خضر حسان – المدن
يقترب سعر صرف الدولار في السوق الموازية من الأرقام التي سبقت قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بيع الدولار عبر منصة صيرفة.
وبعد أسبوعين على القرار وانخفاض الدولار من نحو 40 ألف ليرة إلى نحو 35 ألف ليرة، عاودت الأسعار إلى الارتفاع التدريجي وصولاً إلى ما بين 37500 ليرة و38 ألف ليرة. علماً أن قرار سلامة يفترض ضخ الدولارات في السوق وظهور حركة العملة الخضراء عبر أرقام منصة صيرفة. وللمفارقة، لم تسجّل المنصة حركة غير اعتيادية، بل لم تتأثّر هذه المرّة مقارنةً بتأثّرها في القرار المماثل المتّخَذ في شهر أيار الماضي.
التفاوت في الأرقام
خمسة أشهر تفصل بين القرار الأوّل لسلامة وبين القرار الثاني المماثل، أي التذكير ببيع الدولارات عبر منصة صيرفة. لكن الفارق هذه المرّة هو عدم إظهار التفاعل من خلال أرقام المنصة ودولار السوق. ما يستدعي التساؤل عن الدولارات المباعة وتأثيرها على الأسعار والسوق.
في أيار الماضي، قرَّرَ سلامة تنشيط منصة صيرفة عن طريق “صدمة” إيجابية تمثّلت بِحَثّ المصارف على الافراج عن الدولارات، وعدم عرقلة مسار وصولها إلى طالبيها، وضخها في السوق. وظَهَرَت الحركة من خلال ارتفاع حجم التداول على المنصة من 42 مليون دولار قبل القرار إلى 196 مليون دولار في اليوم الأول لتطبيقه. لكن ما لبثت الأرقام أن تراجعت وتوجّه دولار السوق نحو الارتفاع. وفي القرار الأخير الصادر منذ أسبوعين، ارتفع التداول من 25 مليون إلى 87 مليون دولار.
وبمقاييس أخرى، زاد حجم التداول في القرار الأول 154 مليون دولار في يوم واحد، وزاد 62 مليون دولار في القرار الثاني. كما أن دولار السوق تراجع في المرة الأولى نحو 11800 ليرة، أي من نحو 37800 ليرة إلى نحو 26000 ألف ليرة، في حين تراجع في المرة الثانية نحو 5000 ليرة، أي من نحو 40000 إلى نحو35000 ليرة.
مؤشرات سلبية
تنحصر المؤشرات الإيجابية للقرارين في انخفاض الدولار في السوق وتراجع أسعار المحروقات كنتيجة مباشرة للانخفاض، وتسهيل حصول المستوردين على الدولار. إلاّ أن انعدام التأثير الفعلي للقرار الأول، قلَّصَ المفاعيل الإيجابية للقرار الثاني.
وعلى بُعد أسبوعين من قرار سلامة، لم يشهد السوق حركة بيع كثيفة للدولارات. حتى أن صرّافي السوق السوداء المنتشرين على الطرقات، والذين خسروا كثيراً بعد صدور القرار بشكل مفاجىء مساء الأحد وهبوط الدولار بسرعة، أيقنوا فوراً أن تعويض الخسائر آتٍ مع الارتفاع القريب، وهو ما حصل فعلاً. وعلى غرار الصرافين، لم يسارع الناس إلى التخلّي عن الدولار، إدراكاً منهم عبر التجربة، عقم قرارات وإجراءات المصرف المركزي.
ورغم محاولة الناس حماية دولاراتهم، إلاّ أن الصدمة الإيجابية المفترضة، تحوّلت إلى سلبية من خلال إجبارهم على صرف الدولار بسعر منخفض وشراء السلع بسعر مرتفع. فالتجار لم يخفّضوا أسعارهم. الأمر الذي استنزف إلى حدٍّ ما القدرة الشرائية للمواطنين. وبالتوازي، شكَّلَ الارتفاع السريع للدولار في فترة زمنية قصيرة، بعضاً من الحماية.
الزيادة الخجولة لحجم التداول على المنصة، في اليوم التالي للقرار، وتقليص سعر صرف الدولار، يعنيان أن مفاعيل الانخفاض وهميّة، والأسعار ستعاود الارتفاع مصحوبة بمؤشرات سياسية متوتّرة. والمصرف المركزي من جهته، غير شفّاف في عرض كشوفات المستفيدين من ضخ الدولارات. وكذلك، من المقلق عدم اكتراثه بانعكاسات عمليات الشراء والبيع التي تغذّي المضاربة على الليرة. ومع ذلك، لا مَفَرَّ أمام الحاكم من تكرار تجربته لأكثر من مرّة، لأنه يرى فيها التماساً لمشاعر الناس التي ترحّب بانخفاض الدولار، وإن كانت مفاعيل الانخفاض ضئيلة. وتكرار التجربة يمكّن الحاكم من جمع الدولارات بسهولة وسرعة، ولعلَّ هذا هو الهدف الأساسي من هذه اللعبة.