كتبت صحيفة الديار تقول: عيد استقلال «كئيب» يحل اليوم في غياب «الوطن». عيد للفراغ على كافة المستويات دون اي «ضوء في نهاية النفق». وفي غياب كل مقومات الحياة الكريمة، ويأس اللبنانيين من حاضرهم ومستقبلهم، طبيعي ان يغيب الاحتفال الرسمي في ذكرى استقلال فقد كل معانيه الحقيقية. وحده «امر اليوم» من قبل قائد الجيش جوزاف عون للعسكريين منع حرف «بوصلة» دور المؤسسة العسكرية، وذكّر بان اولويتها الحفاظ على الامن.
في هذا الوقت، لا تزال الدوحة «قبلة» العالم رياضيا مع دخول مباريات كأس العالم يومها الثاني، واذا كان «لا صوت يعلو فوق صوت» كرة القدم، فان الديبلوماسية تحركت تحت «عباءة» الحدث الرياضي في اكثر من اتجاه بعد الحضور السياسي الرفيع في الافتتاح، فاجتمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان في مقدمة لفتح صفحة سياسية جديدة في منطقة تتقلب فيها التحالفات. وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن وصل الى الدوحة لحضور مباراة فريق بلاده، وسيغتنم الفرصة لإجراء محادثات تتعلق بملف النفط والغاز على خلفية الحرب الاوكرانية.
ديبلوماسية «الكرة» التي تقودها قطر يغيب عنها لبنان، كما غاب حتى الآن «المونديال» عن شاشته الرسمية بسبب «التخبط» المعتاد لمسؤوليه. الملف اللبناني ليس على «الطاولة»، ولا احد يلتفت اليه على الرغم من «الموت السريري» القائم حاليا.
هذه الخلاصة توصلت اليها باريس، التي تحاول ملء الفراغ بحراك دون «انياب» ودون آمال كبيرة بالنجاح. ثمة رهان على الوقت دون طائل، والمواعيد التي يضربها بعض المسؤولين اللبنانيين لانجاز الاستحقاق الرئاسي مطلع العام المقبل مجرد «بيع اوهام»، لانه لا يستند بحسب مصادر ديبلوماسية الى اي معطى حقيقي وجدي.
في هذا الوقت، فان تضييع الوقت مستمر داخليا، وابرز دلائله المناورات السياسية غير المنتجة ، وتبادل «التراشق» بمواصفات الرئيس العتيد، فيما يتفوق مجلس النواب على غيره في «اللعب» في الوقت الضائع، وهو ينشغل في هذه الفترة «بفك» «طلاسم» قانون «الكابيتال كونترول»، وكأن ثلاث سنوات لم تكن كافية، فغرق النواب بالامس في «مستنقع» البحث عن تعريف واحد للقانون يشير الى ان الخلافات عميقة، ولا يبدو ان القانون سيبصر النور قريبا. فالخلاف على «جنس» منصة صيرفة ارجأ النقاش الى اجل غير مسمى بعد عقم التعريفات. ورفعت الجلسة حتى مطلع الاسبوع المقبل لمحاولة تعريف الاموال القديمة والجديدة!
حراك باريس «عقيم»
واذا كانت الحركة الرئاسية في الداخل قد هدأت علنا وانتقلت محاولات انضاج «الطبخة» الى «الكواليس»، حيث يحاول كل «معسكر» تنظيم صفوفه دون النجاح حتى الآن في ذلك، تصطدم باريس حتى الآن بانعدام الاهتمام الخارجي بالملف اللبناني. ووفقا لمصادر ديبلوماسية، فانها تنتظر اجوبة سعودية عن «الثمن» المطلوب لإجراء التسوية على الساحة اللبنانية. هي اثمان كانت طلبتها منذ اشهر من الموفدين السعوديين، ولم يحصل عليها الرئيس ايمانويل ماكرون خلال تواصله مؤخرا مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان. وقد فهم الجانب الفرنسي ان الرياض غير جاهزة بعد لفتح النقاش الجدي حول الموضوع، حيث آثر ابن سلمان «الهروب» من تقديم اي التزامات، مفضلا ترك الامور مفتوحة دون اجوبة.
لبنان ليس على «الطاولة»
وفي الوقت نفسه، لا تملك باريس ايضا اجوبة اميركية عن موقع لبنان في جدول اولويات ادارة الرئيس جو بايدن. ولهذا فان ما تقوم به فرنسا حتى الآن يبقى «حركة من دون بركة». وقد ازدادت قناعة الادارة الفرنسية بعدم وجود نية لدى احد في وضع لبنان على «الطاولة» وابعاده عن القضايا الشائكة في المنطقة. وحدها طهران كانت واضحة بترك الملف بين «ايدي» حزب الله، وجزمت انها لن تتدخل باي مقاربة يقبلها . ودون ذلك لا جديد، فالملف اللبناني يبقى مفتوحا على مصراعيه، دون ان تكون هناك مواعيد ثابتة لاي احتمال لإجراء مقايضات. واكتشف الفرنسيون انه ليس هناك من يريد ان «يبيع او يشتري».
الفرصة الضائعة؟
ونقلت شخصية لبنانية بارزة عن ديبلوماسي فرنسي رفيع المستوى، قوله ان فرصة سانحة قد ضاعت عندما تم انجاز «الترسيم» بمعزل عما عداه من قضايا لبنانية شائكة، ويقر ان بلاده لم تنجح في «تهريبها». ووفقا لهذا الديبلوماسي، لم يجد ماكرون مسؤولا لبنانيا يمكن ان يساعده في تعزيز موقف لبنان التفاوضي خلال المفاوضات على «الترسيم»، في محاولة «لاقناع» واشنطن بضرورة عدم عزل هذا الملف الاستراتيجي عن القضايا اللبنانية الملحة، وفي مقدمتها الاستحقاقات الدستورية، والوضع الاقتصادي الصعب. لكن هذا لم يحصل، واصيب المسؤولون الفرنسيون بخيبة امل.
وبرأي باريس لا يملك لبنان اليوم اي «ورقة» قوة يمكن الرهان عليها لمحاولة احداث اختراق في «الجدار» السعودي- الاميركي. ومصدر القلق الوحيد الذي يترك تأثيرا مباشرا بالاحداث، ويغيّر من المواقف الخارجية يرتبط بالامن على الحدود الجنوبية، ولا شيء يوحي بأي اهتزاز قريب يمكن ان يغيّر من اولويات بعض الدول. ولهذا يراهن الفرنسيون على الوقت وليس على اي شيء آخر، لانهم لا يملكون بين ايديهم اي افكار جاهزة او قدرة على الضغط على اي من الاطراف.
سياسة «الابواب المفتوحة»
وهذا ما يفسر سياسة «الابواب المفتوحة» التي تنتهجها باريس مع كل الاطراف اللبنانية، بمن فيها حزب الله، واستقبالها لمقربين من رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وكذلك رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. فبالنسبة لها لا يوجد «فيتو» على احد من الاسماء المتداولة، وهم مرشحون طبيعيون بالنسبة اليها، لكنها تحاول قدر الامكان «لبننة» الاستحقاق من خلال حصر الترشيحات اولا بشخصيتين او ثلاث على الاكثر تكون حظوظهما مرتفعة، كمقدمة للبدء «بجس النبض» حول حظوظها.
«فيتوات» وايجابية؟
ويعتقد الفرنسيون، ان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون، اكثر مرشحين جديين من بين المتنافسين، ويدركون جيدا ان فرص رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل شبه معدومة، وكانوا ينتظرون منه ان يقدم في زيارته الاخيرة تصورا واضحا حيال كيفية الخروج من «المأزق» في شقه الداخلي، لكنه لم يحمل معه اي «خارطة طريق» حيال كيفية التعامل مع الانقسامات العمودية والافقية داخل مجلس النواب وخارجه. ووفقا للمعلومات، حمل باسيل معه «سلسلة « من «الفيتوات»، وايجابية واحدة. فهو اعرب صراحة عن رفضه لكل المرشحين المسيحيين الاقوياء من خارج دائرة «التيار الوطني الحر»، باعتبار انه يتنازل شخصيا عن حقه في الترشح! ولن يهدي الرئاسة لاي من «خصومه» بمن فيهم فرنجية وقائد الجيش. اما ما يراه الفرنسيون ايجابيا في طرحه فهو قبوله المشاركة مع الآخرين بتسمية رئيس «تسوية» يعكس حقيقة ثقل «التيار» في الشارع المسيحي، اي لا بد من ان يكون «صانعا للرئيس» الجديد! وهو امر غير قابل «للتسويق» لبنانيا وخارجيا، اقله في هذه الفترة.
رهان فرنسي؟
اما الرهان الفرنسي الوحيد، فيبقى على القمة الاميركية – الفرنسية الشهر المقبل، حيث سيحاول ماكرون وضع لبنان على جدول الاعمال، وهم سيضغطون في الفترة الفاصلة للحصول على الاجوبة السعودية، التي لا تبدو جاهزة بانتظار تبلور العلاقات المتوترة مع طهران.
افكار «فاتيكانية» وبرودة الراعي
ووفقا لاوساط مطلعة، وحده الفاتيكان يحاول مواكبة الحراك الفرنسي، وتعمل الدوائر المختصة في الكرسي الرسولي على التواصل مع الدول المعنية بالشأن اللبناني، وقد حصل نهاية الاسبوع اتصالات مكوكية مع سفراء كل من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر وايران، في محاولة لبلورة صيغة معقولة يمكن الانطلاق منها نحو تسوية يمكن التسويق لها داخليا، لكن لا نتائج ملموسة حتى الآن. ووفقا للمعلومات، ستعمل الفاتيكان قريبا على التواصل مع القيادات السياسية المسيحية في محاولة منها لإيجاد قواسم مشتركة بينهم، قبل الانطلاق بفكرة لمحاولة جمعهم تحت «عباءة» الكرسي الرسولي في لبنان او الفاتيكان. لكن البطريرك بشارة الراعي لم يكن متحمسا للفكرة ولا يزال عند رأيه، نتيجة التجارب السابقة التي كانت نتائجها مخيبة للآمال.
سجال حول مواصفات الرئيس
في هذا الوقت، استمر السجال حول مواصفات الرئيس العتيد، وفيما اعتبر عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب فادي كرم ان رئيس الجمهورية يصل عبر التكتلات النيابية، وليس عبر تدخل إيراني بحت في الشؤون الداخلية من خلال حزب الله، جدد الحزب عبر رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد تمسكه بمواصفات الرئيس العتيد، وقد دعا الى البحث عن «رئيس للجمهورية لا يغدر بنا، ولا يطعننا في ظهرنا، ولا يقدم إنجازنا على طبق من فضة لأعدائنا، وهذا الأمر ليس سهلا لأن هذا الرئيس لا نفرضه ونحن نفتش عن صفاته كما غيرنا يفتشون». وشدد رعد على ضرورة «التفاهم حول هذا الرئيس»، مستدركا «لكن لا أحد يقنعنا برئيس يكون عبدا وخادما عند الأسياد، الذين يحضنون «إسرائيل» ويدعمونها ويساعدونها، ويأتون ليخادعونا ويضللونا ويقولوا لنا إننا أصدقاء لكم». وسأل رعد مستهجنا «أي أصدقاء وأنتم تدعمون «إسرائيل» بكل ما تستطيع به أن تدمر حياتي ومجتمعي ومستقبل وطني؟! وقال: «نحن نعلم جيدا كيف نقدر ونميز بوضوح بين العدو الحقيقي والصديق الحقيقي».
دريان ورجال الاستقلال
من جهته، دعا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان «أعضاء المجلس النيابي الى القيام بواجباتهم والى اتخاذ مبادرة بمناسبة ذكرى الاستقلال بالاتفاق والتوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية يتحلى بالمواصفات التي تذكرنا برجال الاستقلال الذين ناضلوا وضحوا من اجل وطنهم».
علاقة بري – باسيل؟
وفي سياق متصل، «اهتزت» محاولة التقارب بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، لكنها لم «تقع» اثر التسريبات المتبادلة حول نتائج اللقاء «السري» بين الرجلين، التي جاءت ردا على «التسريبات» الباريسية. وفي هذا الاطار تفيد المعلومات بان الاتصالات الحثيثة من قبل حزب الله، نجحت في منع «الانهيار» ووقف التداعيات عند حدود «سوء الفهم غير المقصود». واذا كان قليلون يعوّلون على امكان فتح صفحة جديدة بينهما، الا ان مجرد ابقاء الابواب مفتوحة امام الحوار، والتزام الطرفين بعدم التصعيد مؤشر ايجابي يمكن البناء عليه.
مهزلة «الكابيتال كونترول»
على صعيد آخر، استمرت النقاشات العقيمة في «ساحة النجمة» حول قانون «الكابيتال كونترول»، وبدا النواب كمن يبحث عن «جنس الملائكة»، وهو مؤشر على عدم الجدية في الوصول الى خواتيم قريبة لهذا القانون، الذي فقد اهميته مع مرور ثلاث سنوات على موعد اقراره «الطبيعي». فبعد ساعات من البحث في اللجان النيابية المشتركة، لم يحصل اي تقدم حقيقي يذكر، وأعلن نائب رئيس مجلس النواب، الياس بو صعب، بعد الجلسة التي ترأسها أنّنا «سندخل بمناقشة المادة التي تُعنى بإنشاء لجنة خاصة للكابيتال كونترول». وقال»أنا واحد من المودعين وأعرف صرختهم الحقيقية، وهناك من يحاول تضليل المودعين، ونحن هنا لنتخذ قرارا يحميهم». واعتبر أنّ «الكابيتال كونترول سيكون لحماية حقوق المودعين وسينظم التحاويل إلى الخارج». ولفت إلى أنّ صندوق النقد الدولي «اليوم بشروطنا اللبنانية ضرورة». كما أعلن أنه تم الاتّفاق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على عقد جلستين الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع المقبل لمتابعة مناقشة القانون. وأوضح بو صعب أنه «وصلنا إلى المادة 17 وهي لتعريف الأموال الجديدة، وسوف ندخل في المادة الأساس وهي الأهم وهي الثالثة، حول إنشاء لجنة خاصة تشرف على تطبيق الكابيتال كونترول» ، مشيراً إلى أنّه «لا يوجد قرار بهذا الشأن، بل الأمر يتّخذه المجلس النيابي، ونحن ننفتح على كل النقاشات، ودوري هو إدارة الجلسات».
تحركات اعتراضية
وبالتزامن مع جلسة اللجان المشتركة، نفذ «تحالف متحدون»، تلبية لدعوة جمعية «صرخة المودعين» وقفة أمام مدخل مجلس النواب «لإسقاط مشروع قانون الكابيتال كونترول بصيغته المطروحة، كمشروع قانون عفو مقنّع عن سارقي المال العام والخاص». وانضمّ إلى المعتصمين وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين.
الصندوق السيادي: خلاف جديد
في هذا الوقت، دخل قانون انشاء «الصندوق السيادي» لادارة ملف الغاز «حلبة» الصراع السياسي، حيث ستؤدي الاختلافات حوله الى «دفنه» كما باقي القوانين الاساسية، وفي هذا السياق ، قدم النواب جورج عقيص ورازي الحاج وغادة وايوب، باسم تكتل «الجمهورية القوية» الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، اقتراح قانون يرمي الى انشاء الصندوق السيادي اللبناني، مصحوبا به مذكرة الأسباب الموجبة، متمنين عليه إدراجه على جدول أعمال أول جلسة تشريعية سنداً للمادة 101 وما يليها من النظام الداخلي للمجلس النيابي. لكن مع تحول المجلس النيابي إلى هيئة ناخبة منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، ورفض قسم كبير من النواب التشريع قبل انتخاب رئيس جديد، فإن توصل الكتل النيابية إلى أي تفاهم بخصوص قانون موحد لإنشاء الصندوق السيادي ليتم إقراره في الهيئة العامة لن يصل الى اي نتيجة. فالنكد السياسي سيؤدي حكما الى عدم البحث به قبل حصول الانتخابات الرئاسية. مع العلم ان اقتراح «القوات اللبنانية» بالامس ينضم الى 3 اقتراحات قوانين تتناقض في تصورها لكيفية صرف العائدات، والمرجعية التي يجب ان تديره.