الاجواء، انتشرت اخبار، وصلت الى حد تعيين موعد دقيق، مفادها انّ مصرف لبنان سيلغي منصة صيرفة نهائيا.
في الواقع، لا معلومات تدعم هذه الاخبار، ولا شيء يوحي بوجود قرار من هذا النوع. وفي الاساس، وفي حال كان المركزي يريد تغيير سياسته الحالية، فإنه قد يوقِف بيع الدولارات الى المواطنين عبر المصارف، لكنه لن يلغي منصة صيرفة لأنها الاداة التي يستخدمها في تأمين الدولارات لبعض القطاعات، كما انها الاداة التي يريد ان تكون المعيار الذي يمكن اللجوء اليه في المستقبل، لتوحيد سعر صرف الدولار.
ما جرى من اضطرابات في عمل صيرفة عبر المصارف، لا علاقة له بقرار إلغاء المنصة كما اعتقد البعض، بل يرتبط حصراً بالاقبال الاستثنائي الذي شهدته عملية شراء الدولارات عبر المنصة بسبب ارتفاع الفارق في سعر صرف الدولار بين صيرفة والسوق الحرة. هذا الاقبال جعل الكوتا التي يخصّصها مصرف لبنان لكل مصرف غير كافية لتلبية كل الطلبات. ومن هنا، تنوعت الاجراءات التي اتخذتها المصارف. بعضها خفّض سقف شراء الدولار لكل زبون، ومصارف اخرى أوقفت العمل بصيرفة بالكامل بانتظار الحل من قبل مصرف لبنان، وهناك مصارف اعتمدت اسلوب تأخير تنفيذ العمليات بهدف كسب الوقت لتقليص كمية تجاوز الكوتا المحدّدة من قبل المركزي.
اليوم، هناك اقتراحان لمعالجة الأزمة: إما أن يُقدِم المركزي على رفع الكوتا المخصّصة لكل مصرف، لكي تصبح قادرة على تلبية زيادة الطلب، وإما ان يقرّب السعر بين المنصة والسوق الحرة، عبر رفع السعر على «صيرفة»، او عبر خفض سعر الدولار في السوق الحرة من خلال ضَخ كمية من الدولارات. وأي كلام عن معالجات خارج هذا الاطار لا قيمة فعلية له.
في الملف الثاني، المتعلق بالنتائج التي قد تكون خلُصت اليها هيئة الرقابة على المصارف التي تولّت عملية جمع المعلومات عن كل المصارف اللبنانية وليس فقط عن الـ14 مصرفا التي حدّدها صندوق النقد الدولي، فإنّ الصورة لا تزال غامضة جزئياً.
وأيضا لا يمكن الركون الى الكلام الذي قيل انّ 5 مصارف فقط تبيّن انها قابلة للاستمرار وان بقية المصارف ستذهب الى التصفية. هذا الغموض لا يعني ان هيئة الرقابة لم تُنجز مهتمها، بل يرتبط بخطة التعافي بصيغتها النهائية التي سيتم الاعلان عنها لاحقاً. وللتوضيح، النتائج التي انتهت اليها هيئة الرقابة على المصارف مبنية على اساس الخطة السابقة، والتي اعتمدت مبدأ شطب الودائع بطريقة عشوائية الى حد ما، في حين انّ ما أعلنه رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وما أكده قبل ايام سعادة الشامي، يؤشّر الى معطيات جديدة ومختلفة ستتضمّنها خطة التعافي. هذا التغيير سوف يغيّر بدوره المعطيات المتعلقة بوضعية المصارف. وبالتالي، ستصبح لائحة المصارف القادرة على الاستمرار اطول من اللائحة القائمة اليوم. كما ان طريقة الحل التي ستقترحها الخطة، ستساهم بدورها في ان يتخذ المساهمون الحاليون في المصارف قرار إعادة رسملة مصارفهم للاستمرار، ام لا.
في كل الأحوال، النقطة الحسّاسة في هذا الملف لا علاقة لها بعدد المصارف القابلة للحياة، بقدر ما لها علاقة بمصير المودعين في المصارف التي سيتبيّن انها ذاهبة الى التصفية. هذه النقطة ينبغي ان تحدّدها خطة التعافي في وقت مبكر لكي يُبنى على الشيء مقتضاه. اذ ينبغي ان يتخذ القرار في كيفية التعاطي مع المودعين، وهل سيتمكّنون من الحصول على الحقوق نفسها التي سيحصل عليها المودعون في المصارف القابلة للحياة؟ ومن أين سيتم تأمين الاموال، طالما انّ مصرف لبنان لم يعد قادرا على القيام بالدور الذي كان يقوم به، لجهة وضع اليد على المصارف المتعثرة، وضمان حقوق المودعين؟
هذه الاسئلة تنبغي الاجابة الواضحة عنها من خلال تشريعات يجب ان تتضمّنها خطة التعافي، وان يتم بتّها بسرعة في مجلس النواب. وإلا فإنّ مصير المودعين في عدد كبير من المصارف سيكون أسوأ بكثير مما يأمله الطامحون الى استعادة حقوق هؤلاء بنسبة شبه كاملة.