هيام القصيفي – الاخبار
في مشهد رئاسي يتصدّره حزب الله وحلفاؤه المسيحيون من التيار الوطني الحر وتيّار المردة والمعارضة المسيحية، يضيع صوت المكوّن السني، ويغيب عن الحالة العامة، ما يعكس خطورة الخلل في التوازن على المدى البعيد
خرق مشهد لقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام مشهد التعثر السني وغياب الحضور الفاعل في ملف رئاسة الجمهورية. لكن الصورة وحدها لا تكفي للتعويض عن حجم الغياب السياسي الجلي إلى هذا الحد عن ملف الرئاسة وانكفاء القيادات السنية عن أداء دور محوري في مواكبة التطورات السياسية، كما كانت عادتهم. لكن أهمية الانتخابات الرئاسية وما يجري فيها من مفاوضات يتولاها الثنائي الشيعي مع حلفائه المسيحيين، وتقدم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل المشهد الرئاسي، مقابل تصدر المعارضة المسيحية من جانبها، يضيء أكثر على خطورة غياب المكوّن السني وتأثيراته على المدى البعيد، في صياغة مشروع العهد المقبل وتكوينه على مستويات الرئاسات الثلاث وملحقاتها.
في الآونة الأخيرة، وفي ظل التباين حول النصاب القانوني لجلسة الانتخاب واحتساب عدد الأصوات التي تصب لمصلحة هذا المرشح أو ذاك من المعلنين رسمياً أو غير المعلنين، تضع القوى السياسية أمامها خريطة توزع الكتل السياسية في المجلس النيابي لرسم صورة تموضعها وراء كل مرشح. المفارقة أنه عند عملية الاحتساب للكتل، يقف المعنيون أمام النواب السنة في المجلس النيابي، وعددهم 27 نائباً، من باب إجراء إحصاء لتوزعهم أصواتاً محسوبين على هذا الفريق أو ذاك، ومن زاوية عدد أصواتهم في صندوق الاقتراع، لا تأثيرهم السياسي في اختيار اسم الرئيس المقبل. وبهذا الشكل يتم عدّ أصوات المستقلين منهم والمنحازين إلى قوى 8 آذار أو «التغييريين» أو المعارضة، لرسم كيفية التعامل معهم بالمفرق.
لم يسبق أن واجه السنّة موقفاً مماثلاً في تاريخ الرئاسيات، إذ كان دورهم يشكل عاملاً أساسياً وإطفائياً في بعض الأحيان ومركزياً في أحيان أخرى. في الآونة الأخيرة، ومنذ أن خرج الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية، اعتبر هذا الخروج حداً فاصلاً بين زمنين. لكن الواقع أن الحريري بنفسه كان أعدّ لانسحاب السنّة من الواقع السياسي بعد دخوله المباشر على خط الرئاسيات مع الرئيس ميشال عون، بخلاف الغطاء السعودي العربي. لكن فعل الخروج بذاته ضاعف من حدة الفراغ السني، الذي كان يؤمل مع الانتخابات النيابية أن يستعيد بعضاً من نفوذه. فلا تتكرر تجربة المقاطعة المسيحية في 1992 وما تلاها من انسحاب المسيحيين من الحياة السياسية. لكن رغم محاولات القيادات السنية نفي تكرار تجربة المسيحيين وانحسار دورهم في التسعينيات، فإن الانتخابات النيابية التي سجلت فيها مماحكات شخصية بين الحريري والذين اعتبر أنهم انقلبوا عليه، إضافة إلى تأثير العامل السعودي، وما تبعها وسبقها من انسحاب الرئيس تمام سلام، ومن ثم انكفاء السنيورة، بعد خسارة من دعمهم في الانتخابات، عوامل تجمعت كلها لتجعل ما كان يخشى منه الحريصون على الدور السني، يحصل تماماً.
ورغم أن ثمة محاولات، سواء من دار الإفتاء أو بعض الاتجاه السائد، لاستعادة حضور بعض المكونات بغطاء سعودي، أو توجيه الأنظار إلى حكومة تصريف الأعمال وتفعيل دورها كبديل عن الحالة السنية العامة، إلا أن في ذلك كثيراً من اللاواقعية وعدم معرفة تامة بحقيقة الأرض وواقع الانكفاء السني وتداعياته، لأن رئاسة الحكومة ليست قادرة بعد – رغم محاولات لقاءات سنية متفرقة تحت مظلتها – على الإمساك بزمام القيادة السنية بالمطلق، خصوصاً في ضوء التباين بين موقعها والغطاء العربي – السعودي. إضافة إلى أن دور ميقاتي وحضوره الخارجي لا يزالان محصورين بموقعه ودوره أكثر منهما بدور الطائفة ككل.
في المقابل، لا يزال حجم الانقسام الداخلي بين الأفرقاء السنّة كبيراً حول قراءة موحدة لمستقبل الطائفة وتكتلاتها، ما يجعل من الصعب الانتقال بدورها إلى مركز القرار مجدداً. ويتحمل رؤساء الحكومات السابقون جزءاً أساسياً من المسؤولية في ضوء الانكفاء المتزايد عن الحضور الفاعل وتزخيمه، بعدما تغيرت ممارستهم واختلف عملهم جذرياً عن المرحلة التي تلت عام 2005.
مشكلة هذا الانكفاء وخطورته أنه يكشف هشاشة بعض الممثلين السنّة في مرحلة حساسة، ويضع الفاعلين منهم في موقع خلفي، ويجعل من حلفاء تقليديين، سواء من مرحلة عام 2005 أو ما قبلها كرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وشخصيات مستقلة من المسيحيين، في موقع حساس، من دون سند أو خلفية يمكن التوافق معها والتنسيق في ما يتعلق بملف الرئاسة وغيرها. وكذلك يجعل الخصوم من بقايا مرحلة الخلافات السابقة، في موقع المستفيد من الانهيار الكبير الذي يجعل القرار السني ملحقاً بدوائر قرار أخرى. هذا ينطبق على رئاسة الجمهورية كما على اختيار رئيس الحكومة المقبل، وهذه نقطة جوهرية لا يمكن تخطيها في ظل ما يتردد من أسماء لتوليها، لأن في اختيار الاسمين، بغياب القرار السني على مستوى القيادة المركزية، يعني أن التجربة ستكون شبيهة بما حصل مع المسيحيين بعد الطائف. إذ إن ذكر المذهب على الهوية لم يكن يومها ولن يكون اليوم معياراً لحجم التمثيل الحقيقي.