أكرم حمدان – نداء الوطن
كما كان متوقعًا، فقد أرجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس جلسة انتخاب رئيس للجمهورية إلى يوم الخميس المقبل 20 تشرين الأول الجاري الساعة 11 قبل الظهر، بسبب عدم توفر النصاب، وعلى قاعدة «هلا بالخميس» طالما الأجواء لم توحِ بتوفّر النيّة والظروف والإستعداد لإنتخاب رئيس للبلاد. كذلك دعا بري إلى جلسة لانتخاب اللجان النيابية تعقد قبل ظهر يوم الثلاثاء 18 الجاري وذلك عملاً بأحكام المادتين 32 و44 من الدستور والمادة 19 من النظام الداخلي والتي تتحدث عن بداية العقد الثاني العادي لمجلس النواب يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من تشرين الأول وانتخاب اميني السر وأعضاء اللجان.
وطلب بري بعيد مغادرة القاعة العامة من الأمانة العامة للمجلس «إبلاغ نسخة عن اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية اللبنانية للنواب للإطلاع بعد إقراره في مجلس الوزراء»، وذلك في خطوة ذكية ومدروسة منه بعدما طالبه عدد من النواب قبل الجلسة التي لم تنعقد وخلالها وبعدها، بضرورة إطلاع مجلس النواب على إتفاق الترسيم.
وهكذا يكون بري بحنكته المعهودة، لبّى مطالب النواب ورمى الكرة في قصر بعبدا ولدى الرئيس ميشال عون من خلال عبارة «بعد إقراره في مجلس الوزراء»، وهو المتأكد بأنّ التفاهم الحدوديّ ليس معاهدة أو إتفاقية ينطبق عليها نص المادة 52 من الدستور، وبالتالي لا يفترض عرضه على مجلس الوزراء.
ومع ذلك، يجوز السؤال: هل سيقبل رئيس الجمهورية أن تجتمع حكومة تصريف الأعمال لهذه الغاية علماً أنّه لا موانع دستورية تحول دون اجتماعها؟ وهل سيُعيد هذا الطرح ملف الترسيم إلى النقاش والجدال الداخلي بعدما أنجز من الناحية التقنية والسياسية؟ وماذا يستطيع أن يفعل رئيس الجمهورية في ما لو قرر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي دعوة الحكومة إلى الإجتماع؟ أم أنّ ما يجري تم الإتفاق عليه بين الرؤساء الثلاثة من خلال الإتصالات التي أُعلن أنّ رئيس الجمهورية قد أجراها مع الرئيسين بري وميقاتي؟
بداية، لا بد من التذكير بأن المادة 52 من الدستور تقول: «يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالإتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلّا بعد موافقة مجلس النواب».
وفي محاولة للإجابة على بعض الأسئلة، تقول مراجع دستورية وحقوقية إن اتفاق الترسيم ليس معاهدة يُمكن تجديدها كل سنة، وبالتالي ليست بحاجة لإبرامها وفق المادة 52، لكنّ ذلك لا يُلغي إطلاع مجلس النواب على النص على الأقل ليأخذ علماً ويتخذ موقفاً حتى لو لم يصوّت عليه.
وتوضح المصادر نفسها لـ»نداء الوطن» أنّ «ما جرى هو مفاوضات غير مباشرة ولم ينتج عنها معاهدة أو إتفاقية ثنائية، وهو كناية عن مراسلات بين لبنان وإسرائيل عبر الولايات المتحدة الأميركية وبالتالي لا وجود للمعاهدة».
وتؤكد المصادر أنّ «ما حصل في المرسوم 6433 كان ترسيماً أحادي الجانب، وعملاً بمبدأ موازاة الأشكال والصيغ فالترسيم الحالي هو تعديل لهذا المرسوم ولسنا بصدد معاهدة».
إلّا أن ما تقدم لا يمنع برأي المصادر الدستورية والقانونية، لا بل يجب إعلام مجلس النواب بمضمون هذا النص والإطلاع عليه وليس لإبرامه، لا سيّما وانّه يتعلق بملف وطني وإقتصادي كبير ومهم، إلا أنّ الخشية من أن عرض الأمر أمام المجلس سيُعيد فتح النقاش مجددًا من قبل النواب المعترضين الذين يتمسكون بالخط 29 ويعتبرون ما حصل فيه تنازل عن بعض حقوق لبنان، علماً لو أنّ هؤلاء النواب يشكلون أكثرية يمكنهم تعطيل هذا المرسوم من خلال التصويت على قانون معاكس له نظراً لأن القانون أقوى من المرسوم، ولكن هذه الفرضية غير متوفرة طالما أن الإتفاق أنجز تقنيا وسياسياً.
وحول مسألة إجتماع الحكومة، تقول المصادر إن لا شيء يمنع دستورياً إجتماع مجلس الوزراء حتى لو كانت الحكومة مستقيلة وهناك سوابق واجتهادات في هذا المجال، خصوصاً وأنّ المطروح هو ملف مهم وملح وليس أمراً عادياً، كما أنّ اعتراض رئيس الجمهورية لا يُعطّل دعوة الحكومة لكنّه يستطيع أن يمنع ذلك بالتنسيق مع الحلفاء والطلب من بعض الوزراء عدم تأمين نصاب الجلسة.
في الخلاصة، نحن أمام موعد جديد لجلسة انتخاب الرئيس وأمام نقاش وجدل واجتهادات حول ملف الترسيم بما يُشغل اللبنانيين للأيام المقبلة بانتظارالتوافق على رئيس للبلاد وتأمين النصاب لجلسة انتخابه.